-1-
لم تكن كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 كارثة أمريكية، بقدر ما كانت كارثة إنسانية عالمية quot;مُعولمةquot; شاملة، وعامة بالمعنى الحقيقي والواقعي، وليس بالمعنى المجازي.
فضحايا هذه الكارثة لم يكونوا من الأمريكيين فقط، أو من الأوروبيين فقط، أو من المسلمين فقط، أو من المسيحيين فقط، ولم يكونوا بيضاً فقط، بل كانوا من كل ديانات وألوان وأجناس الأرض، التي كانت تضمهم نيويورك كمدينة عالمية، وليست كمدينة أمريكية فقط. وكان من بين ضحايا هذه الكارثة مسلمون من بنغلادش، والباكستان، وماليزيا، وإندونيسيا، وتركيا، ومصر، ولبنان. وكان من بين هذه الضحايا مسيحيون من الشمال: من أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والدنمارك، وبلجيكا، وألمانيا، والسويد، وسويسرا، وإسبانيا، وايرلندا، وكندا. ومن الجنوب: البرازيل، وتشيلي، وكولومبيا، والمكسيك، والسلفـادور، وفنـزويلا، وأورغواي. وكان من بين الضحايا بوذيون من اليابان، والصين، وكوريا، وتايوان، والفلبين.
وكان من بين الضحايا البيض والسود والحُمر والصُفر.
إذن فهذه الكارثة كانت ضد الإنسانية كلها، ولم تكن ضد أمريكا فقط.

-2-
كانت كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 كارثة فظيعة ومروّعة وشنيعة، وهي بمثابة اختبار جديد للعقل الديني الإسلامي وللعقل السياسي العربي.
كذلك، فإن كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 كانت امتحاناً جديداً وعسيراً للعقل السياسي العربي، وكان مطلوباً من هذا العقل أن يقول كلمته الواضحة والصريحة فيها.
فهل استطاع العقل العربي بعد مضي نصف قرن على quot;عصر التنويرquot; العربي الذي ابتدأ مطلع القرن العشرين، أن يُغيّر من بياناته الخطابية والإنشائية والعاطفية المتعصبة، ويتخلّى عن التعالي والمكابرة والنرجسية، ويحتكم إلى الواقعية والمتغيرات الدولية الجديدة، ولا ينظر إلى الكوارث والأحداث، وكأنه يعيش وحده في هذا العالم، دون أي اعتبار للآخر؟

-3-
إن العقل العربي، الذي عالج وتصدّى لكارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 هو العقل العربي نفسه الذي فشل في المواجهة مع الغرب على مدار القرن العشرين والذي خاض عدة حروب مع إسرائيل خسر معظمها.
وهو العقل العربي نفسه، الذي فشل فشلاً ذريعاً في مسألة التحديث والتنمية وإقامة دعائم الدولة القوية العلمانية والعلمية والعقلانية.
وهو نفسه العقل العربي، الذي لم يُحقق قدراً يُذكر من الديمقراطية بعد مضي ما يقارب القرن من الزمان، منذ أن رحل عن أرضه المستعمرون العثمانيون.
وهو العقل العربي نفسه، الذي صنع الحكّام المستبدين، والذين يرى الغرب أنهم أفضل بكثير من حكام اللحى والعمائم (طالبان)، وأرحم منهم، وأكثر تفهماً، وأكثر عقلانية، بحيث لا يصل تحريم المنكرات في مجتمعاتهم إلى عشرين منكَراً تافهاً، كما أصبحت في عهد quot;طالبانquot; مثلاً.

-4-
لقد تغيّر العالم، وتغيّر عقل العالم، بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم يتغيّر العقل العربي. فقد ظل العقل العربي محافظاً على ثوابته quot;المكينةquot; السابقة، بعد هذه الكارثة، كما كان قبلها، والتي تتلخص في:
- عدم تأييد الغزو الأجنبي لأراضٍ عربية أو إسلامية بغض النظر عن السبب.
- عدم الفصل بين النقمة على الحكومات والانتقام من الشعوب.
- اعتبار النقمة على الحكومات من قبل الغرب انتقاماً من الشعوب.
- المناداة بقوة عسكرية عربية/إسلامية بديلة، للقيام بفضِّ المنازعات الإقليمية، بدلاً من الغرب الكافر.
- الإيمان بوجود صراع حقيقي بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. ولا أدري أين هي الآن الحضارة الإسلامية أو العربية؟
- الاعتقاد بأن الغرب يسعى جاداً إلى هدم الإسلام، وعلينا جميعاً الوقوف بوجه الغرب للحيلولة دون ذلك. فهل أصبح الإسلام مجرد حائط متهالك؟
وتلك هي جميعها من quot;ثوابت الأمةquot;، قبل كارثة 11/9/2001 منذ زمن طويل.
فهل تغيّر العقل العربي، أم أننا quot;محلك سرquot;، وما زلنا كذلك؟
السلام عليكم.