-1-
اليوم، الذكرى السادسة، لإنارة العراقيين لبغداد الظلام، وجمهورية الخوف، وإسقاطهم للأصنام، وإنارتها بالحرية والديمقراطية.
أتذكر هذا اليوم من عام 2003، عندما كتبت صباح 9/4/2003 مقالاً احتفاءً بإنارة بغداد وسقوط أصنام الطاغية.. هُبل الأكبر.
أخذتني لحظة الإنارة والسقوط الأخّاذة. وقلت في تلك اللحظات، وأنا أرى بأم عيني لأول مرة، انهيار وسقوط صنم هُبل الأكبر، في ساحة الفردوس ببغداد:
هل صدّق أحدٌ من العرب المقهورين، والمشردين، والمنفيين، والمطاردين، والمسجونين عينيه، وهو يرى أصنام الديكتاتور تنهار، واحداً بعد الآخر، في بغداد، والبصرة، والنجف، وكربلاء، وكل العراق؟
-2-
وتساءلت وقتها قائلاً:
هل هذا معقول، أن يُسحق أول ديكتاتور عربي في التاريخ على هذا الوجه، كما سُحقت الديكتاتورية في ألمانيا، والاتحاد السوفيتي، واليابان، وكوريا، وكل أوروبا الشرقية، من قبل؟
وهل من المعقول، أن القدر لم يعد ينتظر الديكتاتوريين العرب، لأن يزهقهم الموت الطبيعي، لكي تتخلص منهم الأمة، فأصبح يُرسل لهم القوى العظمى للخلاص منهم بقوة السلاح، والآن يرسل لهم المحكمة الجنائية الدولية؟
وخطابتكم قبل ست سنوات متسائلاً:

ألا يذكركم منظر انهيار أصنام الواحد الأحد، والقائد الصمد، والرئيس النفيس، والزعيم العظيم، والأديب اللبيب، والمُهيب العجيب، وفرعون الرافدين، بمناظر سقوط أصنام هتلر، وموسوليني، ولينين، وشاوشسكو، وميلوسيفتش، وهي تنهار وتتساقط واحداً وراء الآخر، في أنحاء متفرقة من ألمانيا، وايطاليا، والاتحاد السوفيتي، ورومانيا، وكوسوفو؟
-3-
ويومها - يا خال - تمَّ تكفيرنا، ورُمينا بالخيانة، وبأننا من الطابور الخامس، ومن كتبة المارينز، ومن سدنة البيت الأبيض، وعبيد الدولار الأخضر، وحلفاء المحافظين الجُدد، وأننا الصهاينة الجدد.. الخ. وأحصيتُ بالأمس من مواقع الانترنت، عدد التهم التي رُميتُ بها، فوجدت أنها تفوق الخمسين تهمة، خاصة عندما كتبت مقالاً (اليوم المشهود والوفاء بالعهود) في 30/6/2004، أقول فيه، إن ما حصل في العراق ليس احتلالاً كما يدّعون، وإنما هو إحلال Supplant لنظام ديمقراطي مكان نظام دكتاتوري طاغٍ. فسخروا مني، ورموني بالبيض الفاسد. ولكن صدَّقت الأيام رؤيتي. وها هو أوباما، يحاول بشتى الطرق، إقناع القيادة العراقية بضرورة انسحاب أمريكا من العراق بدءاً من أغسطس 2010، بعد أن قُضي على الإرهاب، وفلول البعثيين، وتمَّ تطويع سوريا، وردع إيران، وأُعيد تشكيل وتسليح وتدريب الجيش والشرطة العراقيين.
فإي احتلال في التاريخ فعل ويفعل ذلك؟!
وها هو العراق يعود اليوم مُعافاً للعراقيين الشرفاء، حراً، طليقاً، ديمقراطياً، دستورياً، رغم كل الأخطاء والعثرات والسرقات، التي سيتغلب عليها واحدة بعد الأخرى.
وها هم العرب يعودون إلى بغداد، القلعة الصامدة، بعد أن راهن معظمهم على دمارها وسقوطها، وهربوا منها، كهروب الفئران من السفينة المشرفة على الغرق.
وها هم السفراء العرب يعودون إلى بغداد، بعد أن هربوا منها طيلة السنوات الماضية.
وها هو عمرو موسى يقول، بأن القمة العربية ستُعقد في بغداد قريباً.
فالعرب أيقنوا بعد ست سنوات عجاف، أن العراق أقوى مما تصوّروا، وأكبر مما حسبوا، وأشد مما تخيّلوا.
-4-
في السنوات الست الماضية، خاض الشعب العراقي الباسل، أكبر مواجهة تاريخية مع الإرهاب، وهزمه هزيمة منكرة. وكنَّا إلى جانب الشعب العراقي في معركته لهزيمة الإرهاب، الذي تدفق على العراق من كل فج عميق.
وفي الوقت الذي كان فيه معظم المثقفين العرب، ومعظم الشارع العربي، يدعم الإرهاب في العراق، ولبنان، وفلسطين، وأفغانستان، باسم الجهاد الديني المقدس، وباسم الدفاع عن شرف الأمة، وباسم مقاومة الاحتلال.. الخ. كنا نقف كالأطواد في وجه الإرهاب، والى جانب الشعب العراقي، حتى تمّ النصر المؤزر اليوم.
لقد راهنَّا على حصان فائز وهو الشعب العراقي، وراهن الآخرون على بغل أجرب خاسر، وهو الإرهاب، ومن يقف من ورائه.
وكان انتصار الشعب العراقي على الإرهاب، هو انتصار للعرب جميعاً ndash; كما كنا نقول ونردد دائماً ndash; وبالفعل، فهزيمة الإرهاب في العراق، هي هزيمته في الوطن العربي كله.
وانظروا ماذا نحن فيه الآن في العالم العربي من أمن واستقرار نسبي.

-5-
إن المشوار أمام الشعب العراقي بكافة مكوناته الدينية، والطائفية، والإثنية، والعرقية، ما زال طويلاً، ومرهقاً.
فصحيحٌ أن الشعب العراقي قد استطاع ببطولة نادرة، وبزمن قصير القضاء على الإرهاب، إلا أن هناك آفةً فتَّاكة أخرى، لا تقل عن الإرهاب الماضي خطورةً، وهي الفساد المالي والسياسي والإداري، المستشري في أعضاء الدولة العراقية.. دولة الحرية والديمقراطية. ولا بُدَّ أن الشعب العراقي سينتصر على هذه الآفة الفتاكة قريباً، كما انتصر على الإرهاب، الذي كان يريد أن يُحيل العراق إلى أمارة طالبانية، بدل الأمارة المنهارة في أفغانستان.
-6-
بالأمس شاهدت كيف يجب أن يكون العراق الجديد.
فبالأمس، شاهدت منظراً رومانسياً خلاباً، على ضفاف دجلة في بغداد. شاب وفتاة، يمشيان على ضفاف دجلة، وأيديهما متشابكتين، بكل أمان وحرية، يغنيان للحب وللغد، وأشجار النخيل من بعيد، تتمايل تحية للربيع القادم.
هذا هو العراق الجديد، بعد ست سنوات من الكفاح، والتضحيات العظيمة.
إنه الحب والغد.
فانتظروه، وعودوا إلى العراق يا من في الشتات.
السلام عليكم.