-1-
صدام حسين، عمر البشير، معمر القذافي، بشار الأسد، وغيرهم .. كل هؤلاء الحكام الدكتاتوريين، رؤوس قد أينعت منذ زمن، وحان قطافها. ولكن قطافها يحتاج إلى معجزة تاريخية. فقطاف رأس صدام، كان معجزة تاريخية، من الصعب أن تتكرر مرة أخرى.
فـ CIA لن تكذب مرة أخرى على رئيس أمريكي. وأمريكا لن تشهد رئيساً مخدوعاً حار الدماء كالرئيس جورج دبليو بوش. وأمريكا لم تعد تملك المال الوفير (400 مليار دولار) لكي تدفعه في بلد مثل العراق، فدية للحرية والديمقراطية، التي ينعم فيها العراق الآن، ثم تأتي نخبة من السياسيين الدينيين المُعممين بالعمائم السوداء والبيضاء، ليقطفوا ثمار كل هذا، سرقةً وفساداً ونهباً، بحيث أصبح في العراق أكبر فضيحة للفساد المالي في التاريخ، كما أعلنت quot;منظمة الشفافية العالميةquot;.
ولو كان لـ quot;منظمة الشفافية العالميةquot; اليد الطولى في البلدان العربية الدكتاتورية الأخرى، لظهرت لنا نتائج يشيب لها الولدان.
ولكن ليس من الضروري أن تُجيّش الجيوش، وتتحرك حاملات الطائرات، وتنتصب الصواريخ، وتُرسل عشرات الآلاف من الجيوش لقطف رأس دكتاتور عربي جديد كصدام، وهو البشير الآن.
من الممكن أن يقوم العالم الحر، متمثلاً بمجلس الأمن، والأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية بذلك، إذا وجدت من يطالب برأس الباقين، ممن حان وقت قطاف رؤوسهم.
المهم أن يكون هناك من يتقدم للمحكمة الجنائية بطلب محاكمة هؤلاء، وتقديم الأدلة على ذلك كما طلب القاضي أوكامبو، حين وُجّه إليه اتهام الكيل بمكيالين، فقال قدموا شكواكم مع الأدلة القانونية اللازمة، وانتظروا منا ما نحن فاعلون.
-2-
ولكن، من الذي عليه الدور الآن بعد صدام، والبشير؟
لا شك بأنه معمر القذافي، الذي قتل عام 1996 ، 1200 سجيناً في ليلة واحدة، في سجن أبو سليم في طرابلس.
القذافي، هو من عليه الدور بعد البشير الآن، لكي يحاكم أمام محكمة الجنايات الدولية، على ما ارتكبه من جرائم في حق الشعب الليبي، والضحايا الآخرين من جنسيات مختلفة.
القدافي، هو الذي يجب أن يحاكم بعد محاكمة البشير، لأنه ارتكب جريمة إرهابية في عام 1989، بتفجير طائرة ركاب في لوكربي، قُتل فيها 270 قتيلاً. ودفع تعويضاً بمليارات الدولارات من جيب الشعب الليبي، ومن ثروته التي استولى عليها القذافي، وراح يبددها يصرفها على العمليات الإرهابية المختلفة في العالم.
والقذافي، هو الذي يجب أن يُحاكم بعد محاكمة البشير، لأنه ارتكب جريمة إرهابية في سقوط طائرة شركة يوتا عام 1989 ، التي أودت بحياة 170 قتيلاً. وقد اعترف القذافي بهذه الجريمة، ودفع ثمنها، نقداً من جيوب الشعب الليبي.
والقذافي، هو الذي يسجن مئات المعارضين السياسيين في ليبيا، ويلاحق المئات منهم في أوروبا، ويطلق عليهم quot;كلاب شوارعquot;.
فهل تكفي مليارات الدولارات التي دفعها القذافي ثمناً لجرائمه للغفران له؟
-3-
سيسقط الغرب، وتسقط أمريكا معه من كفة ميزان العدالة الدولية، إلى قاع بئر المهانة والتهاون والزيف والكذب وسواد التاريخ، فيما لو اكتفيا بمليارات الدولارات التي دفعها القذافي فداءً لرأسه، ورأس العصابة التي تحكم ليبيا.
فهل يقبل الغرب وتقبل أمريكا خمسة مليارات دولار، فداء لرأس البشير الآن؟
إن سكوت الغرب وأمريكا بما ألقفهما القذافي من مليارات الدولارات، يجب أن لا يحجب الحقيقة عنهما، وهي أن ليبيا منذ أربعين عاماً، تُحكم بالحديد والنار، وبأعتى الدكتاتوريات المتوحشة.
-4-
إن الشعب العربي في ليبيا كما هو الشعب العربي في العراق والسودان، لم يكن قادراً وليس قادراً على الثورة، واقتلاع الدكتاتورية من بلاده بيديه، كما تفعل باقي شعوب العالم.
إن الشعب العربي في ليبيا، بحاجة إلى تدخل أجنبي خارجي، لإنقاذه من حكم الدكتاتورية، الذي يرزح تحته منذ أربعين عاماً، ويزداد هذا كل عام ثقلاً وهيمنةً وطغياناً.
فهذا التدخل مطلوب في ظل تقاطع المصالح، كما يشرحه المفكر الليبرالي التونسي العفيف الأخضر. فمنذ مطلع الحداثة، كانت الأسباب الموجبة للتدخل الخارجي الذي غلب عليه شكل الحرب أسباباً قومية. ومع نهاية الحرب الباردة جدَّ جديد، وهو تقاطع المصلحة القومية مع المصلحة الكونية في التدخل الخارجي. ولكن ما زال الوعي السياسي المؤثث بردود الفعل التلقائية والدينية أو القومية لم يهضم بعد هذا المفهوم الجديد. وعموماً فإن المصلحة القومية عمياء وحصرية ومعادية للأجنبي، لكنها عندما تتقاطع في قاسم مشترك مع مصالح عدة بلدان أو جميع البلدان بما فيها مصلحة البلد المستهدف بالتدخل التي استهتر بها حكمه الفردي، تكفُّ عن التعارض مع المصلحة البشرية، خاصة في عصر العولمة الذي اندمجت فيه مصالح الاقتصاديات القومية في اقتصاد عالمي، ولم تعد السيادة الحصرية ملائمة لمعالجة المشاكل التي تأخذ بخناق البشرية. وهكذا تشابكت مصالح جميع الأمم سواء فيما خصّ الاستقرار الإقليمي والدولي، أو سلامة البيئة، أو احترام حقوق الإنسان، والأقليات، والتداول الديمقراطي، إلى درجة أن كل مصلحة قومية مفهومة فهماً صحيحاً، أصبحت الآن مصلحة إقليمية أو دولية بدرجة أو بأخرى، بإمكان أية أمة أن تتعرف على نفسها فيها، ما لم تعصف الهستيريا الجماعية بتوازنها النفسي وذكائها الجمعي وحُسن تدبيرها.
فلو تدخلت أمريكا عام 2000 لفرض مقترحات كلينتون على عرفات الذي رفضها ارتجالاً، ثم عاد فقبلها ارتجالاً أيضاً في يونيو 2002 ، بعد أن ضاعت الفرصة، وتغيرت الموازين السياسية، لوفّر على الفلسطينيين التدمير الهائل الذي يتعرضون له الآن.
السلام عليكم.