-1-
كنتُ وما زلتُ، من المتابعين له، ولما يكتب، ولما يخطب، ويتحدث في بعض الفضائيات الشعبوية الشهيرة، التي يعتبر ضيفها الدائم، لأنه يقول لها، ويُسمِعها ما تطرب له، ويُترجم لها quot;شعبياًquot; أيديولوجيتها.
وكنتُ وما زلتُ، معجباً بطلاقة لسانه، وثقافته السياسية العميقة، التي اكتسبها من دراسته في بريطانيا، مما أمكن له قراءة النصوص السياسية الغربية، وترديده لمصطلحات سياسية غربية، تزيد من غرام وإعجاب المتلقي البسيط والساذج به. فيما لو علمنا أن الشارع العربي، الذي يضم ثمانين مليون أميَّاً أبجدياً، وأكثر من مائة مليون أميَّاً ثقافياً، معظمه من السُذَّج، الذين تجمعهم طبلة، وتُفرّقُهم عصا. أما الشارع الفاعل، والضاغط، واللاعب دور البرلمانات، فهو الشارع المثقف الواعي، كما شرحنا في كتابنا (الشارع العربي، 2003).
-2-
هذا المقال ليس قدحاً ولا ذماً، بالباحث السياسي الكويتي عبد الله النفيسي، ولكنه محاولة بسيطة، لتحليل أهمية وخطورة خطابه السياسي الداعي في جانب كبير منه إلى ثقافة الإرهاب، وتعزيز الإرهاب، وتشجيعه، وضرورة القيام به، مما جعل منه ابن لادن الجديد في الكويت.
فأهمية وخطورة عبد الله بن لادن (النفيسي) الإرهابية، تتأتى من كونه أكبر داعية إعلامي للإرهاب في العالم العربي. فهو يُغلِّف خطاباته الإرهابية بطبقة من التهريج والمزاح المضحك، للدخول بسهولة إلى قلب ورأس المتلقي. ويتحرك في العالم العربي بحرية، ويقول بحرية، وبكل جرأة.
وخطورة عبد الله بن لادن (النفيسي)، أنه لا يختبيء بتورا بورا، ولا في كهوف أفغانستان على الحدود الباكستانية، ولا هو مطلوب أو مطارد من أية جهة، ولا يُخفي نفسه، ولا يتستّر، ولا يتّقي (من التقيّة وليس من التقوى) بل هو يسافر عبر العالم العربي، ويُلقى محاضراته، مشجعاً على الإرهاب والنحر والانتحار، دون حرج. ويبثّّ أفكاره ودعواته للإرهاب الجماعي القاتل لمئات الآلاف، بكل صراحة وجرأة، ويُحيي الإرهابيين، وعلى رأسهم المُلاَّ عمر، وأسامة بن لادن، ويفخر بأنه قابل المُلاَّّ عمر شخصياً، ويدعو لهم صراحة بالنصر، والفلاح. ويضع الإرهابيين وquot;قاعدتهمquot; موضع الأبطال العارفين الأقوياء، الذين لديهم علماء وخبراء ومختبرات متخصصة في القتل والاغتيال والإرهاب، كما قال في المحاضرة الأخيرة التي ألقاها في المنامة، وبثتها كاملة، أشهر فضائية عربية في 2/2/2009. ودعا فيها ابن لادن النفيسي، إلى قتل 330 ألف أمريكي في ساعة واحدة، بواسطة quot;شنطةquot; من أربعة أرطال من مسحوق الانثراكس المدمر، كما شرح للحضور. ووصفَ المعلمُ الإرهابي ابن لادن النفيسي في محاضرته، للإرهابي المحتمل، كيفية فعل وتنفيذ ذلك!
-3-
لا اعتراض، ولا احتجاج مطلقاً، على ذمِّ ومخالفة عبد الله النفيسي للسياسة الأمريكية، ومعارضته الشديدة لسياستها الخارجية تجاه الفلسطينيين والعرب. فلا يوجد عاقل في العالم العربي، لا يعارض هذه السياسة وتصرفاتها تجاه الفلسطينيين خاصة، وأنا أول المعارضين. ولكن الاستنكار كل الاستنكار، والسخط كل السخط، والرفض كل الرفض، على الوسيلة التي نُعبِّر بها عن هذه المعارضة، كما يفعل ابن لادن النفيسي.
فهل نثر أربعة أرطال من مسحوق الانثراكس القاتل على مدينة واشنطن ndash; كما دعا ابن لادن النفيسي ndash; وقتل 330 ألف أمريكي، هي الوسيلة الوحيدة، لكي نُعيد السياسة الأمريكية إلى صوابها، ووعيها الإنساني القويم، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟
وهل أربعة أرطال من مسحوق الانثراكس القاتل المنثور بعناية على واشنطن ndash; كما وصف ابن لادن النفيسي في محاضرته ndash; كافية لدفع الإدارة الأمريكية إلى تغيير سياستها نحو الفلسطينيين وكارثتهم، التي ساهموا هم أنفسهم مع إسرائيل بإحداثها، ووقوعها، واستمرارها، منذ ستين عاماً حتى الآن؟
-5-
عبد الله بن لادن النفيسي، زعيم يدعو بصراحة ووضوح إلى الإرهاب الأكبر؛ أي إلى قتل الأبرياء بمئات الآلاف وليس بالآلاف كما فعل ابن لادن في كارثة سبتمبر 2001.
وهو بهذا إرهابي أخطر بكثير من أسامة بن لادن. لأنه يملك ثقافةً أعمق من ثقافة ابن لادن الأصلي، ولساناً أكثر طلاقة، وشخصية أكثر كاريزماتيكية، وحرية في الحركة، أكبر بكثير من الأخير.
ويمكن ترشيحه بضمانة كبيرة، ليصبح زعيم القاعدة الجديد، فيما لو قضى أسامة بن لادن.
بل هو- بكل بساطة - ابن لادن الجديد.
عبد الله بن لادن (النفيسي) أشرس، وأكثر ظمأً للولوغ في دماء الأبرياء من ابن لادن تورا بورا.
عبد الله بن لادن (النفيسي) يظنُ أن ابن لادن تورا بورا، لا يعلم شيئاً عن الانثراكس وفعاليته الإرهابية القاتلة. لذا فهو في محاضرته في المنامة، يقوم بتعليم ابن لادن تورا بورا، وتدريبه على هذا العمل الإجرامي الجماعي.
ولكن ابن لادن تورا بورا، يبدو أنه أرحم من ابن لادن النفيسي. فابن لادن تور بورا قتل في كارثة سبتمبر 2001 حوالي 3500 ضحية. بينما ابن لادن النفيسي، يريد قتل 330 ألف ضحية في ضربة واحدة، لا تحتاج إلى كثير من الجهد كما قال في البحرين. وبذا، تُصبح كارثة 11 سبتمبر 2001 مزحة، مقارنةً بكارثة الانثراكس التي دعا إلى تنفيذها. أو تصبح quot;زلاطةquot; كما قال الإرهابي الأكبر بالحرف الواحد.
ولو بلغ بابن لادن تورا بورا جنون ابن لادن النفيسي، لنفَّذ مثل هذه الكوارث في الجيش الأمريكي في العراق، أو في كابول. ولكن يبدو أن ابن لادن تورا بورا، طلع أعقل قليلاً وأكثر رحمة من ابن لادن النفيسي، الذي أصبح ينافسه، ويتفوق عليه في ابتكار وابتداع أساليب الإرهاب، وأكثر عمليات النحر والانتحار، قتلاً للضحايا الأبرياء.
-6-
لم يترك الليبراليون الكويتيون من العقلاء والنبلاء، ابن لادن النفيسي، يمارس جنونه الإرهابي على هواه، فتصدوا له.
فطالب الكاتب والأكاديمي الليبرالي الكويتي المعروف أحمد البغدادي، الحكومتين الكويتية والأمريكية، باعتقال ابن لادن النفيسي، باعتباره محرضاً رئيسياً على الإرهاب، ولا سيما في محاضرته الأخيرة في البحرين، والتي ضمنها دعوة صريحة لقتل 330 ألفاً من الأمريكيين. وقال البغدادي في عموده اليومي في جريدة quot;السياسةquot; الكويتية(25/2/2009): quot;من يستمع إلى ابن لادن النفيسي وتشجيعه للمُلاَّ عمر، ودعوته إلى تشجيع وشدِّ أزر الإرهابيين، ومختبرات هؤلاء الإرهابيين، سيعرف إلى أي مدى تغلغل الإرهاب في العقلية العربيةquot;.
واستغرب البغدادي، سكوت الحكومة البحرينية على محاضرة النفيسي، التي دعا فيها إلى قتل 330 ألف أميركي بمادة الإنثراكس القاتلة. مضيفاً أن النفيسي يبين لمن يريد ذلك، كيفية تأدية هذا العمل الإجرامي الجماعي.
واستغراب البغدادي ليس فقط لسكوت الحكومة البحرينية فقط. بل نضيف عليه سكوت الكويت، ومجلس التعاون الخليجي، وجموع المثقفين والكتاب، في العالم العربي كله.
فهل التفسير الوحيد لهذا السكوت والصمت المُطبق، على ما يقوله ابن لادن النفيسي، من كلام خطير ومثير، هو أن هذا الإنسان مجذوب من مجاذيب الإرهاب، الذين يشبهون مجاذيب الطرق الصوفية الشعبية، فلا يستحق الردَّ، ولا هو أهلٌ للردع؟
فمجنونٌ يحكي، وعاقلٌ يسمع.
ولكن أين هم العقلاء الآن في العالم العربي؟!
السلام عليكم.