-1-
أكثر من خمسة ملايين عربي مسجونين منذ أربعين عاماً، في سجن ضخم، مساحته أكثر من مليون ونصف المليون كم مربع.
وهذا الشعب مسجون كباقي الشعوب العربية. إلا أن بعض الشعوب العربية، يُسمح لها بساعات فسحة في اليوم، أكثر من هذا الشعب التعيس. كما أن باقي الشعوب العربية في سجونها، لا تأكل كل يوم شوربة العدس المخلوط بالرمل والحصى، والفول المدمَّس المليء بالسوس، والخبز المليء بالقش، كما هو حال الخمسة ملايين مسجون هؤلاء، منذ أربعين عاماً. وهؤلاء لا يجدون مئات المحامين والمثقفين العرب المدافعين عن حقوقهم، كما سبق وقاموا متطوعين، دفاعاً عن الدكتاتور صدام حسين.
-2-
ورغم ثروات هذا البلد الهائلة من النفط، ومن كونه يُطلُّ على أطول ساحل عربي على البحر الأبيض المتوسط، وتمتلئ أراضيه بالواحات، ودخله القومي يزيد على مائة مليار دولار سنوياً، بحيث من المفروض أن يكون دخل الفرد تبعاً للناتج القومي حوالي 13 ألف دولار سنوياً. إلا أن معظم هذا الناتج القومي كان يذهب للإرهابيين، وغرامات بالمليارات دفعها القذافي لعمليات إرهابية جنونية، كما يذهب للعائلة المالكة الجديدة ولمصروفاتها الهائلة، ولألعابها البلهوانية في الإرهاب، والتهريج، والضحك على الشعوب الإفريقية الفقيرة والحافية، وتقديم الرشا والهدايا لزعمائها الدكتاتوريين، لكي يبايعوا الدكتاتور الأعظم، والملك الجديد، أو ملك الملوك الأفريقية ،كما أُطلق عليه مؤخراً، بيعة الخُسران.
فقد ابتُلي الوطن العربي بحكام هم حثالة هذا العصر، وهم زبالة هذا الزمان، ونفايات هذا العالم. ولا تجد حكاماً في العالم مثيلاً لهم في جهلهم، وفي تخلفهم، وفي تعصبهم، وفي فسادهم، وفي تسلطهم، وفي سخريتهم من قيم الإنسان الحديث، وحقوقه المشروعة.
-3-
إن أكثر من خمسة ملايين سجين ليبي هم مجموع سكان ليبيا، مسجونين أربعين عاماً منذ 1969 حتى الآن، لا يقرأون صحف العالم، ولا يعلمون ماذا يدور في العالم. وكل ما يقرأونه ويحفظون إكراهاً وكرهاً وخوفاً، هو الكتاب الأخضر، وخطابات الدكتاتور التهريجية البلهوانية.
فتبعية ليبيا ndash; منذ فجر التاريخ - للفنيقية، والإغريقية، والرومانية، والعباسية، والأغالبية، والفاطمية، والموحدية، والعثمانية، والايطالية، والبريطانية ndash; الفرنسية، وأخيراً الإدريسية، لم تُحدث في ليبيا الخراب، والدمار، والظلم، والفساد، والنهب، الذي أحدثته الدكتاتورية القذافية، منذ أربعين عاماً، وحتى الآن.
-4-
وبالأمس قرر ولي عهد العهد القذافي الليبي، سيف الإسلام، quot;منقذ ليبياquot; من الضلال والظلام والظلم، أن يمنح هؤلاء المساجين قسطاً من الحرية، فسمح للصحافة العالمية والعربية (90 صحيفة ومجلة) بالدخول إلى ليبيا، بعد مراقبتها بدقة، مراقبة هلال رمضان، قبل نزولها إلى الأسواق، بعد أن كانت كافة الصحف والمجلات العربية والأجنبية، ممنوعة في ليبيا، منذ أربعين عاماً؛ بمعنى أن الليبي، الذي ولد عام 1969 لا يعرف من العالم غير معمر القذافي، وكتابه quot;الأسودquot;، وعيال معمر: سيف الإسلام القذافي، وسيف العرب القذافي، والمعتصم بالله القذافي، وساعدي القذافي، وعائشة القذافي، وباقي أفراد العائلة المالكة القذافية.
والغريب أن بعض المثقفين الليبيين، ممن يعتبرون أنفسهم حداثيين، وليبراليين، وعقلانيين، يقفون وراء سيف الإسلام كمستشارين ثقافيين وإعلاميين رسميين، في مؤسسة quot;الغدquot; الثقافية الليبية، التي يُشرف عليها ولي عهد ليبيا (سيف الإسلام)، ويدعمون هذا السيف باسم الحداثة، ويُجلُونه باسم الليبرالية، ويُلمّعونه باسم العقلانية السياسية من حين لآخر، لكي يكون ملك ملوك أفريقيا المنتظر.
-5-
وبالأمس أيضاً، وولي العهد وحاشيته من quot;المثقفينquot; الليبيين المزيفين يتفرجون، وقَّع أكثر من ستين كاتباً، وصحفياً، وأكاديمياً، وناشطاً حقوقياً ليبياً بياناً، طالبوا فيه بحرية التعبير وإلغاء نيابتي الصحافة وأمن الدولة، مؤكدين أن quot; الإنسان تخطَّى بالكلمة ضعفه ووضاعتهquot; ، في إشارة واضحة إلى اقتران الحرية بالتعبير عن الرأي.
ودعا البيان الجريء والأول من نوعه، إلى رفع الحصار عن الكلام في ليبيا، وكفِّ الملاحقات التي تدعو وتطالب بالتوقف عن التنفس، والتزام الصمت، كما قال الموقعون.
وأكَّد البيان، أن الكلمة كانت وما زالت، هي quot;الخط الفاصل بين الجهل والمعرفة، بين الخرافة والعلم، بين الفساد والانتصار عليه، وبين الظلم ودحر الظلامquot;.
وانتقد البيان البون الشاسع بين ما ينادي به النظام الدكتاتوري من شعارات كاذبة، حول الحرية والتحرير، وبين واقع الحال المزري، الذي يُكمّم الأفواه، ويسجن خمسة ملايين سجين أربعين عاماً متواصلة!
-6-
وإذا كان النظام الليبي، قد تخلَّ عن أسلحة الدمار الكيماوي الشامل، وسلَّمها إلى أمريكا صاغراً، خوفاً ورعباً، من مصير كمصير صدام حسين، فهو قد أبقى في يديه أسلحةً أكثر فتكاً، وأشد حدَّةً، وأسرع قتلاً، وهي أسلحة الدمار الدكتاتوري الشامل، المتمثل بغياب الحرية، وفقدان الديمقراطية.
وهذا السلاح التدميري الدكتاتوري الشامل، يحتاج إلى ضربة عسكرية ماحقة للنظام الليبي. وبدون ذلك ستبقى العائلة الملكية القذافية تحكم ليبيا (مزرعة القذافي الخاصة)، مدة أربعمائة سنة قادمة، وليس أربعين عاماً فقط.
إن على قائمة الغرب وأمريكا، أسماء أكثر من عشرين نظاماً عربياً، يحتاج إلى عمليات جراحية عسكرية، مماثلة لتلك التي حصلت في العراق.
فمن يفعلها؟
السلام عليكم.
التعليقات