-1-
كم دفع العرب من مبالغ طائلة، من أجل فلسطين منذ 1948 إلى الآن، بدءاً من الحاج أمين الحسيني وانتهاءً بخالد مشعل، مروراً بياسر عرفات الذي كان دخل منظمة التحرير الفلسطينية في عهده، وقبل حرب الخليج 1991 حوالي نصف مليار دولار سنوياً، كان معظمها يذهب لجيوب (المحاسيب) والأنصار؟
وماذا كانت النتيجة؟
وسوف تظل القضية الفلسطينية جيب العرب (المخروق) إلى أمد طويل، يستفيد منها الوسطاء، والعملاء، والبلغاء، والشعراء.
-2-
لا أشكُّ بتاتاً بأن حرب تموز 2006 بين quot;حزب اللهquot; وإسرائيل، وما لحق لبنان من خسائر فادحة قُدرت بـ 15 مليار دولار، إضافة لهدم أكثر من 1500 بيت وتشريد مئات الأسر اللبنانية في الجنوب، وقيام الدول العربية الغنية بالتبرعات المالية الضخمة لإعادة إعمار ما تهدم وتعويض لبنان عن خسائره.. هذه الحرب، قد شجعت quot;حماسquot; لكي تقوم باللعبة ذاتها في غزة، لكي تنال شعبية كبيرة في الشارع العربي ولدى الفصائل والأحزاب الدينية/السياسية في العالم العربي. وتطلب من الدول العربية والخليجية خاصة، دفع ثمن هذه المغامرة الشعبوية الخطيرة. وهذا ما حصل فعلاً.
-3-
وهكذا نرى، أن (الفزعات) المالية العربية، قد شجعت المليشيات في العالم العربي على القيام بمثل هذه المغامرات، لأن حساب هذه المليشيات في النهاية، هو حساب الربح لصالحها، لا الخسارة. والخاسر الوحيد في هذه المغامرات هو الشعب المُضحي بدماء أبنائه، وهو كذلك الدول المانحة، التي تدفع الأموال الطائلة ثمناً لهذه المغامرات. أما المليشيات فهي الرابحة من جهتين: الجهة الأولى، ارتفاع نسبة شعبيتها ارتفاعاً كبيراً في الشارع العربي، كما تمّ بالنسبة لـ quot;حزب اللهquot; وquot;حماسquot;، والجهة الأخرى، نيلها قسماً من هذه المبالغ الطائلة، التي تُرصد للإعمار.
-4-
قد يُفهم من كلامي هذا، بأنني ضد التعويض المادي والإغاثة عن الخسائر التي لحقت بلبنان، واليوم في غزة.
والواقع أن الأمر ليس كذلك. ولو كان الأمر كذلك لقلتها بملء فمي. فلا تنقصني الشجاعة والصراحة، لقول ذلك.
ولكني في الواقع الأمر، وبصراحة ووضوح شديدين، ضد التعويض المادي على خسائر حروب المغامرات، التي تقوم بها بعض المليشيات العربية.
فهذا التعويض، سوف يشجع الآخرين على القيام بمغامرات جديدة. بل يمكن أن يدفع الفريقين نفسيهما (quot;حماسquot; و quot;حزب اللهquot;) على إعادة الكَرَّة مرة أخرى، في مناسبات مختلفة قادمة. وكُلفتها أن يقف حسن نصر وخالد مشعل، ويعتذرا عن هذه الحرب، وخسائرها الهائلة من الحجر والبشر، بحجة أنهما لم يتوقعا ردَّ الفعل الإسرائيلي القوي والقاسي على هذا النحو!
-5-
فلو كانت هذه التعويضات المادية للبنان مثلاً، إغاثة له على زلزال مدمر، ضرب بعض مناطقه، لامتدحنا هذه الإغاثة، ودعونا الشعوب العربية والإسلامية والدول الغربية للتبرع لها.
ولو كانت هذه الإغاثات المادية، نتيجة لمرض خطير كالطاعون أو الكوليرا أو نتيجة لطوفان كبير اكتسح لبنان، وشرَّد مئات الأُسر، وأغرق مئات البيوت، لامتدحنا هذه الإغاثة، ودعونا كذلك الشعوب العربية والإسلامية والدول الغربية للتبرع لها.
ولو كانت هذه الإغاثات، نتيجة لحريق ضخم التهم أحراش لبنان عن بِكرة أبيها، كما يحصل كل عام تقريباً في ولاية كاليفورنيا، لامتدحنا هذه الإغاثة المادية.
ولكن أن تكون هذه التبرعات وهذه الإغاثات المادية الضخمة، لرفع الأضرار التي أصابت لبنان، نتيجة مغامرة quot;حزب اللهquot;، ولعبه القمار العسكري مع إسرائيل، على طاولة القمار في كازينو المقاومة، فهذا ما نحن ضده، ولا نؤيده.
فالشعوب العربية الفقيرة في مصر، والأردن، والمغرب، وتونس، واليمن، وغيرها، كانت هي الأولى وهي الأحق بهذه المبالغ، التي صُرفت نتيجة للعب quot;حزب اللهquot; القمار العسكري، مع إسرائيل، في كازينو المقاومة.
فماذا حقق quot;حزب اللهquot; للبنان وللفلسطينيين وللعرب وللإسلام، لكي تُهدر كل هذه المليارات العربية والغربية، لإعادة تعمير لبنان؟
-6-
كذلك الأمر بالنسبة لـ quot;حماسquot;.
فلو كانت هذه التعويضات المادية (2.5 مليار دولار، حسب مؤتمر الكويت الاقتصادي) لقطاع غزة، إغاثة له على زلزال ضرب بعض مناطقه، لامتدحنا هذه الإغاثة، ودعونا الشعوب العربية والإسلامية، والدول الغربية للتبرع لها.
ولو كانت هذه الإغاثات المادية نتيجة لمرض الكوليرا أو الطاعون أو لطوفان كبير اجتاح قطاع غزة، وشرَّد مئات الأسر، وأغرق مئات البيوت، لامتدحنا هذه الإغاثة.
ولو كانت هذه الإغاثات، نتيجة لحريق ضخم التهم مخيمات الفلسطينيين في قطاع غزة، لامتدحنا هذه الإغاثة، ودعونا الشعوب العربية والإسلامية والدول الغربية للتبرع لها.
ولكن، أن تكون هذه التبرعات وهذه الإغاثات المادية الضخمة، لرفع الأضرار التي أصابت قطاع غزة، نتيجة مغامرة quot;حماسquot; ولعبه القمار العسكري مع إسرائيل، في كازينو المقاومة، فهذا ما نحن ضده، ولا ندعمه.
كذلك فالشعوب العربية الفقيرة، كانت هي الأولى وهي الأحق بهذه المبالغ، التي صُرفت على موائد لعب القمار العسكري مع إسرائيل، في كازينو المقاومة.
فماذا حققت quot;حماسquot; لفلسطين وللعرب وللإسلام، لكي تُهدر كل هذه المليارات العربية والغربية، لإعادة إعمار قطاع غزة؟
لقد كان الأولى والأحق أن تُصرف هذه المليارات على تحسين مستوى حياة سكان قطاع غزة، التي كانت قبل الحرب في الحضيض، فأصبحت بعد هذه الحرب في ستين حضيضاً وحضيض.
-7-
وأخيراً، دعونا نطرح هذا السؤال:
- ماذا لو كانت الدول الخليجية دولاً فقيرة، كما كانت قبل الثلاثينات من القرن الماضي، تأكل التمر، وتشرب اللبن، وتنام في العراء، وتركب النياق، ولا تستطيع أن تقدم درهماً واحداً للشعوب المنكوبة بمقامرات كازينوهات المقاومة.. هل سيغامر المقامرون المقاومون مرة أخرى، ويلعبوا مع إسرائيل هذا quot;البوكرquot; العسكري، وهم يعرفون تماماً ومسبقاً بأنهم خاسرون؟
أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال، سيكون قطعاً بنفي إقدام المقامرين المقاومين على المقامرة في كازينوهات المقاومة، لأنهم يعلمون أن لا أحد من ورائهم، سوف يبني ما هدموه، ويُصلح ما أعطبوه، ويُعوّض ما خسروه.
فهل أخطأت الدول والشركات والأفراد، الذين تبرعوا في قمة الكويت الاقتصادية بمبلغ 2.5 مليار دولار لإعادة إعمار غزة، نتيجة لهذا العبث المجاني، وتبرعوا قبلها بإعادة إعمار الجنوب اللبناني نتيجة للعبث نفسه؟
السلام عليكم.