-1-
في السنوات الأخيرة، ظهرت لنا شواهد كثيرة على فساد القضاء المصري وظلمه وتسيُّسه، من خلال محاكمة سعد الدين إبراهيم الأولى عام 2002 التي حكمت عليه بالسجن سبع سنوات قضى قبلها شهوراً في السجن، ومن خلال محاكمة الناشط السياسي أيمن نور، رئيس حزب الغد المعارض، الذي ما زال يقضي عقوبة ملفقة لمدة خمس سنوات، والذي رفض القضاء مؤخراً الإفراج الصحي عنه، ومن خلال الحكم الجائر الأخير بخصوص العبّارة المصرية ' السلام 98'، التي غرقت في البحر الأحمر، وذهب ضحيتها ألف غريق، وتمت تبرئة أصحابها، والقائمة تطول.

-2-
منذ أكثر من عامين وسعد الدين إبراهيم مطارد من قبل سلطات القمع ومحاكم التفتيش في مصر، ويعيش متنقلاً بين أرجاء العالم العربي وتركيا. وكانت مجموعة من أصدقائه، قد نصحته بعدم العودة إلى مصر، بعد أن قابل الرئيس بوش، في مؤتمر حول 'دور المنظمات المدنية لمشاركة المرأة في التنمية السياسية'، في براغ عام 2007، وتحادث معه، ونصحه بعدم تقديم معونات مالية لأية جهة عربية بما فيها مصر، إلا بشرط تحقيق الإصلاحات السياسية المطلوبة. وهو مطلب وجدته الإدارة الأمريكية وكذلك الكونجرس الأمريكي وجه حق، وأخذوا به، فثارت ثائرة السلطات في مصر، وقررت تقديم سعد الدين إبراهيم للمحاكمة. فحاكموه غيابياً، وحكموا عليه البارحة بالسجن لمدة سنتين، في أغرب محاكمة، وفي أغرب حكم يصدر عن القضاء المصري الذي يصفه معظمهم بأنه قضاء نزيه، في حين أن جزءاً كبيراً منه مُسيّس وفاسد، وتابع لسلطة القمع، ولا يختلف عن محاكم التفتيش في أوروبا سيئة الذكر والسمعة.

-3-
عشرات اللصوص والفاسدين سرقوا، وارتكبوا جرائم في حق مصر وأهلها، وهربوا إلى الخارج، ورغم ذلك لم يصدر ضدهم أي حكم غيابي ما عدا سعد الدين إبراهيم، الذي لم يكن لصاً، ولا مسبباً للفساد في مصر، ولكنه كان المثقف والأكاديمي والباحث، الذي تعتز به أية دولة، وأي شعب في العالم. وكنا نتوقع أن تكافئه مصر بجائزة الدولة التقديرية، أو تطلق اسمه على شارع من شوارعها، أو تكرمه بقلادة من قلائدها، بدل أن تضع في يديه (الكلبشات) وتقوده إلى غياهب السجون، كما فعلت في عام 2002 حين حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، ولكن جنسيته الأمريكية أنقذته من تنفيذ هذا الحكم، وإلا لكان مصيره مصير الناشط أيمن نور، الذي يقضي عقوبة السجن لمدة خمس سنوات.

-4-
من سمات الحكم الديمقراطي الصحيح، أن يكون القضاء منفصلاً عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية انفصالاً تاماً، ولا سلطة عليا على سلطة القضاء غير سلطة الحق والعدالة فقط. ونادراً ما كان القضاء العربي في تاريخه الممتد منذ بداية العصر الأموي إلى الآن، قضاءً مستقلاً عن سلطة الحاكم، ومن هم حوله.
وقد قيل بأننا لا نريد أن نعرف ما هو القانون، ولكننا نريد أن نعرف من هو القاضي. والقاضي الذي يحاط بأناس يقولون له كما هو مظلوم هذا المتهم، أو كم هو مجرم هذا المتهم، ويحكم بما يسمع، فإنه لا يعود قاضياً عادلاً.
وقد تعرّض سعد الدين إبراهيم من قبل أعدائه وكارهيه، لمثل هذه الحالة لدى القضاء المصري.
فالقوانين في مصر وفي العالم العربي عادلة ولا غبار عليها، ولكن الأهمية بالتنفيذ، وبالقضاة الذين يحكمون بها.
فالقضاء دائماً هو مرآة الحكم الصادقة، الذي ينظر فيها كل يوم فيرى فيها وجهه الجميل، أو وجهه القبيح.
السلام عليكم.