-1-
طالبتني مجموعة من القراء في ردودها على مقالاتي السابقة، هنا في quot;إيلافquot;، بأن أقول لهم ما هو الحل في غزة، بعد كل ما حصل في الأيام السابقة، من حرب إسرائيل على quot;حماس غزةquot;. ولنلاحظ أن هناك من يعترض على هذا التسمية السياسية : quot;الحرب على حماس غزةquot;. فالحرب حقيقة لم تكن على كل الفلسطينيين في غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسوريا، ولبنان. ولم تكن على quot;حماسquot; المنتشرة في هذه المناطق كذلك، ولكنها حُصرت في quot;حماسquot; غزة، وعلى من يطلقون الصواريخ من شمال غزة على جنوب إسرائيل.
وأنا في الواقع لا أملك قرار quot;حماسquot;، ولا أحمل في يدي مصباح علاء الدين السحري، للحل الذي يطالبني به بعض القراء. والحل هو ما قاله بعض المعلقين السياسيين في الشرق والغرب من العقلاء، ولكن يبدو أن لا أحد قرأه، وإن قرأوه فهم لم يعيروه انتباهاً.

-2-
quot;حماسquot; اليوم أمام معضلة سياسية وتاريخية، إذ لم تتنبَّه إلى معالجتها، فهذا يعني الكارثة الكبرى بالنسبة لها. وأرى أن تصريحات وخطابات خالد مشعل الثورجية والعاطفية الحماسية على شاشات الفضائيات، هي من جملة العوامل التي سوف تؤدي إلى هذه الكارثة، وخاصة تصريحه الأخير، بأنه سيقدم بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية الحالية، وستكون مفاجأة. وفي رأيي أنه لو تمَّ مثل هذا الأمر، فسيزيد مشعل الطين بلَّة، وسيكون قد قضى على quot;حماسquot; ومستقبلها كحزب سياسي شريك في الدولة الفلسطينية القادمة.

-3-
ليست quot;حماسquot; صقور كلها، من أمثال خالد مشعل، وأسامة حمدان، والراحل سعيد صيام، وعماد العلمي ، وموسى أبو مرزوق، وغيرهم، ولكن هناك حمائم وعقلاء في حماس، ويقرأون التاريخ جيداً، ويرون الوقائع على الأرض جيداً، ولديهم بصيرة سياسية سليمة. ويدركون أن العصا الناشفة واليابسة سهل تكسيرها، ولا مجال لها في السياسة، التي هي فن الممكن. وأنهم كانوا هم العصا الناشفة واليابسة طيلة عشرين سنة مضت منذ 1987. وأدت ndash; من جملة أسباب كثيرة - إلى فشل إحلال السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية.
ونحن اليوم، لا ندعو إلى الانقلاب على quot;حماسquot; وإلغائها، كما انقلبت quot;حماسquot; على منظمة التحرير الفلسطينية، ويحاول مشعل اليوم إلغاءها، واستبدال آخرين بها، كما أعلن في الدوحة قبل أيام.
كما أننا لا ندعو إلى تصفيتها، وندين إسرائيل بمحاولاتها اللامجدية تصفية أي عنصر من عناصر الحراك السياسي الفلسطيني، سواء من اليمين أو اليسار.
فدعوا كل الزهور تتفتح، كما قال ماوتسي تونج.
ولكننا ندعو إلى شيء من الواقعية السياسية، إن أرادت حماس أن تكون من ضمن عصي الحراك الفلسطيني، وفي ذلك ضمان بقائها، وتطورها، وتوسعة نطاقها، وإغناء الحراك السياسي الفلسطيني.

-4-
ندعو حمائم quot;حماسquot;، من أمثال محمد نزّال، ومحمد غزال، وغازي حمد ndash; الذي عارض استبدال منظمة التحرير الحالية بأخرى كما يريد مشعل - وأحمد يوسف المستشار السياسي لإسماعيل هنيّة وغيرهم، إلى إعادة النظر في quot;ميثاق حماسquot;، الذي لم يعد في بعض بنوده ملائماً لهذه الفترة، سيما وأن أحداثاً سياسية كبرى قد طرأت على العالم، وعلى القضية الفلسطينية، خلال العشرين عاماً الماضية، منها اختفاء الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وحرب الخليج 1991، وانتهاء الحرب الباردة، وكارثة 11 سبتمبر، وغزو أفغانستان والعراق، ورحيل ياسر عرفات، ورحيل بعض قادة حماس كالشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وسعيد صيام، ونزار ريان، وغيرهم من قادة quot;حماسquot;، وانسحاب سوريا من لبنان، والحرب على quot;حزب اللهquot;.
وهناك أصوات خافتة من حمائم quot;حماسquot;، تقول بتعديل وتغيير دستور quot;حماسquot;، بما يتناسب والوقائع التي على الأرض الآن، ومنها:
1- ما قاله العضو البارز في quot;حماسquot; محمد نزّال عضو المكتب السياسي، في 11/5/2007، في جنوب أفريقيا، من أن quot;ميثاق حماس ليس قرآنا كريماً، وأننا جاهزون للتفاوض مع إسرائيلquot;. وإن كان ما قاله نزّال فيه ما يدلُّ على أن الدين خرج من اللعبة السياسية، وأصبحت السياسة الحمساوية براجماتية أكثر منها إسلامية. أو إن كان ما قاله نزّال، غير ما يقوله قادة quot;حماسquot; في العالم العربي للاستهلاك المحلي فقط.
2- ومنها ما قاله محمد غزال، أحد قادة quot;حماسquot; في الضفة الغربية لرويترز، في 22/9/2005 ، من أن quot;حماسquot; قد تعدِّل يوماً ما، ميثاقاً كانت تدعو فيه إلى تدمير إسرائيل، وتجري مفاوضات معها.
3- ومنها ما قاله د. أحمد يوسف المستشار السياسي لإسماعيل هنيّة، في تصريح لوكالة أنباء quot;رامتانquot; الحمساوية في 7/11/2007 ، من أن quot;حماسquot; قد تجاوزت ميثاقها، عبر دخولها المعترك السياسي. وهذا ما سبق أن قلناه. بمعنى أن ميثاق 1988 كان لحماس المقاوِمَة، وليس لحماس السياسية والمقاوِمَة في الوقت نفسه. وقال أحمد يوسف، أن العالم يجب أن يحاسب quot;حماسquot; الآن على برنامجها السياسي وليس على ميثاقها إياه.
وبرنامج quot;حماسquot; السياسي في الوزارة الفلسطينية العاشرة، كان يعني، ثورة صامتة على ميثاقها إياه. ومن جملة المعاني:
1- الرضا بالواقع الذي أفرزته اتفاقية أوسلو، ومؤتمر مدريد، وباقي الاتفاقات الدولية.
2- الإعلان بعد quot;مؤتمر مكةquot;، بأنَّ حكومة الوحدة الوطنية تـقبل بكلِّ الاتفاقات الدولية التي تمَّ عقدُها. وهذا اعتراف صريحٌ في الموافقة على كامب ديفيد، وأوسلو، وغيرهما خلافاً للمادة 32 من ميثاق 1988.
3- موافقة quot;حماسquot; على دولة بحدود 67. واستبعاد تحرير كامل التراب الفلسطيني، كما جاء في المادة 11، 15 من ميثاق 1988.
4- الاعتراف بدولة إسرائيل، كنتيجة حتمية لما سبق.

-5-
ومن هنا نرى، أن quot;حماسquot;، ليست كما يصورها لنا quot;حزب اللهquot; ، وتصورها إيران، وأمريكا، والاتحاد الأوروبي. وإنما تقول quot;حماسquot; - بكل بساطة - بأنها تعمل منذ عشرين عاماً على الأرض الفلسطينية، وقدمت الكثير من الشهداء والتضحيات، فلا بُدَّ أن يكون لها نصيب من الكعكة الفلسطينية. وهذا من حقها، ما دامت كما قال أحمد يوسف المستشار السياسي لإسماعيل هنيّة أنها:
1- ليست ضد التسوية السلمية. ويمكن أن تكون جزءاً من الحل السلمي, ومن هنا يجب عدم إغفال أو إهمال حماس، كحزب سياسي يود أن يكون ممثلاً في السلطة. وquot;حماسquot; هي المفتاح الفلسطيني لتعزيز العلاقة بين الشرق والغرب.
2- وأن التجربة التركية هي الهادي، وهي المرشد، وهي المصباح، الذي تحمله quot;حماسquot;، وينير طريقها. وأن quot;حماسquot; ترى في تركيا نموذجاً لها في التعامل مع القضايا، ومع الغرب، وحتى مع الأعداء.
3- وأن الحكم على مواقف quot;حماسquot;، لا يجب أن يكون من خلال ميثاقها إياه، ولكن من خلال البرنامج السياسي للحكومة الفلسطينية العاشرة والحكومة الحادية عشرة، حيث وجه حماس الجديد، وخطابها السياسي الجديد.
4- وأن quot;حماس quot; لن تتحدى رغبة الشعب الفلسطيني في السلام، إذا رأى أن هناك اتفاقية، يعتقد أنها اتفاقية جيدة.

***

وبعد:
فهل تمهد كل هذه العوامل لحمائم quot;حماسquot;، لأن تنتصر على صقورها، فلا يموت الذئب، ولا تُفنى الغنم؟!
وربما يكون كل ذلك، هو المفتاح (الماستر) الذي سيستعمله جورج ميتشل مبعوث أوباما إلى الشرق الأوسط، في حله quot;السحريquot; للسلام في المنطقة، وإقامة الدولة الفلسطينية، في حالة عدم تغييب وتجاهل quot;حماسquot; من الدعوة إلى مائدة العشاء الأمريكية.

السلام عليكم