-1-
كانت جدتي quot;مفيدةquot; رحمها الله، تردد مثلاً شعبياً صادقاً كل الصدق، وبسيطاً كل البساطة، ولكنه بليغ كل البلاغة، عندما ترى شخصاً لا أمل منه، ولا استقامة له وهو:
ذَنَبُ الكلب أعوج، ولو (حطّيْتُه) (أي وضعته) في ستين قالب.
بمعنى أن لا رجاء من هذا الذنب أبداً!
وكلما وضعته في قالب لكي يستقيم، عاد معوجَّاً!
أثار قرار إدارة أوباما تجديد العقوبات على سوريا، أسئلة استغرابية كثيرة في مجالس دراويش السياسة في الشرق الأوسط. فبعد كل هذا البخور، وبعد كل هذا التسبيح ببركات الأوبامية، وبعد كل هذه التراتيل الصوفية السياسية لأوباما، وكل علب الحلويات الدمشقية التي أُرسلت للبيت الأبيض مؤخراً، تقوم إدارة أوباما بصفح بشار الأسد مرة أخرى، بتجديد العقوبات على سوريا.
فماذا حصل؟
وعلى ماذا اعتمدت إدارة أوباما من تقارير عسكرية وسياسية، لتجدد العقوبات على سوريا، التي قام معلمها ووزير خارجيتها يطوف ويشوف هناك وهناك، مبشراً بالخلاص من أيام النحس، وليالي الكوابيس، التي كانت تعصف بالعرش الأسدي في دمشق عصفاً؟
-2-
لم يكد حبرُ قرار إدارة أوباما بتجديد العقوبات على سوريا يجف، حتى خرجت الأخبار من بغداد تقول، أن تقارير استخبارتية كشفت، أن تنظيم quot;القاعدةquot; استأنف تهريب الإرهابيين إلى العراق، عبر ممر في سوريا، أُعيد تفعيله، بعد إغلاقه لفترة قصيرة. وهو ما رددته صحيفة quot;الواشنطن بوست. وقالت جريدة quot;المدىquot; العراقية، أن المتحدث الرسمي باسم خطة فرض القانون اللواء قاسم عطا، أعلن عن اتخاذ إجراءات مشددة للحدِّ من التدخل الإقليمي في الشأن العراقي.
ويأتي التصرّف السوري الأحمق وغير المسئول تجاه جاره العراق الجديد، بينما يدرس الرئيس الأميركي باراك أوباما إمكانية إجراء حوار دبلوماسي جديد مع دمشق. لكن الإدارة الأميركية، جددت الأسبوع الماضي، العقوبات المفروضة على سوريا متهمة إياها بدعم الإرهاب في الشرق الأوسط، وزعزعة استقرار العراق. وكان قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس، صرح أمام الكونغرس الشهر الماضي، أن ممر مقاتلي quot;القاعدةquot; من سوريا إلى العراق quot;تمَّ تفعيلهquot;. وأكد بترايوس أن التقديرات العسكرية تشير إلى ارتفاع أعداد المسلحين الداخلين إلى العراق مؤخراً بما يقارب الـعشرين شهرياً، بينما أشارت مصادر استخباراتية إلى أكثر من هذه الأعداد.
-3-
منذ عدة أشهر، ونحن نقول ونكرر، أن العرش الأسدي الأبدي في سوريا، لن يترك منطقة الشرق الأوسط إلا رماداً بعد محارق هائلة. ذلك أنه عهد مريض بالحقد والمكيدة والحيّل واللعب على الحبال، ويشعر دائماً بالتهديد من الداخل ومن الخارج. لذا، فقد زجَّ بالمعارضة السورية النبيلة في غياهب السجون، وشرّد البقية الباقية خارج سوريا، وعقد اتفاقية إستراتيجية مع إيران ومع quot;حزب اللهquot;، لكي يحمي نفسه من أي تهديد داخلي أو خارجي يُطيح به، وهو الذي عمل منذ ما يقارب من أربعين عاماً (منذ 1970) على تسخير كل إمكانات سوريا العسكرية والاستخبارتية والمالية والإدارية لتمكين هذا العرش وتأمينه وتثبيت قواعده، وليس لإعادة الأرض المحتلة في الجولان، أو لتحسين مستوى حياة الفرد السوري (يتقاضي المدرس مائه دولار شهرياً، ومعدل دخل السوري السنوي 650 دولار، وهناك مافيا آل الأسد التي تتكون من رامي مخلوف وأديب ميالة ورستم غزالة وعائلته وغيرهم، أطلق عليها بيار صادق quot;الصعاليك الجُددquot;، وأطلق عليها المفكر السوري المعارض عبد الرزاق عيد quot;الأسافلquot;).
فسوريا منذ عام 1970، ومنذ أن سطا حافظ الأسد على سلطة سوريا، و(طوَّبها) باسمه، واسم عائلته في دائرة quot;الطابوquot; (تسجيل العقارات) بدمشق، لكي تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، من الأب إلى الابن إلى الأحفاد، أصبحت مزرعة خاصة، وليست دولة تُتداول فيها السلطة.
-4-
واليوم تعود حليمة إلى عادتها القديمة.
تعود سوريا الأسدية، إلى رعاية الإرهاب ودعمه، فهي لا تجيد غير هذا العمل، منذ 1970 إلى الآن. وهذه هي وظيفتها في هذه المنطقة. ومن يعترض على ذلك، فليذكر لنا وظيفة سوريا الأسدية في المنطقة عدا الممانعة والمخادعة.
فسوريا دولة بوليسية بامتياز.
فأقوى جهاز سوري الآن ليس الإعلام، وليس التعليم، وليس الجيش، وليس الاقتصاد، ولكنه الاستخبارات، ذلك البعبع القبيح الشرس، الذي تُخيف به سوريا جيرانها وخاصة لبنان.
واليوم، تفتح سوريا ممراتها وحدودها لفلول تنظيم quot;القاعدةquot; الإرهابي، بعد أن أيقنت أن لا زوال للعراق الجديد، وبعد أن حاولت طيلة السنوات الخمس الماضية منذ 2003 إلى الآن، أن تحرق العراق الجديد، وتعيد له الديكتاتورية، فلم تستطع.
واليوم، تعود سوريا لتدفع بمزيد من الإرهابيين إلى العراق، بمساعدة السفارة السورية في بغداد، التي هي عبارة عن فرع للاستخبارات السورية في قلب بغداد. وكم نصحنا الدولة العراقية الجديدة بعدم السماح لذلك، ولكن الدولة العراقية الجديدة تحمَّست للعروبة والعربان الغربان.
ولا أدري سرَّ تكالُب العراق الجديد على إقامة علاقات سياسية مع الدول العربية، التي لا يأتي منها إلا الإرهاب والخراب، وليس لديها ما تقدمه للعراق الجديد، إلا ذباب الإرهاب.
وهكذا سيظل ذنب الكلب أعوج، ولو وضعناه في ستين ألف ألف قالب.
وفي ذلك لقوم يعقلون.
السلام عليكم.