-1-
كثيراً ما يتكرر ذكر طه حسين والشيخ علي عبد الرازق كنجمين ساطعين من نجوم التنوير العربي، في القرن العشرين. فطه حسين في كتابه quot;في الشعر الجاهليquot;، وعلى عبد الرازق في كتابه quot;الإسلام وأصول الحكم quot; استطاعا أن يستقطبا اهتمام القراء والباحثين في النصف الأول من القرن العشرين، ويصبحان هما وكتابيهما على كل لسان يتحدث عن التنوير والحداثة العربية. وقد ساعد الإعلام السياسي المصري، والإعلام الثقافي والديني المصريان في العشرينات من القرن الماضي وما بعد ذلك، على انتشار تأثير هذين الكاتبين وكتابيهما في كافة أنحاء العالم العربي، بينما ظل تنويريون في المغرب العربي، وخاصة في تونس كالطاهر الحداد (1899-1935) والطاهر بن عاشور (1879- 1973) وابنه محمد الفاضل بن عاشور(1909- 1970)، وقبلهم عبد العزيز الثعالبي (1876-1944) إلا لقلة قليلة من الباحثين في مسيرة التنوير والحداثة الفكرية العربية. كذلك فقد ساعد quot;حزب الأحرار الدستوريينquot; المصري ndash; وقد كان طه حسين وعلي عبد الرازق عضوين بارزين في هذا الحزب ndash; على الدفاع عن أفكار طه حسين وعلي عبد الرازق. كذلك قامت جريدة الحزب quot;السياسةquot;، التي كان ينشر فيها طه حسين مقاله quot;حديث الأربعاءquot; المشهور بدور إعلامي كبير ساعد على انتشار آراء ووجهات نظر التنوير، والليبرالية، والحداثة، في ذلك الوقت.
-2-
أما في الجزيرة العربية، فقد ظهر في السعودية خاصة، تنويرون كُثر: أمثال محمد سرور الصبان (1898- 1971)، ومحمد حسن عوَّاد (1902-1980). وكذلك الناقد الأدبي والكاتب التنويري عبد الله عبد الجبار (1919 - ) الذي ما زال يعيش في مصر حتى الآن. ولا ننسى حمزة شحاتة (1908-1972) الأديب والشاعر والموسيقي. ويكفي أن يكون حمزة شحاتة موسيقياً وعازفاً مبدعاً للعود لكي يكون ليبرالياً. كذلك ظهر في هذه الفترة عبد الوهاب آشي (1905-1985) الذي اشترك مع محمد سرور الصبان في كتابة مقدمة كتاب العوّاد quot;خواطر مصرحةquot; عام 1929. كذلك نستطيع أن نتعقَّب جذور الليبرالية وفسائلها الصغيرة في شعر طاهر الزمخشري (الماسة السمراء)(1906-1987) وفي الدراسة الأكاديمية التي كتبها عبد الرحمن الأنصاري quot;ظاهرة الهروب في شعر طاهر الزمخشري، 1960quot; لنيل درجة الماجستير من جامعة القاهرة. ويتبيّن لنا أن quot;بابا طاهرquot; كان من فسائل الليبرالية الشعرية قبل أن تظهر هذه الليبرالية، في جامعة الملك سعود بالرياض من خلال حراك ثقافي، وطرح نقدي كما قيل. وأي بحث في الليبرالية السعودية ينسى الدور الثقافي الليبرالي الذي قام به عزيز ضياء (عبد العزيز ضياء الدين) (1914-1997) يظل ناقصاً. فعزيز ضياء كان من أوائل المثقفين السعوديين الليبراليين، الذين اطلعوا على التراث الثقافي الغربي، وحاولوا نقل جزء بسيط من هذا التراث إلى العربية، كما استفادوا من تمكنهم من اللغات الأجنبية في ترجمة أفكار التنوير الأوروبي إلى القاريء السعودي، وهو ما فعله عزيز ضياء.
-3-
في كثير من المناسبات الثقافية والشعرية، كان يُنسى ويُغفل دور محمد حسن عوّاد التنويري، والذي كان لا يقل ليبرالية عن طه حسين وعلي عبد الرازق مع فارق في البيئة، والمجتمع، والثقافة، والتاريخ.
فلو قُدِّر للعوَّاد أن يُولد في مصر عام 1902 بدل الحجاز، وأن يسافر إلى فرنسا، ويدرس في السوربون، ويعود ليعيش في مصر، كما تمَّ لطه حسين، لكان دوره أكبر، وسمعته أضخم، ونجوميته أكثر تألقاً. والدليل على ذلك أن عبد الله القصيمي (1907-1996) المفكر السعودي الليبرالي التنويري المعروف، برز واشتهر من خلال دراسته في الأزهر، وإقامته في مصر، وتنقله بين مصر وبيروت، ونشره كتبه المهمة والمدوية في القاهرة وبيروت. كذلك الحال كان بالنسبة للروائي السعودي الشهير عبد الرحمن منيف (1933-2004) صاحب الخماسية الروائية quot;مدن الملحquot;، الذي وُلد في الأردن، ودرس في القاهرة وبلغراد، وعاش بين بغداد ودمشق وعمّان. ولو عاش القصيمي ومنيف كما يعيش الآن المفكر التنويري والليبرالي السعودي إبراهيم البليهي داخل السعودية، وكذلك الشاعر الحداثي الكبير محمد العلي، لما ظل هذان المثلان التنويريان دون نجومية متألقة، وشهرة مدوية في العالم العربي. ولهذا السبب رحل أدونيس (علي أحمد سعيد) من قريته (قصّابين) في سوريا، وأقام في بيروت، ثم قفز إلى باريس، وجال في العواصم الأوروبية، واتصل بالصحافة العربية في المهجر، وتمتَّع بحرية الرأي والثقافة، وبرز كواحد من أشهر شعراء العربية الآن. كذلك كان الحال مع نزار قباني، وغيره من مئات الشعراء والروائيين والكتاب والمفكرين العرب الذين نهجوا نهج رواد التنوير في نهاية القرن التاسع عشر كالأفغاني ومحمد عبده، في الوقوف على منابر في الغرب، لإسماع أصواتهم لأبناء الشرق.
فلماذا جمعنا بين طه حسين وعلي عبد الرازق والعوَّاد كثلاثي تنويري مميز؟
سنجيب على هذا السؤال في المقال القادم إن شاء الله.
السلام عليكم.
التعليقات