من المعلوم أن المرأة السعودية، تشكل الآن نصف المجتمع عدداً، وهي الرئة الثانية لهذا المجتمع. ولكن بالمقابل فإن المرأة السعودية لا تشكل أكثر من 10% من القوى العاملة، حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول المرأة، وأهداف التنمية في الألفية الثالثة. كما أن المرأة السعودية تعتبر إلى الآن الشغل الشاغل ليس للثقافة السعودية والعربية فقط ولكن للصحافة الغربية. والسبب في ذلك يعود أن ما تناله المرأة السعودية من حقوق ينعكس على المرأة العربية عامة باعتبار أن المرأة السعودية هي مؤشر البارومتر النسوي العربي في ارتفاعه وانخفاضه. وهذا مبرر كافٍ لمجلة كمجلة quot;التايمquot; الأمريكية لكي تهتم بالمرأة السعودية وإشكالاتها، دون باقي نساء العالم العربي. فالعدد الأخير الذي صدر عن quot;مجلة التايمquot; الأمريكية في أكتوبر من هذا العام، خُصص لاستعراض انجازات المرأة السعودية، بعد قرن تقريباً من تلك الدعوة والصيحات التي أطلقها العوَّاد لتحرير المرأة، وتعليمها، وتوفير فرص العمل لها. فنشرت المجلة المذكورة، تقريراً صحافياً كتبه مراسلها في الرياض أندرو بيترز بعنوان quot;النساء السعوديات والثورة الهادئة: المزيد من الحقوق والحريات.. ولكن أبطأ مما يتمناه البعضquot;، تحدث فيه عن حصد النساء السعوديات لمزيد من الحقوق والحريات. وبأن الخوف من النساء، وعدم ضبط الأعصاب الهائجة والغرائز الذكورية الفائرة عند النظر إليهن أو التحدث معهن، هو من الأسباب التي ndash; ربما - كانت تحول في الماضي والحاضر من تقدم المرأة، أو منحها المزيد من الحريات.

فوبيا المرأة
فالخوف من المرأة (فوبيا المرأة) من قبل الذكور عامة في العالم العربي وفي الخليج خاصة وفي السعودية تحديداً، وليس الخوف عليها، هو الذي تسبب في كل ما لاقته المرأة من ممانعة، وعنت، وعسف، وتشدد في الماضي والحاضر. وقد عبّرت عن هذا ضمن تقرير مجلة quot;التايمquot; المذكور آنفاً، الدكتورة سلطانة الرويلي المحاضرة بجامعة الجوف والمديرة التنفيذية للموارد البشرية في شركة المملكة القابضة، حين ذكرت ظاهرة امتقاع وجه بعض هؤلاء الشباب بمجرد أن يشاهد أحدهم امرأة تقوم بإجراء المقابلة الشخصية معه. وربما ارتجف، وأصابه الإغماء لهول الحدث. والسبب في ذلك، يعود إلى ندرة رؤية المرأة من دون الأم أو الأخوات، أو بعض الأقارب. والحرمان الطويل المرير والمميت للذكر السعودي من لقاء الأنثى السعودية أو رؤيتها أو التحدث معها في المدرسة والجامعة والعمل والشارع والمقهى و.. الخ. هو الذي سبب هذا العداء الاجتماعي والديني الشعبي المتشدد ضد المرأة. وزاد من الحرمان القاتل، هذا الزي الأسود المتمثل بالعباءة والحجاب والنقاب والقفازات السوداء التي تُضاف على قائمة أسباب العذاب الذكوري تجاه المرأة السعودية، بحيث يحجب كل أجزاء جسد المرأة حتى يديها، حيث تلبس بعض نساء السعودية والخليج ومصر ومختلف البلدان العربية، قفازات سوداء زيادة في وسائل تهييج الذكورية. ونتج عن ذلك في الفترة الأخيرة حوادث اختطاف البنات ومضاجعتهن من قبل فريق كامل من الشباب بالتناوب في أنحاء متفرقة من الخليج، بشكل شرس ومقزز ولا إنساني.

هل أصبحت المرأة السعودية كطيور quot;البنغوينquot;؟
ظن الآخرون أن المرأة السعودية أصبحت كالطيور المحبوسة في أقفاصها مدة طويلة، بحيث اعتادت على الحبس، وإذا ما فُتحت لها أبواب الأقفاص، رفضت الطيران، لأنها لم تعد قادرة عليه، وكأنها بلا أجنحة. فقد تعطلت أجنحتها مدة طويلة، فتحوَّرت، كما طيور quot;البنغوينquot;. وزاد من هذه الظنون استطلاع للرأي، جرى عام 2006 عبّرت نسبة 86% من النساء عن رفضهن للاختلاط، وعبّرت نسبة 89% عن رفضهن لقيادة السيارة. كما أكدت إيمان العقيل رئيسة تحرير مجلة quot;الحياةquot; المحافظة، أن معظم قارئاتها من الشابات يرفضن فكرة الدراسة مع الشباب السعودي، حيث تشعر الفتاة بأن هناك من ينظر إليها دائماً كفريسة محتملة. كذلك، فإن الذكور السعوديين لا يعرفون كيفية التعامل الحضاري مع النساء خارج المنزل، كما قال تقرير مجلة quot;التايمquot;.

التهاب الغرائز الآدمية
إذن، شراسة غرائز الذكور الجنسية - وهو أمر طبيعي في الإنسان المحروم والجائع وفي الحيوان كذلك- في السعودية والخليج عموماً، وعدم تمكنهم من ضبط أعصابهم تجاه رؤية المرأة، أو شمِّ رائحتها، أو عطرها، وتجنباً لحوادث متوقعة، أو ما يُطلق عليه رجال الدين quot;سد الذرائعquot;، صار الفصل بين الجنسين، وعدم السماح بالاختلاط، الذي أدى ويؤدي إلى مزيد من إثارة والتهاب الغرائز الآدمية الذكورية والأنثوية على السواء. كما أدى ويؤدي إلى حوادث مفزعة، يُعلن عنها، ولا يُعلن عنها في بعض الأحيان. كما أن عدم السماح بالاختلاط اضطر المجتمع السعودي بالذات إلى إقامة مجتمعين منفصلين تمام الانفصال تقريباً: مجتمع للذكور ومجتمع للإناث، يتمثل في مدارس البنات، وفصول البنات الخاصة في المعاهد والجامعات، وبنوك النساء، وأجنحة النساء في المطاعم والمقاهي والمستشفيات.. الخ. ونتج عن ذلك:
1- إن 90% من نصف المجتمع السعودي (المرأة) لا يعمل.
2- أن 10% من نصف المجتمع السعودي (المرأة) يعمل بصعوبة كبيرة، ناتجة عن تحرش الذكور بالمرأة، ومضايقتها في العمل، نتيجة الحرمان الجنسي الشديد.
3- أن التواصل العلمي والأدبي والفني والعملي بين أفراد المجتمع (من إناث وذكور) مقطوع وغير قائم.
4- أن نظرة الذكور وشعورهم نحو المرأة، في أي مكان، وعلى أي مستوى، أصبح جنسياً خالصاً. فالمرأة تعني الجنس ولا شيء آخر، وبغض النظر عن مهاراتها، ما دام رجال الدين يعارضون الاختلاط خوفاً على المرأة من عدوان الرجل الجنسي، ولا شيء آخر غير هذا العدوان الجنسي.
5- أن النظرة إلى المرأة على نحو ما سبق، أصبحت نظرة دونية. وهي مهما حققت من انجازات فستظل أنثى مستهدفة جنسياً، ومطلوبة للفراش فقط. وهذا هو وضع الغالبية من الإناث في السعودية.
ورغم هذا كله، حققت المرأة نجاحات كثيرة، وانجازات تفوق في بعضها ما حققه الرجل، وسجلت أهدافاً جميلة وقوية في مرمى أعداء المرأة. وكل هذه النجاحات والانجازات كانت بفضل عام 1959 وهو عام الحسم التاريخي النسوي السعودي، الذي صدرت فيه القناعات بفتح مدارس بنات. فأصابت الرؤيا السياسية، في حين أخطأ الآخرون. وتحققت ثمار الرؤيا السياسية في ضرورة تعليم البنات بعد ستين عاماً (1959-2009) في حصول الدكتورة السعودية غادة المطيري التي تعمل كرئيسة لمركز أبحاث جامعة كاليفورنيا بسانت ديجو جائزة المخترعين الجدد الأمريكية (3 ملايين دولار). ولم ترَ المؤسسة الدينية السعودية المتشددة في هذا الخبر غير واقعة حديث غادة المطيري لمندوب quot;فضائية العربيةquot;، وهي كاشفة الرأس، ولا تلبس العباءة، أو الحجاب، أو النقاب، وهو الاحتجاج نفسه الذي أبدوه على طالبات جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية quot;كاوستquot;. كذلك اختارت منظمة Tech Pop الأمريكية - وهي منظمة مستقلة ويتكون معظم أعضائها من حملة جائزة نوبل- الدكتورة السعودية حياة سندي الباحثة في جامعة هارفارد، لتحظى بتكريم علمي، ضمن أفضل ١٥ عالماً في العالم، ولتكون أول امرأة على مستوى الشرق الأوسط في هذه النخبة من العلماء.
السلام عليكم.