قال أحد الكتاب الليبراليين السعوديين قبل أيام، تعليقاً على فتوى تحريم الاختلاط، وهي الفتوى الشخصية الذاتية الكيدية الخاصة، التي أصدرها الشيخ عبد الرحمن البراك بوحي من مريديه، الذين يكيدون للإصلاح ولليبرالية وللتنوير السعودي الحديث كيداً، بأن هذه الفتوى كادت أن تقضي على كل ما أنجزناه منذ خمس سنوات (2005-2010) من خطوات إصلاحية مشهودة. في حين قال آخرون، بأن هذه الفتوى عبارة عن (فرقعة) كيدية، في الاتجاه المعاكس، لا أثر لها.

العالم لا يعرف البراك ويعرف السعودية
وفي الواقع، فإن المعلقين والمراقبين في خارج السعودية التقطوا هذه الفتوى. وراحوا يدللون بها عن الفكر السعودي الحديث. ويسخرون من الذين يحفرون عن الليبرالية السعودية. وهم يدَّعون أن الليبرالية السعودية زعماً من المزاعم. نكتة من النكات. قبعة بلا رؤوس. رغم أنهم عندما يتحدثون عن الليبرالية - بأسى شديد، وبوجع مضنٍ ndash; كتيار.

فهل هذه هي الحقيقة؟


تيار ليبرالي كالشمس في رابعة النهار
في السعودية الآن، تيار طويل وعريض من الليبراليين السعوديين ndash; رضينا أم أبينا، اعترفنا أو أنكرنا، أبصرنا أم عمينا، شهدنا أم جحدنا، فلكل دعوة جديدة مصداتها ومنكريها - سبق وتحدثنا عن خطابات بعضهم. وهؤلاء ليسوا مجرد كتاب أعمدة صحافية. ولا هم بالمتشدقين في الندوات والمهرجانات والمجالس الأسبوعية. ولا هم بالمدَّعين الراغبين بمصلحة أو منفعة. فما زالت السلطة حذرة ومتوجسة منهم. وما زالت أولوياتها، ومصدر الرضا عنها غير هؤلاء. ولا هم من طلاب الوجاهة الاجتماعية، أو المناصب السياسية. وجلُّهم من أهل الفكر والتدبر، الذين يبنون صرح الليبرالية السعودية الآن حصوة حصوة. وهم في غالبيتهم من الفقهاء والعلماء والباحثين.


من الفقهاء التنويريين
فمن الفقهاء الليبراليين السعوديين الشيخ الفقيه التنويري أحمد بن عبد العزيز بن باز. وهو فقيه ذو تأثير قوي بين صفوف الشباب ndash; وهو منهم ndash; والشابات. وتلقى آراؤه أصداء واسعة في صفوف هؤلاء. في حين تهاجمه المؤسسة الدينية الأصولية المتشددة هجوماً عنيفاً، من خلال مواقعها الإليكترونية على الانترنت. ولكن الشيخ الفقيه التنويري ابن باز ماضٍ في إصلاح وتصليح كل ما أعطبته المؤسسة الدينية التقليدية. وإعادة تنوير ما أظلمته هذه المؤسسة.

التنوير في الشريعة والحياة
وكان آخر ما أناره وكشف عن حقيقته الإسلامية هذا الشيخ الفقيه قوله في جريدة quot;الوطنquot; السعودية (13/2/2010) عندما دعا إلى عدم وقوفنا جامدين أمام نصوص الشريعة. فالشريعة قابلة للتعايش في كل زمان ومكان. وكانت المشكلة كما يراها هذا المجدد التنويري بوضوح وجلاء، تكمن في عدم فهم نصوص الشريعة الإسلامية. فلقد أصبحنا ndash; كما قال - محكومين بتفسيرات بعض النصوص التي عفا عليها الزمن. ولهذا السبب وُجد لدينا الشعور الخاطيء من الصدام الحضاري. وهو الخوف من الجديد.

لا لتحريم الاختلاط الايجابي
بيد أن أوضأ مجالي آراء هذا الفقيه، وأعظم فيئه، يتمثل في رأيه بالاختلاط الذي كثر فيه (العكُّ والدكُّ) هذه الأيام. فهذا الفقيه، الذي لا يراغم الحق ولا ينابذه، يرفض بكل شجاعة تحريم الاختلاط الايجابي، المتمثل بالاختلاط في المدارس، حيث لا سُرراً للمضاجعة. ويرفض تحريم وتجريم الاختلاط في العمل، حيث لا وسائد للمجامعة ويرفض تحريم الاختلاط في الاجتماعات العامة، حيث لا دفء للوطء. فكلها أمكنة عامة، ولا مجال فيها لارتكاب الفاحشة. لكنه بالمقابل، اعتبر أن الخلوة التي تيسّر الفاحشة عدم شرعية. وهذه الآراء، هي نفسها، التي سبق وقالها عام 1930 الشيخ التنويري الزيتوني (نسبة لجامع الزيتونة في تونس، الذي يعتبر أزهر المغرب العربي) الطاهر الحداد، في كتابه المهم quot;امرأتنا بين الشريعة والمجتمعquot;.

قبول الآخر من أولويات الإسلام
لقد أكد الشيخ الفقيه أحمد بن باز على اعتبار قبول الآخر من الأولويات الإسلامية. وكان قد ارتفع بذلك إلى مصاف الفقهاء الذين يسعون إلى استرداد الإسلام المُختطف، ووضع الإسلام في موضعه الصحيح كدين تسامح، ومحبة، وسلام. وهو يسعى - كما قال - إلى ترميم العلاقة مع الآخر، خصوصاً مع الغرب. لأن الغرب ndash; كما قال - حضارة.
فنحن لا نملك نكران هذه الحضارة. ولا العمل على إقصائها. سيما ونحن نعيش في نعيم انجازاتها العلمية والتكنولوجية المختلفة.


نواقيس شرعية مهمة ونادرة
وكان ناقوس الزيادة السكانية المتسارعة، وانفجار القنابل السكانية في أنحاء متفرقة من العالمين العربي والإسلامي بما فيهما السعودية، هو الناقوس المدوي الذي دقَّه لنا الشيخ الفقيه أحمد بن باز أخيراً، وهو المهم والحيوي. وهو تحذير لنا جميعاً من خطر انفجار القنبلة السكانية الداهم، التي بدأت تتفجر في بعض البلدان العربية الفقيرة، حيث أعاقت هناك (مصر مثالاً) تطوير التعليم، وتحسين الخدمات الصحية والاجتماعية، وساهمت في زيادة معدلات البطالة، والفساد، والرشوة، والفقر، والتهم هذا الانفجار السكاني كل بادرة تقدم، وتحسين وتغيير إلى الأفضل في أركان الوطن الأساسية.


مليار مسلم وخط الفقر
وجاءت هذه الإضاءة من شيخ فقيه، نادرة نُدرة المطر في صيف صحراء الجزيرة العربية. فمعظم شيوخ الدين في العالمين العربي والإسلامي يشجعون الجمهور على مزيد من النسل والمواليد. ويستندون إلى الحديث النبوي الشريف: quot;تناكحوا تناسلوا فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامةquot;. ولكن هذا الحديث الشريف، قد قاله الرسول عليه السلام، قبل أن يصبح عدد المسلمين في العالم الآن، ما يزيد عن مليار مسلم، يعيش أغلبهم تحت خط الفقر. وعندما كان عدد المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة قليلاً. فأراد الرسول الكريم تشجيع هذه القلة من المسلمين على الزيادة والكثرة بالتناكح والتناسل. ولكن لو نظرنا إلى التضخم السكاني الآن في العالمين العربي والإسلامي، مع محدودية الدخل القومي، لكل قطر عربي وإسلامي، وانتشار الفقر والبطالة، وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، لوجدنا أنه من الخطأ الكبير الاستمرار في زيادة عدد السكان بهذه الوتيرة السريعة، والمنذرة بعواقب وكوارث كثيرة.


مثال آخر على عافية التيار الليبرالي السعودي
وهناك مثال آخر على صحة وعافية التيار الليبرالي السعودي، وهو الكاتب والباحث يعقوب محمد اسحق، الذي ينكبُّ على محاور ليبرالية مهمة. وقد أصدر خلال السنوات القليلة الماضية مجموعة من الكتب المهمة منها: quot;الاستبداد عند خير أمة أُخرجت للناسquot;، و quot;تقويم الفكر الديني المتمرد على الإسلامquot;، و quot; الإصلاح السياسي هدف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرquot;، و quot;إصلاح الفكر الديني أولاًquot;، وغيرها من الكتب. ومعظم كُتبه ما زالت بعيدة عن متناول القارئ السعودي وكذلك العربي، نتيجة للسطوة الدينية الأصولية المتشددة، ونتيجة لشجاعته في قول الحق والحقيقة، وخاصة في كتابه المهم quot;إصلاح الفكر الديني أولاًquot; الذي ضمَّنه آراءه في الشورى، والانتخابات، والمعارضة من وجهة نظر إسلامية. وأراه يلتقي في آرائه في هذه المحاور، مع المصلح الديني والسياسي المصري الراحل الشيخ خالد محمد خالد، في كتابه الأخير قبل رحيله عنا quot;دفاع عن الديمقراطيةquot; الذي أكد فيه أن الشورى هي الديمقراطية، والديمقراطية هي الشورى. وأن كافة آليات الديمقراطية هي من صلب الإسلام، حيث لا ضرر للمسلمين منها. وبذا، فإن يعقوب محمد اسحق، وخالد محمد خالد يعارضان بذلك الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء) الذي أفتى في 3/11/2003 بتحريم الانتخابات، واعتبرها دخيلة على الإسلام، وقال فيها:
quot;الانتخابات المعروفة اليوم عند الدول، ليست من نظام الإسلام. وتدخلها الفوضى، والرغبات الشخصية. وتدخلها المحاباة، والأطماع. ويحصل فيها فتن، وسفك دماء، ولا يتم بها المقصود. بل تصبح مجالا للمزايدات، والبيع، والشراء، والدعايات الكاذبة.quot;

السلام عليكم.