-1-
المطلوب من بعض الأنظمة العربية التي تسعى إلى الزعامة السياسية، أن تقرأ بعناية ما يكتبه بعض الكتّاب العرب، لكي يدركوا ولو جزءاً بسيطاً من الحقيقة، ويبنوا قراراتهم المهمة، بناءً على ذلك.
وإهمال بعض الأنظمة العربية كليةً لما يكتبه بعض الكتّاب الراشدين والمبصرين، والإنصات فقط لما يقوله المستشارون والحواريون الرسميون وغير الرسميين، يوقع هذه الأنظمة في أخطاء سياسية قاتلة وكثيرة.
وها أن الأحداث، وسلوك النظام السوري بالأمس- عندما أصدر quot;قراره الظنيquot; بجلب ومحاكمة 33 شخصية عربية وسورية ولبنانية - خير دليل على ذلك. وهو ما يعني عودة ذنب الكلب إلى طبيعته- وهي الاعوجاج- مهما حاول الآخرون (العطَّارون) الإمساك به، وتعديله، ليستقيم.
quot;فلا يُصلح العطَّار ما أفسدَ الدهرquot;، كما يقولون.
ففي 13/5/2009 كتبت مقالاً هنا في quot;إيلافquot; تحت عنوان quot;ذنب الكلب الأعوجquot; عن النظام السوري، الذي لن يستقيم أمره إلا بعد تحقيق أهدافه العدوانية المدمرة في المنطقة. ومما قلناه قبل أكثر من عام، أن العرش quot;الأسديquot; في سوريا، لن يترك منطقة الشرق الأوسط إلا رماداً بعد محارق هائلة. ذلك أنه عهد مريض بالحقد، والمكيدة، والحيّل، واللعب على الحبال، ويشعر دائماً بالتهديد من الداخل ومن الخارج. لذا، فقد زجَّ بالمعارضة السورية في غياهب السجون، وشرّد البقية الباقية خارج سوريا، وعقد اتفاقية إستراتيجية مع إيران، ومع quot;حزب اللهquot;، لكي يحمي نفسه من أي تهديد داخلي أو خارجي. وهو الذي عمل منذ ما يقارب من أربعين عاماً (منذ 1970) على تسخير كل إمكانات سوريا العسكرية والاستخبارتية والمالية والإدارية، لتمكين هذا العرش، وتأمينه وتثبيت قواعده، وليس لإعادة الأرض المحتلة في الجولان، أو لتحسين مستوى حياة الفرد السوري (يتقاضي المدرس مئة دولار شهرياً، ومعدل دخل السوري السنوي 650 دولار، وهناك مافيا آل الأسد، التي تتكون من رامي مخلوف، وأديب ميالة، ورستم غزالة وعائلته، وغيرهم، أطلق عليها بيار صادق quot;الصعاليك الجُددquot;، وأطلق عليها المفكر السوري المعارض عبد الرزاق عيد quot;الأسافلquot;.)

-2-

فسوريا منذ عام 1970، ومنذ أن سطا حافظ الأسد على سلطة الحكم في سوريا، و(طوَّبها) باسمه، واسم عائلته في دائرة quot;الطابوquot; (تسجيل العقارات) بدمشق، لكي تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، من الأب إلى الابن إلى الأحفاد، أصبحت مزرعة خاصة، وليست دولة تُتداول فيها السلطة.
فسوريا دولة بوليسية بامتياز.
فأقوى جهاز سوري الآن ليس الإعلام، وليس التعليم، وليس الجيش، وليس الثقافة، وليس الاقتصاد، ولكنه الاستخبارات، ذلك البعبع القبيح الشرس، الذي تُخيف به سوريا جيرانها وخاصة لبنان، الذي أصبح تابعاً لسوريا وخاصة في سياسته الخارجية، بل وأصبح كما ذكرنا من قبل quot;المحافظة الخامسة عشرةquot; السورية.
فهل يخبرني أحدكم عن أي قرار اتخذه لبنان بحريته المطلقة منذ 1920 إلى الآن، دون أن تكون عليه quot;البصمةquot; السورية المسبقة؟

-3-
واليوم تعود حليمة إلى عادتها القديمة.
فذنب الكلب أعوج، ولو وضعناه في ألف قالب وقالب..!
تعود سوريا quot;الأسديةquot; اليوم، إلى رعاية الإرهاب، ودعمه، وذلك من خلال اعتراض سوريا، وتابعها حزب الله، على القرار الظني المنتظر من المحكمة الدولية، والتي أصدرت سوريا اتقاءً له ومناصاً من تنفيذ ما قد يأتي به، قرارها الظني الخاص بحق 33 شخصية عربية ولبنانية وسورية، ومن سمتهم quot;شهود الزورquot; وهم الشوكة الجارحة في حلق النظام quot;الأسديquot; السوري.
وها هي سوريا الأسدية بالأمس، قد أوعزت لحليفها نبيه بري، بإطلاق المدفع الأول على استقرار لبنان، وذلك بالامتناع عن مشاركة كتلة quot;أملquot; بجلسات مجلس الوزراء ما لم يتم البت في موضوع شهود الزور. وغداً سيقفل بري مجلس النواب اللبناني، ويضع مفتاحه في جيبه، كما فعل في الماضي القريب، استجابة لطلب quot;الأسيادquot; بنسف لبنان واستقراره.
فهذا النظام، لا يجيد غير هذا العمل، منذ 1970 إلى الآن. وهذه هي وظيفته في هذه المنطقة. ومن يعترض على ذلك، فليذكر لنا وظيفة سوريا quot;الأسديةquot; في المنطقة، عدا الممانعة، والمخادعة، والمرافعة عن الإرهابيين والقتلة، وتدمير لبنان من حين لآخر.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولا يعقلون.

-4-
هل يعلم الناس أن سلوك النظام السوري على هذا النحو، تشجيع المجرمين الإرهابيين الآخرين على ارتكاب جرائم قتل مماثلة لما تم في لبنان منذ 2005، وانتقاماً من quot;لبنانquot; لانسحاب 14 ألف جندي سوري من لبنان، بموجب قرار مجلس الأمن الشهير 1559 ؟
وكأن النظام السوري، يقول للمجرمين الإرهابيين الآخرين:
اقتلوا ما تشاءوا، وليُقِم مجلس الأمن من المحاكم الدولية ما يشاء، وليصْدُر القرار الظني كما يكون، فهذه وسائلكم وحيَّلكم للخروج سالمين من كل جرائمكم، ولتخرجوا منها، كما تخرج الشعرة من العجين، سالمين غانمين.
فطز وألف طز بمجلس الأمن..
وطز بالمحاكم الدولية..
وطز بكل القرارات الظنية..
وطز بمجلس الأمن..
وطز بكل بالشرائع الدولية..!
وهو ما يقوله علي خامئني، وتلميذه أحمدي نجاد، كل يوم للعالم.
فشكراً لسوريا الأسدية، فهي مدرسة (الإرهاب لكل الشباب) العربية، في القرن الحادي والعشرين!
واعتقد، بأن محاولة التخلص من quot;القلق السياسيquot; محاولة فاشلة. وكما يقول المفكر المصري/الفرنسي سمير أمين، في كتابه المهم (نقد روح العصر) فإن quot;محاولة فهم التاريخ وتفسيره، تتطلب دائماً ربط الأجزاء في كلٍ متماسك.quot;

-5-
إن المهزلة الكبرى في سوريا quot;الأسديةquot; وفي لبنان السوري الإيراني، أن مجرمين في لبنان السوري قد قتلوا أو ndash; شُبِّه لنا ذلك ndash; رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وصفاً طويلاً من السياسيين، والصحافيين، والمثقفين اللبنانيين، وسيصدر قرار ظني قريباً من المحكمة الدولية بذلك. وهي محكمة تابعة لمجلس الأمن، وليست للجامعة العربية، أو quot;منظمة العالم الإسلاميquot;. ويريد هؤلاء وأولئك ndash; حالمين وغافلين - تعطيل، أو تأجيل، أو إلغاء، أو تخفيف هذا القرار، بمال الشام، وماء زمزم، لكي يكون القرار الظني المنتظر برداً وسلاماً على القتلة المجرمين.
ولكن هيهات ومحكمة quot;الخواجاتquot; هذه، لا تستسيغ كل هذا، وترفضه، لأن لا الخيل المركوبة خيلها، ولا السروج المشدودة عليها سروجها!
وسيظل ذنب الكلب أعوج، ولو وضعناه في ستين ألف قالب!
وفي ذلك لقوم يعقلون.
فأين هم هؤلاء القوم؟!
السلام عليكم.