-1-
كان quot;الإخوان المسلمونquot; هم من نشروا شعار quot;الولاء والبراءquot; في مصر، ثم في الخليج العربي، ثم في السعودية على وجه الخصوص. وشعار quot;الولاء والبراءquot; شعار ليس غامضاً ولولبياً كشعار quot;الإخوانquot; الآخر quot; الإسلام هو الحلquot;، الذي لم يلقَ في نفوس الناخبين المصريين هوىً واستجابةً في انتخابات الأمس 2010، كما لقي عام 2005، وأكسب هؤلاء 88 مقعداً، لم تكن كلها باسم quot;الإخوانquot; صراحة، بقدر ما كانت تمويهاً وخداعاً باسم مستقلين، لم يكشفوا عن أقنعتهم quot;الأخوانيةquot; إلا تحت قبة مجلس الشعب. وتلك واحدة من عمليات الغش والخداع، التي يلجأ لها quot;الإخوانquot; للوصول إلى السلطة، بأي ثمن، وبأي طريق معوج.

-2-
إذن، كان شعار quot;الولاء والبراءquot; منزوياً في ظلمات الفقه الديني/السياسي، فجاء quot;الإخوانquot; في العصر الحديث، ونكاية بعبد الناصر وسياسته، في بناء دولة مدنية حديثة، واعتبروه كافراً، لأنه حال بينهم وبين إقامة quot;الخلافةquot; الإسلامية، وإقامة الدولة الدينية. وشنق مفكرهم (سيّد قطب) عام 1966، الذي كان يطالب بإقامة دولة دينية. وكانت quot;المفارقة الكبرىquot; شنق المفكر الإسلامي السوداني الآخر محمود طه عام 1985، الذي أنكر قيام الدولة الدينية في عهد النميري. وشُنق محمود طه بفتوى من حسن الترابي المراقب العام لـquot;الإخوانquot; في السودان، في ذلك الوقت. وكان شنق محمود طه نكاية بالشيوعيين والمعارضة اليسارية السودانية، واستجابة لـquot;الوهم الرساليquot; المتمثل بقيام خلافة إسلامية، الذي كان متلبساً حسن الترابي على حد تعبير الكاتب الليبرالي السوداني بابكر فيصل.

-3-
فما هو فقه الولاء والبراء؟
هو - بكل بساطة - الولاء للمسلمين، والبراء من غير المسلمين.
هو إشارة، إلى أن المسلم يحمل جواز سفر أحمر (دبلوماسي) فلا يُوقف عند الحدود، ولا يُسئل.
هو القطيعة التامة مع غير المسلمين قولاً وفعلاً ، كما يقول العفيف الأخضر.
وهو عداء المسلمين للكفار. ليس لأنهم يسببون الأذى للمسلمين. وهذا يعني أن من كان مؤمناً، أو مسلماً وألحق الأذى بالمسلمين ndash; كالإرهاب وقتل الأبرياء - فلا بأس عليه. ومن كان نافعاً للمسلمين وجبت موالاته والولاء له. وهذا هو سر عدم تكفير quot;ابن لادنquot; حتى الآن، وعدم إصدار فتوى بقتله. فقتلُ ابن لادن وكل زعماء وقادة المقاومة، ما زال قراراً سياسياً بامتياز حتى الآن. وليس ناتجاً عن فتوى دينية، كما هو الحال بحق كثير من المثقفين العَلْمانيين والليبراليين التي صدرت بحقهم فتاوى بالقتل، لمجرد أنهم عارضوا خطاب السلفيين والأصوليين، ومن يحكموننا من القبور الآن، كابن تيمية، وغيره.

-4-
quot;ابن تيميةquot;(نسبة لجدته لأبيه، واسمها quot;تيميةquot;) الفقيه العراقي (ولد في حرّان العراقية) الحنبلي، (1263-1328م) هو الذي شدد على ضرورة رفع الشعار الديني/السياسي (الولاء والبراء). ورفعه في وجه المغول حين غزوا العراق، وفي وجه الصليبيين حين استولوا على بيت المقدس. فكان متحمساً للجهاد، والحكم الشرعي، وإعادة الهيبة، والعدالة الدينية للخلافة. لذا، يعتبر ابن تيمية رائد quot;الإسلام السياسيquot; في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. وما زال كذلك حتى الآن، وبعد مضي حوالي ثمانية قرون على رحيله، هو الملهم الديني/السياسي لكل الإرهابيين الدينيين في الشرق العربي والشرق الإسلامي. وهو ndash; في نظر السلفيين والأصوليين - الإمام الذي لا إمام أمامه في الخليج العربي، وبين المتشددين والمتعصبين. فهو إمام التعصب والتشدد الذي يحفر الإرهابيون اسمه على سيوفهم وبنادقهم. ويتبادلون في السر والعلن آراءه وأفكاره في quot;الولاء والبراءquot; التي نشرها في كتابه (الفرقان بين أولياء الله والشيطان). وقد سجنه المماليك عدة مرات في سجون دمشق والقاهرة لتشدده وتعصبه إلى أن مات في سجن قلعة دمشق في عهد السلطان المملوكي البحري محمد بن قلاوون (1285-1341م). ونحن كليبراليين ضد ما تمَّ لابن تيمية سجن وتعذيب، وندين بشدة تنكيل المماليك المتعصبين، نتيجة لكيد الفقهاء (أمثال السبكي والهيتمي وغيرهما) المتعصبين والمتشددين من المذاهب الأخرى كالحنفية والشافعية والمالكية، ومعارضتهم لآرائه ومقولاته. والمؤسف أننا الآن - في هذا الزمن الرديء والمالح - نُعيد نصب تماثيل ابن تيمية في ميادين العنف والإرهاب والكراهية والتخلف. ونُحضر من القبور المظلمة شعار quot;الولاء والبراءquot;، ونرفعه في زمن ومكان ليس زمانه، ولا مكانه. فقد قام هذا الشعار قبل ثمانية قرون، وكان الأولى بنا، أن نبقيه في إطار زمانه ومكانه فقط، لأنه نتاج ومحصلة ذلك الزمان والمكان، ثم نودعه متحف الشعارات الدينية/السياسية التراثية.

-5-
عاش ابن تيمية (صاحب quot;الولاء والبراءquot;) في القرن الثاني عشر الميلادي، ورحل في بداية القرن الثالث عشر. وفي هذه الفترة تتابعت الحملات الصليبية التسع (1096-1291م) وهي حروب سياسية واقتصادية، قبل أن تكون دينية. وألحقت الدمار بالمسلمين وأوطانهم.
أما ما أورثنا إياه ابن تيمية من عوائق حضارية، ومن مطبات وأخطاء لتطبيق شعار quot;الولاء والبراءquot;، فكان أهمها تحريم استخدام الرأي والعقل في فهم القرآن. كذلك حرّم ابن تيمية ( كما جاء في مجموع فتاويه ج28، ص 199-201) كل ما هو مخالف للكتاب والسُنّة عند غير المسلمين. والأنكى من هذا، أن شعار quot;الولاء والبراءquot; حرّم الاحتفال بالمولد النبوي، واستخدام التاريخ الميلادي. ولو كان ابن تيمية بيننا اليوم لحرّم ركوب السيارة، والقطار، والطائرة، والحمار الآلي!

-6-
يقول ابن تيمية في quot;اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيمquot;، داعياً إلى القطيعة التامة مع غير المسلمين:
quot;لا نقلدهم حتى فيما فيه مصلحة لنا، لأن الله إما أن يعطينا في الدنيا مثله أو خيراً منه، وإما أن يعّوضنا عنه في الآخرة.quot;
وهذا في رأي العفيف الأخضر ذروة الرُّهاب (فوبيا) الهستيري من تقليد غير المسلمين، وشكلّ منذ ظهور الحداثة، عائقاً أعاق الوعي الجمعي الإسلامي من استقبال الحداثة الأوروبية بما هي quot;تقليد للكفارquot; الذين اخترعوها.
ويقول العفيف الأخضر، أن من يقرأ فتاوى الفقهاء منذ القرن الرابع عشر الميلادي، يجد أن جزءاً لا يستهان به مكرساً لتحريم quot;مستحدثاتquot; الحداثة اللباسية، أو الغذائية، أو العلمية، والتكنولوجية. فمثلا حرّم فقهاء مصر سنة 1511 م القهوة بما هي quot;بدعةquot;، وجددوا تحريمها، نظراً لإقبال الصوفية عليها، سنة 1533م. وأخيراً وقّع السلطان العثماني بنفسه سنة 1548 م فتوى تُحرّمها.
طبعاً، شيء مضحك ومثير للسخرية، هذا الذي نقرأه الآن. ولكنه في ذلك الوقت كان التزاماً دينياً صارماً. كما هو اليوم إطلاق اللحى، وقص الشوارب، وارتداء الحجاب والنقاب، للتميز كمسلمين وعدم تقليد كفار هذا الزمان. علماً بأن كفار هذا الزمان يشربون معنا القهوة، في quot;Starbucksquot; التي انتشرت مقاهيها في كل مكان من العالم الإسلامي الآن. ولكن بعض فقهاء الخليج العربي ردوا علينا، بأنهم لا يشربون قهوة quot;Starbucksquot;، وإنما يشربون القهوة العربية/الإسلامية المُرَّة، تطبيقاً لشعار quot;الولاء والبراءquot;..!
(وسنواصل).
السلام عليكم.