-1-

في هذه الأيام، ترتفع وتيرة الإرهاب، عبر الطرود المفخخة، والاعتداء على أماكن العبادة. ويستفحل الإجرام الإرهابي. وينتشر في كل مكان. عناصر مختلفة من الإرهاب. ليس بالضرورة أن تكون عنصراً واحداً بعينه، ولكن المثير، والمسيء، والمشين، في الوقت ذاته، أنهم لا يخرجون عن إطار واحد، هو الإطار الديني العبثي، المتشدد.
إذن، فالإرهابيون في معظمهم دينيون، أو هم من المتدينين المتشددين.
فلا إرهابيين عَلْمانيين، ولا إرهابيين لادينيين، ولا إرهابيين حداثيين.

-2-
وللأسف، فإن أدبيات العَلْمانية، والحداثة، والليبرالية، ليس فيها أوجه كثيرة تحتمل التأويل و(الزوغان) عن المعاني الحقيقية المقصودة. كما أن هذه الأدبيات لم تُستغل في الصراعات السياسية، والحروب، والكرِّ والفرِّ والقهر، والمكر على مدار التاريخ، كما تمَّ بالنسبة للأدبيات الدينية. ولم تقم ممالك باسمها، ولم يتم الاستيلاء على السلطات باسمها، وببركة شيوخها، وتخريجات قضاتها، وبخور كهنتها.

-3-
ليس هذا هو المهم!
ولكن المهم، أن العرب والمسلمين يقفون حفايا عرايا أمام مرآة العالم، الذي يتهمهم جميعاً بأنهم إرهابيون.
وأصبح كل عمل إرهابي في الشرق أو في الغرب، يُنسب إلى العرب والمسلمين، أبرياء كانوا منه أم متهمين.
وأصبح الإرهاب علامة فارقة مسجلة، وختماً يُطبع على كفِّ وقفا كل عربي ومسلم في مطارات العالم، وموانئه، ومحطات قطاراته، وأماكن سياحته. وأصبح وجود العربي أو المسلم في مكان ما من العالم، يعني وجود قنبلة ستنفجر بعد قليل، وستقتل كثيراً من الضحايا، وتسيّل كثيراً من الدماء البريئة.
وما هي الرسالة؟
أن الغرب كافرٌ، وأن الغرب مستعمرٌ، وأن الغرب غنيٌ ونحن الفقراء، وأن الغرب متعلمٌ ونحن الجهلة، وأن الغرب متقدمٌ ونحن متخلفون، وأن الغرب قويٌ ونحن الضعفاء.
وما هو الحل؟
تفجير الغرب وتدميره، وليس التعلّم منه.
قتلُ الغرب وتحقيره، وليس الاستفادة من تجاربه، وعلومه.
تخويف الغرب، وليس مصادقته، وكسب ودِّه.
ترويع الغرب، وليس طمأنته، بأننا طلابُ سلام، ومحبة، وعلم، وقيم دينية وأخلاقية سامية.

-4-
ليس هذا أيضاً هو المهم، في المسألة!
المهم أننا أصبحنا كلنا إرهابيين.
فمِنْ منَّا مَنْ حمل السلاح، واتجه إلى العراق، وأفغانستان، والباكستان لـquot;جهادquot; الكفَّار هناك، دفاعاً عن دولة quot;خلافةquot; طالبان quot;الإسلاميةquot;، وإعادةً لسلطتها في أفغانستان!
ومِنْ منَّا مَنْ حمل السيف في غمده، ووضع القرآن الكريم في جيبه، وذهب إلى سوريا للتدرب على القتل والتفجير، استعداداً للدخول إلى العراق لـ quot;جهادquot; الكفار هناك!
ومِنْ منَّا مَنْ هاجر مع عائلته إلى الغرب، ليعيش هناك، وفرض على زوجته وبناته، ارتداء الحجاب والنقاب، والنزول إلى الشارع، لتحدي هؤلاء quot;الكفار الخنازيرquot;!
ومِنْ منَّا مَنْ أرسل ملايين الدولارات، تبرعات سنوية، ومن quot;زكاةquot; الفطر، وزكاته السنوية، لدعم quot;المجاهدينquot; في أفغانستان، والباكستان، واليمن، وكذلك في العراق!
ومِنْ منَّا مَنْ أقام فضائية دينية للدعوة لـ quot;لجهادquot;، وكشف عيوب الغرب الكثيرة، وفضح quot;الصليبية الجديدةquot;، ومحاربتها!
ومِنْ منَّا مَنْ تصدى بكل أسلحته الدينية السلفية والأصولية، لكل حركات الإصلاح، والانفتاح، والعقلانية، ومحاولة العيش في رحاب العصر الحديث، وليس في ظلام العصور السالفة!
ومَنْ مِنَ الأنظمة العربية، مَنْ لا يمارس الإرهاب على مواطنيه، بواسطة الأجهزة البوليسية المختلفة؟!
ومِنْ منَّا مَنْ لم يناصر بالنظر، أو بالسمع، أو بالقول، أو بالفعل، أو بالسكوت، كل فعل إرهابي يتمُّ في الشرق أو في الغرب. ويقول في سره:
(خلّيهم)، علينا وعلى أعدائنا يا.. رب؟!

-5-
وأخيراً، ليس كل هذا هو المهم!
فلا فتحَ، ولا جديدَ فيما نقوله اليوم!
فتاريخنا العربي الدموي الممتد، ليس بغريب عليه ما يجري الآن!
المُهم، أن لا رجلَ دين، أو فقهياً، أو داعيةً، أو إماماً، أو متنطعاً، أو مهووساً دينياً، كفَّر هؤلاء الإرهابيين، أو قيادتهم، أو شيوخهم. بل أُطلق عليهم من الصفات التقديسية، والتبجيلية، والتبريكية، والمشيخية، ما لم يَرقَ إليه الصحابة، والعشرة المبشرون بالجنة!
في حين أننا لا نتوانى عن تكفير كل همسة، أو لمسة، أو غمزة، أو (نخزة) موجعة، أو مضحكة، لا تناسب هوانا، ولا تروق لنا، وإخراج صاحبها من الملَّة والحِلَّة!
فمِنْ منَّا لم يكن إرهابياً؟!

السلام عليكم.