في العالم العربي أزمة جنس خطيرة، ولا أحد يجرؤ عن الحديث عنها خوفاً من رجال الدين، وخوفاً من السلطة السياسية أيضاً، التي تعمل بدعم من رجال الدين.
في العشر سنوات الأخيرة، كثُر تحرش الذكور الجنسي بالإناث، إلى حد الاعتداء عليهن، وخطفهن.
وحدث هذا في أكثر المجتمعات العربية انفتاحاً كمصر. في حين لم يحدث مثل هذا في لبنان. والسبب، سطوة رجال الدين في المجتمع المصري بأكثر مما هو عليه الحال في المجتمع اللبناني.
والغريب، أن هذه الظاهرة الخطيرة في العالم العربي؛ أي ظاهرة أزمة الجنس، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوضع الاقتصادي والتعليمي والثقافي المتردي، من المسكوت عنه، بل من المحظورات، التي لا يجوز الخوض فيها، حسب تعاليم رجال الدين، وبعض المسئولين السياسيين.
الجنس والتحرش الجنسي في التاريخ
لم يغفل القرآن الكريم عن ظاهرة الجنس والتحرش الجنسي في التاريخ البشري، لأهميتها في تاريخ الأمم، وفي تكوين النفس البشرية. وكانت أبرز وأوضح صور الجنس والتحرش الجنسي في quot;سورة يوسفquot;.
وفي quot;سورة يوسفquot;، يظهر لنا تحرش الأنثى الجنسي بالذكر، وليس العكس كما هي الفطرة البشرية ولدى الحيوانات أيضاً. فقد كانت امرأة عزيز مصر شبقة جنسياً . فمعظم النساء المصريات شبقات جنسياً، منذ أيام الفراعنة، حيث فُرض عليهن الختان للحد من شبقهنَّ. وهذه ليست سُبّة للنساء، بل اعترافاً من الطبيعة بدورهن الكبير، والمهم في التوالد، وفي استمرار الحياة .
الجنس المقدس عند الفراعنة
ولقد قدَّس الفراعنة القدماء الجنس، واتخذوا له إلهاً، يعتبر من أقدم الآلهة المصرية، وهو الإله quot;مينquot;، الذي كان يُصوَّرُ في هيئة رجل، يرفع بإحدى يديه شارة من الشارات الملكية، ويمسك بيده الأخرى عضوه المنتصب. ولأنه إله الجنس، فهو إله الخصوبة أيضاً. ولهذا كانت الأعياد تقام في مواسم الحصاد. ولم يُضطهد الجنس إلا في العصور الوسطى؛ أي في عصور الانحطاط، التي اضطهدت الحياة كلها، واعتبرتها خطيئة يجب التكفير عنها، والفرار منها إلى الأديرة.
نحن بشر ولسنا ملائكة
لكننا نعرف ndash; كما يقول الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي - أن حياة الحرمان في الأديرة، لم تحوّل البشر الى ملائكة، وإنما حولت الرغبة الجنسية الطبيعية، لدى البعض، إلى سلوك مريض، قرأنا عنه في الصحف الإيطالية، التي تحدثت أخيراً عن مئات الأطفال الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية من جانب الرهبان. والذي يحدث في هذه الأديرة، يحدث في كل المجتمعات المنغلقة، ومنها بعض المجتمعات العربية.
التحرش الجنسي في القرآن الكريم
بعد قراءة قصة يوسف في القرآن الكريم، تبيّن لي، أن عدم ممارسة يوسف للجنس مع زوجة العزيز المصرية، ربما يعود إلى أسباب كثيرة، منها:
1- صغر سن يوسف. وهو لم يبلغ بعد سن الرشد. فلم يعرف بعد ما هو الجماع. ويقول القرآن الكريم ﴿ولما بلغ رشده آتيناه حكماً وعلماً﴾ (يوسف: 22) quot;ولماquot; هنا تعني quot;وعندماquot;. ولا نعلم متى بلغ سن الرشد. وربما كان صغر سنه وجهله، هو الذي برر لإخوته اختلاق quot;قصة الذئبquot;، وتصديق أبيه للقصة، ولو على مضض.
2- دعوة امرأة العزيز ليوسف للجماع. ومن المعروف أن الأنثى التي تدعو الذكر إلى الجماع تُلقي الخوف، وربما الذعر في روع الذكر. فخاف يوسف من ذلك ورفض الجماع. وأثبت فرويد أن الجماع عمل مخيف للذكر، يخشى معه الفشل في بلوغ الذروة، أو حتى الانتصاب. لذا يفشل كثير من الأزواج في الجماع ليلة الزفاف لارتباكهم، ولشدة خوفهم من الفشل.
3- ربما كان يوسف غير مكتمل الرجولة، لا يقدر على الجماع، فرفضه، رغم أن امرأة العزيز ﴿راودته عن نفسه، وقدَّت قميصه من دبره، وغلَّقت الأبواب، وقالت هيت لك﴾(يوسف:23)
4- كانت امرأة العزيز صريحة في رغبتها بالجماع مع يوسف. فهي لم تلد قبل ذلك. والدليل أن القرآن الكريم، يقول بأن زوجها قال حين اشتراه من السيّارة ﴿عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً﴾ (الآية: 21) ويبدو أن الزوج (عزيز مصر) هو العاقر، لذا لم يثر، وينتقم من يوسف حين سمع قصة يوسف مع زوجته. واكتفى بالقول ﴿انه من كيدكن إن كيدكن عظيم﴾ (الآية: 28) والكلام هنا موجّه لامرأة العزيز، وأمثالها من النساء الشبقات جنسياً. فالكيد هنا ليس الحيلة، والإيقاع بالآخر، كما فسَّر كثير من المفسرين. ولكن الكيد هنا ndash; في رأيي - هو الشهوة الجنسية الجامحة. ولذا، لم يذكر quot;كيد النساءquot; في القرآن الكريم، إلا في هذا السياق الجنسي.
5- كانت رغبة زوجة العزيز في الجماع صريحة وطاغية. حيث أصبحت قصتها مع يوسف حديث المدينة. مما أرغمها على دعوة نساء المدينة لكي يرون يوسف، ولا يلمنها على ما فعلت. فـ ﴿أرسلت إليهن واعتدت لهنَّ متكأً وأتت كل واحدة منهن سكيناً ﴾ (الآية: 31) وهذه الآية في منتهى الأهمية في علم الجنس البشري، إذ ترينا مدى طغيان الشهوة الجنسية عند المرأة، بحيث أرادت الانتقام من يوسف الذي رفض جماعها، وطلبت من النساء كلهن، تقطيعه إرباً، حيث أعطت كل امرأة سكيناً. ولا ندري عدد هؤلاء النساء، ولكن يبدو أنه غير قليل. وزيادة في تصوير ووصف الشهوة الجنسية عند المرأة، قال القرآن الكريم ﴿فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن﴾ (الآية:31) والإكبار هنا هو الإعجاب بجمال الفتى يوسف. فهؤلاء النسوة لم يعرفن من يوسف للوهلة الأولى، غير وسامته الطاغية، فأكبرنه وأعجبن به، بل هنّ اشتهوه، كما اشتهته امرأة العزيز. وبلغت شهوتهن أن قطعن أيديهن، بدلاً من تقطيع الفتي يوسف كما كانت تأمل امرأة العزيز. كما بلغت درجة الإعجاب والانبهار بجمال الفتى أنهن قلن، بأن هذا ملاكاً وليس بشراً. ووصف الجميل بالملاك ليس بالغريب بالطبع.
زيادة التحرش بالمحجبات والمجتمعات المنغلقة
عودة إلى حالنا ومآلنا..
كان على المرأة المصرية لكي تصدَّ عنها التحرشات الجنسية المتزايدة، أن تتحجب، وتلبس الملابس القروسطية، وتحمل دائماً في حقيبتها نسخة من القرآن الكريم، لكي تحميها من quot;أولاد الحرامquot; المتحرشين بها. ولكن تحرش الشباب الجنسي، رغم هذا كله زاد، وتطاول.
جناية رجال الدين
وقد لاحظنا، أنه كلما زادت قبضة رجال الدين على سلوكيات المجتمع، زاد التحرش بالنساء والجري ورائهن، كما نلاحظ ذلك في مصر والمغرب وبعض بلدان الخليج، حيث اشتد التحرش بالنساء في الأسواق العامة، وعلى أبواب المدارس، وفي وسائل المواصلات، وغير ذلك. في حين لا نجد التحرش الجنسي بالحدة نفسها في تونس، والأردن، وسوريا، وهي مجتمعات منفتحة قليلاً، وقبضة رجال الدين عليها، أقل مما هي عليه في مصر، وبعض دول الخليج.
الفتاوى الدينية وأزمة الجنس
كما أن كثرة الفتاوى الدينية وتنوعها، في مصر وبعض بلدان الخليج، حول المرأة، وإرضاع الكبير، وزواج المتعة عند الشيعة، وزواج المسيار، وزواج الاصطياف، وزواج رجال الأعمال، وزواج الشتاء، وزواج القاصرات، وكل هذه (الزوبعات) و(الهيصات) على شكل فتاوى سخيفة من بعض رجال الدين، وسكوت رجال السياسة عنها، تشير بقوة إلى وجود أزمة جنس خطيرة في العالم العربي، على علماء الاجتماع، وعلماء النفس، وعلماء الاقتصاد، وغيرهم من العلماء، بعيداً عن رجال الدين والسياسيين، التصدي لها، ودرسها، ووضع الحلول لها. وهي بالطبع، ستكون حلولاً صعبة، وغير مقبولة، من رجال الدين، ومن السياسيين، لأنها تقضي على أزمة، من صالح رجال الدين والساسة إبقائها حية وملتهبة، لكي تصرف الانتباه عن تأويل النصوص المقدسة (إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية كما قال ابن رشد) أولاً، وتصرف الانتباه عن ثقافة الإبداع وتبقي على ثقافة الذاكرة. وثانياً، تحفظ لرجال الدين هيبتهم الاجتماعية، وتُبقي جيوبهم ملأى بالهدايا والعطايا، كما تصرف الناس عن التفكير والبحث عن الفساد والمفسدين والنهب والناهبين، والدكتاتورية والدكتاتوريين.
ولنا عودة.
السلام عليكم.
- آخر تحديث :
التعليقات