-1-
أنا مضطر اليوم إلى تأجيل نشر مقالي الجديد عن يوسف أبا الخيل إلى المرة القادمة، والكتابة حول هذا الموضوع المهم، الذي له علاقة مباشرة ووثيقة بمسيرة الليبرالية والحداثة في العالم العربي، وببروز حسني مبارك كحاكم ليبرالي وحداثي مجيد.
-2-
خطوة جريئة وليبرالية تلك التي اتخذها الرئيس مبارك (3/1/2010) بإقالة وزير التربية المصري يُسري الجَمل، وتعيين أحمد زكي بدر رئيس جامعة عين شمس بدلاً منه.
ليس من عادتي التعليق على مثل هذه الشؤون الداخلية أو أكبر منها. ولكن إقالة وزير التربية والتعليم في مصر، شدَّت انتباهي إلى أن حاكم مصر حاكم أثبت بهذه الإقالة ليبراليته وتنوّره الفعلي.
فالكثيرون من الناس، لا يعلمون لماذا تمَّت إقالة الجمل، وحسبوا أن المسألة مسألة تغيير وجوه ليس إلا. ولكن هذه الإقالة جاءت من خلال إيمان مبارك بالحداثة السياسية، وبالليبرالية السياسية.
كيف ذلك؟
-3-
بالأمس، قرر الوزير يسري الجمل قبل إقالته، وقف تدريس كتاب quot;الأيامquot; لطه حسين الذي درجت وزارة التربية والتعليم على تدريسه في المرحلة الثانوية منذ عشرين سنة تقريباً. وكانت حجة اللجنة التي أوصت بهذا الوقف، أن quot;الأيامquot; فيها هجوم على بعض شيوخ الأزهر، ونقد لمناهج الأزهر في التعليم. وهو هجوم ونقد تمَّ لشيوخ عاشوا قبل قرن من الزمان ولمناهج تعليم كانت موجودة قبل مائة عام، وانتقدها الشيخ محمد عبده بمرارة وبقسوة أكثر مما انتقدها طه حسين.
-4-
وكانت جريدة quot;الشروقquot; هي الجريدة المصرية الوحيدة، التي أثارت هذه القضية. علماً بأن quot;الشروقquot; تصدر عن quot;دار الشروقquot;، ذات التوجّه الإخواني الإسلامي وهي التي نشرت معظم تراث الإخوان المسلمين في عدة طبعات، ومنها كُتب سيّد ومحمد قطب.
كذلك كان الإعلامي البارز محمود سعد، قد التقط خبر quot;الشروقquot; في برنامجه الجماهيري الناجح quot;البيت بيتكquot; في التلفزيون المصري، وهاجم قرار الوزير الجمل هجوماً شديداً، وأذاع آراء بعض المثقفين المصريين الكبار في هذا الموضوع. ولم يُصبح الصباح حتى فاجأ الرئيس مبارك الرأي العام المصري، بقرار عزل الوزير الجمل، واستبداله برئيس جامعة عين شمس.
-5-
لقد انتفضَ مبارك لريادة طه حسين الحداثية.
فاقتلاع طه حسين من التعليم، كما فعل الوزير المُقال الجمل، كاقتلاع الأهرام أو أبي الهول من مكانهما.
ورفع كتب طه حسين من المناهج الدراسية، بمثابة تجفيف لنهر النيل الخالد.
مبروك على مصر مبارك.
و quot;أيامquot; طه حسين، هي quot;أيامquot; مصر، وتاريخها الحديث. ومن يمحو هذا التاريخ يمحو مصر أيضاً.
ونردد وراء الخليفة عثمان بن عفّان قوله:
quot;إن الله لا يزعُ بالقرآن، كما يزعُ بالسلطانquot;
نعم، صدقت هذه المقولة، في تركيا أتاتورك، وفي تونس بورقيبة، وفي السعودية عبد الله، واليوم تصدقُ في مصر مبارك المحروسة.
السلام عليكم.
التعليقات