-1-
قرأت قبل أيام، خبراً على الموقع الاليكتروني quot;الساحة العربيةquot; في الانترنت وعنوانه www.alsaha.com يقول أن جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، قد فصلت الأكاديمي سعيد ناصر الغامدي من الجامعة، وسحبت درجة الدكتوراه التي سبق ومنحتها له على رسالته الصاخبة quot;الإنحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرهاquot;، في 2003.
لقد سبق وكتبت حول رسالة الدكتوراه هذه، وهي رسالة دكتوراه في أكثر من 1500 صفحة وفي ثلاثة أجزاء، يلعن بها الأستاذ الغامدي (سنسفيل) الحداثة والحداثيين كما فعل من قبله الأصولي السعودي المتشدد عوض القرني في عام 1988 في كتابه (الحداثة في ميزان الإسلام) والذي قدم له الراحل مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز، الذي كان له مع الحبيب بورقيبة سجال طويل وحاد، انتهى بتكفير الزعيم بورقيبة.
-2-
ما غاظني وأزعجني في كتاب الأستاذ الغامدي، ليس هجومه الحاد والمتطرف على الحداثة والحداثيين. فمن حقه أن يبدي رأيه، ومن حقه علينا أن نحترم هذا الرأي. ولكن ليس من حق الأستاذ الغامدي، أن يهدر دماء كل الحداثيين في العالم العربي كما فعل الشيخ عوض القرني عام 1988. فمن صفحة لأخرى، يؤكد الباحث الغامدي، من أن خطاب الحداثيين العرب، عبارة عن quot;الضلال، والزيغ، والإلحاد، والانحراف، والسخف، والتهافت، والانحدار، والتبعية، والغثائية، ونحو ذلكquot; (ص 12). ويكفي أن نصف كتاب الغامدي، بأنه مجزرة ثقافية، من خلال اتهامه للشعراء العرب بـ quot;الدعارة، والعهر، والإلحاد، والكفر، والضلالة، والظلام. وبأنهم شعراء الشرك النجس، والفكر الدنس، والانحطاط، والتخلف ، والماديةquot; (ص 1762). وهذا لا يليق بأي جزّار في أي مسلخ حيواني أن يقوله، فما بالك بباحث أكاديمي، يقوله ويكتبه، في بحث أكاديمي في جامعة إسلامية رسمية، وشرعية، هي quot;جامعة الإمام محمد بن سعودquot;، ويُمنح على بحثه المجزرة هذا، درجة الدكتوراه، مع مرتبة الشرف بامتياز!
وهو ما دفعني إلى كتابة رسالة مفتوحة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
-3-
وقلت في رسالتي آنذاك:
quot;أن التزمت، والتشدد، والنظرة الضيقة إلى واقعنا وإلى العالم، هي التي أودت بنا إلى مهالك كثيرة في الماضي والحاضر. وأن التسامح، والجدل، بالحُسنى، واحترام الرأي، والرأي الآخر، هو الذي أدى إلى احترام العالم لأفكارنا، ومبادئنا، ورسالتنا.
لقد وقع في المملكة العربية السعودية يا صاحب الجلالة حدث ثقافي خطير، يجب أن نتنبه إلى خطورته قبل أن يتنبه له الآخرون، ويستغلونه للطعن في ثقافتنا، والنيل من قيمنا. وهو يتلخص بقيام الباحث السعودي سعيد بن ناصر الغامدي، طالب الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بكتابة رسالة دكتوراه تحت عنوان: quot;الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرهاquot; وبما أن المصائب لا تأتي فرادى، فقد قامت بمباركة هذه الأحكام الجائرة لجنة من أساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود الحكومية الرسمية، ومنحت الباحث درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى. وهذا يعني أن الأكاديميا السعودية الرسمية المتمثلة بهذه الجامعة وبأساتذتها، قد حرصت على اهدار دماء أكثر من مائتي مثقف في العالم العربي، مذكورين في هذا البحث بالاسم.
أعلمُ جيداً، إن المملكة العربية السعودية يا صاحب الجلالة، وهي تخوض الآن حرباً لا هوادة فيها ضد الإرهاب المدمر لكل القيم الإسلامية والعربية الحقة والصحيحة، حريصة كل الحرص على أن لا تكون مثل هذه الأحكام صادرة عن جامعة حكومية رسمية كبيرة، تورّط المملكة إعلامياً ودبلوماسياً.
إننا نلتمس من جلالتكم الأمر بتشكيل لجنة تحقيق في هذا الموضوع الخطير، لتبرئة ذمة جامعة الإمام محمد بن سعود الحكومية من هذه الفتاوى الإرهابية بالجملة، والتي لا تخدم غير الإرهابيين داخل المملكة وخارجهاquot;.
-4-
فما كان من الجامعة إلا أن سحبت رسالة الدكتوراه من الأستاذ الغامدي، وطردته من الجامعة، حسب ما قال موقع quot;الساحة العربيةquot;، الذي أضاف:
quot;لا يسعنا إلا أن نشكر أستاذنا الكبير شاكر النابلسي الذي وقف معنا في الثمانينات وقفة البطولة بكتابه (نبت الصمت) الذي كبح به بعض عنفوان التيار التقليدي المحافظ الذي شن حملته آنذاك بكل شوفونية وحقد وتشنيع، ثم ها هو يبقى ليرى أن quot;نبت الصمتquot; (وهو عنوان كتاب نقدي للشعر الحداثي السعودي، نشرته عام 1992 ) أصبح شجراً للثقافة والإصلاح والتغيير، يستظل المجتمع السعودي تحت ظلاله الآمنة، ولكنه يقف وقفة البطولة مرة أخرى، ليطرد آخر فلول التتار.quot;
-5-
وأكرر أن من حق الأستاذ ناصر بن سعيد الغامدي، أن يقول في الحداثة وفي غيرها من مفاهيم العصر الحديث ما يشاء، وأن يبحث ما يشاء، ويُطلق الأحكام كما يشاء، فهذا من حقه كباحث، ومن حقنا أن نرد عليه. ولكن ليس من حق الأستاذ الغامدي، أن يهدر دماء الحداثيين، ويرميهم بالإلحاد، والدعارة، والعهر، والكفر، والضلالة، والظلام. ويطلق على شعرائهم تُهم الشرك النجس، والفكر الدنس، والانحطاط، والتخلف ، والمادية. كما قال في كتابه (ص 1762).
السلام عليكم.
التعليقات