-1-
هل يُعتبر الإخوان المسلمون والجماعات الإسلاموية الأخرى، هم من صنعوا الديكتاتورية العربية ودعموها؟
هكذا اعتبرهم الكسندر آدلر، المحلل والمؤرخ السياسي والكاتب في صحيفة quot;الفيغاروquot; الإخوان المسلمين. وقال:
quot; رغم كل شيء، فإنني أفضّل أن يُرشَّح العسكريون من أن أرى الإخوان المسلمين يفوزون في انتخابات حرة. أنا أؤيد إبقاء الديكتاتوريات المستنيرة بقدر الإمكان، أو حتى غير المستنيرة البتة، بدلاً من تطبيق مبادئ الديمقراطية، في هذه البقعة من العالم، الأمر الذي لن يجلب في الوقت الحالي سوى الفوضى والعنف.quot;
ولنعلم أن هذا الكلام، قد قاله آدلر، عام 2004 بعد الحملة على العراق 2003، وبعد أن تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهو الرائي السياسي والمفكر الإستراتيجي، ومؤلف الكتاب المثير quot;الأوديسة الأمريكيةquot;، الذي قال فيه quot;إن أمريكا آخذة في فقدان قوتها، وأنها تعيش بداية نهاية عصر القوة الأميركية الطاغية.quot; فلا غرابة في ذلك، فهذا هو مجمل الكلام، الذي قيل في معظم أنحاء فرنسا، وعلى رأس كل هؤلاء جاك شيراك، وموقفه الواضح من الحملة على العراق.
-2-
وآدلر هنا، يهمنا كثيراً، لأنه من بين أبرز ثلاثة باحثين فرنسيين معاصرين، من المهتمين بالإسلام السياسي في العالم العربي وهم: فرانسوا بورغا (مؤلف كتاب quot;الإسلام السياسي في زمن القاعدةquot;)، وأوليفيه روا (مؤلف كتاب تجربة الإسلام السياسي)، والكسندر آدلر (مؤلف كتاب quot;موعد مع الإسلامquot;).
وأهمية آدلر تنبع من كونه الباحث الفرنسي اليهودي، الذي تناول بتشدد فكري منهجي، مسألة الحركات الإسلامية السُنيّة، التي يعتبرها الكاتب من أهم القضايا المعاصرة.
-3-
كان لدى الدوائر الغربية قناعة تامة حتى قبل غزو العراق 2003 ، أن المشكلة في العالم العربي ليست الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية القائمة، ولكن المشكلة هي فيما بعد.
فأين هي النخب السياسية العربية، التي تستطيع أن تملأ فراغ الأنظمة الديكتاتورية القائمة؟
إن مجرد الإطاحة بنظام ديكتاتوري عمل هين، رغم الصعاب الكثيرة والتكاليف المالية الكبيرة والهائلة التي صُرفت على الإطاحة بالديكتاتورية العراقية كمثال حي. ولكن الصعب يتمثل في إيجاد النخب السياسية البديلة للديكتاتورية.
-4-
لقد كانت الديكتاتوريات العربية بشتى أنواعها وأطيافها، تحفظ جيداً الدرس التاريخي العثماني البليغ، الذي كان ينصُّ على قتل كل من قريب محتمل للخلافة. ولذا كان سلاطين بني عثمان يقتلون إخوانهم وأقاربهم المحتملين لتنازع السلطة. وكانت هذه سُنَّة محمودة في آل عثمان، أجازها شرع الفقهاء الدجالين النفعيين، الذين كانوا في بلاط السلطان وكنفه، تساندهم القوى الانكشارية في ذلك الوقت.
وبما أن الزمان والمكان والظروف السياسية قد تغيرت الآن، وظهر الرأي العام العالمي، وشرعة حقوق الإنسان، والتطبيقات الديمقراطية.. الخ في هذا الزمان، فقد لجأت الديكتاتوريات العربية إلى إقصاء كل عنصر محتمل للحكم البديل. فكانت تقتل هؤلاء الخصوم في بعض الأوقات. ولكنها في معظم الأوقات، كانت تسجنهم مدى الحياة وحتى الموت، كما حدث في سوريا والعراق، أو تطردهم خارج الحلبة السياسية وتبعدهم عن بلدانهم، لكي يجوبوا في شوارع العالم كالكلاب الضالة، كما أطلق عليهم الديكتاتور القذافي. أو تهددهم بين حين وآخر بالسجن كما يحدث في مصر. أو أن تلفَّهم تحت عباءتها، وتعيّنهم في مناصب حكومية وشركات أهلية، كما حصل في الأردن في عهد الملك حسين.
-5-
وكذا أصبحت الديكتاتوريات العربية الأخرى، تعمل في بعض الأوقات على تقوية الأجنحة الدينية اليمينية المتشددة في بلدانها، لكي تخيف بها المعارضين، وتقول لهم بطريقة غير مباشرة:
- ما رأيكم نحن، أم هؤلاء الشيوخ؟
وتهمس المعارضة في سرها مع الكسندر آدلر:
تحيا الديكتاتورية!
وتقول:
ناركم ولا جنة هؤلاء!
السلام عليكم.
التعليقات