-1-

كانت نتائج الانتخابات اللبنانية، وفوز قوى 14 آذار بأغلبية 71 مقعداً من 128 مقعداً في البرلمان اللبناني متوقعة. ولكني كنت متوجساً قليلاً من نتيجة معاكسة، رغم أني وجهت رسالة تحذيرية وتنويرية (هل سيصبح لبنان غزة الثانية؟) يوم السبت الماضي، عشية الانتخابات إلى الشعب اللبناني ، من على هذه الصفحة، دعوتهم فيها إلى عدم تكرار المأساة الفلسطينية في غزة بانتخاب quot;حزب اللهquot;، والقوى المؤتلفة معه. وكنت أدرك، أن الشعب اللبناني، أكثر حصافة من الشعب الفلسطيني في غزة، وأنه لن ينتخب المعارضة اللبنانية بزعامة quot;حزب اللهquot; الديني الإيراني، والقوى المسيحية العلمانية الأخرى المؤتلفة معه، ائتلافاً تنافرياً كاريكاتورياً مضحكاً، لا توافق فيه ولا ائتلاف من كافة النواحي، وهو ضحك الألم والخيبة.

-2-
كنت على يقين من أن الليبراليين اللبنانيين لن يعيدوا قصة غزة المأساة، ولن يصوتوا لحزب الله الديني الإيراني في لبنان، وكانت حجتي في ذلك تتركز في الأسباب التالية:

1- إن الشعب اللبناني، وخاصة الجانب المسيحي الليبرالي منه، أكثر وعياً وثقافة، وأكثر معرفة واطلاعاً على ما يدور في هذا العالم من دراويش quot;حماسquot;. وقد هيأ له تعليمه الراقي داخل وخارج لبنان، معرفة أن الحداثة والليبرالية هما قدر لبنان، وهما مستقبله. وأن خطاب quot;حزب اللهquot; والقوى المؤتلفة معه، ما هو غير مسرحية هزلية، وما هو إلا سحابة صيف، لن تترك في لبنان أثراً يُذكر.

2- أن الليبراليين اللبنانيين في لبنان، هم من تلاميذ عصر التنوير الأوروبي. وآباؤهم وأجدادهم هم من نقلوا للعرب، ومن بيروت عاصمة الثقافة العربية الدائمة، الفكر والفلسفة التنويرية الأوروبية. فكانت بيروت مركز إشعاع الحداثة والليبرالية العربية، منذ نهاية القرن التاسع عشر، وإلى الآن. وأن هؤلاء التلاميذ لن ينتخبوا غير الحداثة والعَلْمانية، في انتخابات الأمس. وقد كان.

3- كنت أدرك أن حزب الله الديني الإيراني، سوف يدفع في هذه الانتخابات ضريبة مغامراته العسكرية في تموز 2006، وخسران لبنان 15 مليار دولار، وآلاف القتلى، وضريبة غزوه واحتلاله لبيروت في السابع من أيار/مايو 2008، الذي اعتبره حسن نصر الله يوماً مجيداً. وأن عون وأنصاره سيدفعون ثمن غزلهم اليومي الأحمق مع سوريا وإيران. وأن الشعب اللبناني في النهاية أكثر وعياً وأقدر بكثير من الشعب الفلسطيني في غزة على حساب وعقاب المرشحين الخارجين على ثوابت لبنان في الليبرالية، والحداثة، والعلمانية، والديمقراطية.

4- أن الاقتصاد اللبناني وخاصة بين الفئات المسيحية والسنُيِّة في لبنان كان أفضل مستوى بكثير مما هو عليه في غزة. ونحن ندرك أن سبب نجاح quot; حماسquot; في انتخابات 2006، كان بفضل الفقر المدقع في غزة، ووعود quot;حماسquot; في أن تجعل من غزة بحيرة من اللبن والعسل، فأصبحت غزة بعد فوز quot;حماسquot; بحيرة من الدماء، وصحراء من الجوع، وخياماً ممزقة في مهب الريح.

5- اللبنانيون الليبراليون العاملون في الغرب خاصة، والذين تدفقوا بالآلاف على لبنان، لانتخاب مرشحيهم، لعبوا دوراً كبيراً في نتائج الانتخابات. وهؤلاء مشبعون بروح الحداثة والليبرالية والعَلْمانية، ولا تنطلي عليهم المسرحية الهزلية التي يقوم ببطولتها عون ونصر الله، كما انطلت أكاذيب quot;حماسquot; ووعودها الخرافية على الشعب الفلسطيني في غزة.

-3-
إذن، لقد تقهقرت الأصولية الدينية، وتقدمت الليبرالية الحداثية في العالم العربي، وشواهدي على ذلك كثيرة، منها:

1- هزيمة الإخوان المسلمين والتيار الإسلاموي الآخر، في الانتخابات التشريعية الأردنية الأخيرة عام 2007، وتحقيق نتائج هزيلة في هذه الانتخابات، تمثلت في ستة مقاعد فقط، من أصل 22 مقعداً كانوا يأملون الفوز بها، ومن أصل 110 مقعداً في البرلمان عموماً، مقارنة بـ 17 مقعداً في المجلس النيابي السابق عام 2003.

2- النجاح الساحق الذي حققه المرشح الرئاسي الليبرالي والحداثي الأمريكي أوباما، في انتخابه لرئاسة الجمهورية عام 2008، مما يُعدُّ مكسباً كبيراً لليبرالية والحداثة في العالم العربي. وهذا ما أبلغنا به أوباما، وما فهمناه من خطابيه في اسطنبول والقاهرة، هذا العام.

3- التقدم الكبير، الذي أحرزه التيار الليبرالي السعودي متمثلاً بالخطوات الإصلاحية السعودية، التي تمت أخيراً. ومنها تعيين أول امرأة في تاريخ الدولة السعودية، كنائبة لوزير التربية والتعليم.

4- النجاح الساحق الذي حققه التيار الليبرالي الكويتي في الانتخابات التشريعية هذا العام، وفوز أربع نساء في الانتخابات لأول مرة في تاريخ الكويت. واعتُبرت هذه بمثابة طعنات أربع في خاصرة التيار الديني الكويتي، كما قال أحد أعضاء هذا التيار بمرارة شديدة.

5- والآن، نجاح التيار الليبرالي الحداثي اللبناني، المتمثل بقوى 14 آذار في لبنان، وهزيمة التيار الديني الإيراني المتمثل بـ quot;حزب اللهquot; وquot;حركة أملquot;، والمؤتلفين معهم من الأحزاب النفعية الأخرى.

وما زلنا في منتصف عام 2009، ومزيد من الخير قادم ، وحبل الليبرالية الحداثية ما زال على الجرَّار، كما يقولون!

السلام عليكم.