يتمثل خطر الأصولية الإسلامية على الحاضر والمستقبل العربي، في المخاطر المنظورة، والواقعية التالية:
1- الإيمان المطلق بالحقائق المطلقة، ومنع النقاش، والجدل، والإبداع الفكري فيها. وفي هذا تكبيل تام، للنشاط الفكري، والاجتهاد، وازدهار الرأي الآخر. فالحقيقة المطلقة، مرتبطة دائماً بالعقائد الدينية، وليست بالأفكار. فالأفكار تغيير، أما العقائد الدينية فهي عابرة للتاريخ، لا تتغير، ولا تتبدل. والحقيقة المطلقة، تعني إخضاع كل مظاهر الحياة لحقيقة مطلقة واحدة فقط. كما تعني أن الإنسان قد أدرك الحقيقة المطلقة، فلا جدوى لمزيد من البحث في الكون، والإنسان، وخلافه. وحيال هذا، يتوقف البحث، ويتوقف المزيد من الإبداع والتجديد، مما ينجم عنه توقُّف التطور بشكل عام.
2- ارتباط ظاهرة الإرهاب بالأصولية الدينية. واعتبار الأصولية الدينية الثدي الدافئ المُرضع لأفكار عناصر مليشيات السلفية الجهادية. وعندما تُطبَّق العَلْمانية في العالم العربي، فسينتهي الإرهاب كتحصيل حاصل. فنحن نعلم - ومن واقع نهايات القرن العشرين، وبدايات القرن الحادي والعشرين - أن وتيرة الإرهاب قد ارتفعت في هاتين الفترتين مع بروز الأصولية الدينية في هاتين الفترتين أيضاً. كما نلاحظ أن من يغذي ميليشيات الإرهاب فكرياً ودينياً في العالم العربي، هي الأصولية الدينية، التي تُعتبر الخط الثاني للإرهاب.
3- عزل ومنع العقل من العمل في النص الديني. وهذا موجود في كافة الأصوليات الدينية السماوية والأرضية عموماً، مما دفع الإرهابيين إلى قتل كل من يحاول إعمال العقل في النصوص الدينية، على مختلف أشكالها وطوائفها، باعتبار أن من يحاول إعمال العقل في النص الديني، يُعتبر كافراً، وزنديقاً.
4- الأصولية الدينية، ضد التجديد، وضد الإبداع والتنوير، بل هي ضد الحضارة بصفة عامة. وفي رأي بعض المحللين والمفكرين كمراد وهبة، فإن استهداف برجي نيويورك، فيما حدث في 11 سبتمبر 2001، هو تدمير لقمة الثورة العلمية والتكنولوجيا. لأن البرج التوأم، به نحو 29 % من حجم التجارة الحرَّة، التي هي قلب الثورة العلمية والتكنولوجيا الآن؛ لأن التجارة الاليكترونية، تقلّص المسافات الزمنية والمكانية. فتدمير هذا البناء، ليس تدميراً موجهاً لأمريكا، بل هو موجه ضد الحضارة. فأولئك، الذين دمروا البرج التوأم، هم أعداء الحضارة، فلو كان هذا البرج موجوداً في مكان أخر غير أميركا، لتمَّ تدميره. ويربط المفكر وأستاذ الفلسفة المصري مراد وهبة، بين حرق كتب ابن رشد، وبين انهيار البرج التوأم في نيويورك بقوله: quot;حرق كتب ابن رشد يذكرني بإعدام سقراط، واضطهاد معظم الفلاسفة والمفكرين، وتدمير البرج التوأم في نيويورك. الإنسان هنا، يحرق التطور الحضاري في مؤلفات ابن رشد أو غيره، وفي البرج التوأم (في نيويورك) يحرق أعلى مراحل الثورة العلمية والتكنولوجية.
5- من المعروف جيداً، أن الأصولية الدينية (التفكير المطلق) ضد العَلْمانية (التفكير النسبي)، والتي هي ببساطة فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية؛ أي فصل الكنيسة أو المسجد عن قصور الحكم، كما هو الحال في أوروبا وأمريكا الآن. ويقول المفكر الليبرالي العفيف الأخضر، أن هناك ثلاثة مبادئ أساسية تقوم عليها العَلْمانية: عدم انحياز الدولة إلى معتقد ديني مُعيّن، حياد المدرسة إزاء الدين، واحترام حرية الضمير والاعتقاد. من ناحية أخرى، يُقرُّ مراد وهبة، بأننا لم نصل بعد في العالم العربي، إلى المكوّن الأول للعَلْمانية، وهو الديمقراطية. فهناك أربعة مكونات للديمقراطية: الأول، العَلْمانية التي نشأت بصدور كتاب عالم الفلك البولندي نيقولا كوبرانيكوس الثوري في 1543 وهو On the revolutions of the celestial spheres. والثاني، التسامح الذي نشأ على يد جون لوك، وظهور العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر. والثالث، هو التنوير الذي مهد له فلاسفة التنوير، وعلى رأسهم كانط في القرن الثامن عشر. والأخير، هو الليبرالية. والأصولية الدينية، تحارب فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من الاشتغال في السياسة، محاربة شديدة وعنيفة، لكي لا يتمَّ حرمان رجال الدين من سلطاتهم السياسية، والمالية، والاجتماعية، والثقافية، التي يتمتعون بها، وتضعهم في مقدمة الصفوف، وصدر المجالس. ولتظل كل تفاصيل الحياة ومجرياتها في يد رجال الدين وقراراتهم الصغيرة والكبيرة (الفتاوى الدينية على الطالعة والنازلة)، كما نلاحظ ذلك في بعض الدول العربية، وخاصة دول الخليج العربي. ولهذا نرى، ويرى معنا كوكبة من المفكرين العرب، أن الصراع الحقيقي في العالم العربي، ليس بين السلفية/الأصولية الدينية والديمقراطية، ولكنه صراع بين الأصولية الدينية والعَلْمانية.
6- تسعى الأصولية الدينية الإسلامية إلى السلطة، كما كان الحال في الأصولية المسيحية واليهودية. وهذه السلطة، تمارس حقها في إدانة المفكرين والعقلانيين، الذين يحاولون تفسير النصوص الدينية المقدسة، على عكس ما فسره فقهاء الأصولية الدينية. وتكون أحكامهم في بعض الأحيان نافذة المفعول، بما فيها حدُّ القتل. فقتلت الأصولية الدينية المفكر المصري فرج فوده، وحاولت قتل نجيب محفوظ في مصر. وقتلت حسين مروة، ومهدي عامل في لبنان. وشنقت محمود طه (غاندي السودان) في السودان. وكفَّرت، وأهدرت دماء مئات من المفكرين، والشعراء، والكُتّاب. وقام عوض القرني (الأصولي السعودي) في كتابه quot;الحداثة في ميزان الإسلامquot;، 1988، بتكفير مئات من الشعراء، والكتاب، والمفكرين العرب المعاصرين. وقد سبق لأبي حامد الغزالي، الأصولي المعروف، في القرن الحادي عشر الميلادي، أن أدى دوراً هاماً في تدمير التطور الفكري الحضاري في العالم الإسلامي. من خلال كتابه quot; تهافت الفلاسفةquot;، الذي كفَّر فيه الفلاسفة المسلمين، كالفارابي، والكندي، وابن سينا، وابن رشد، وردَّ عليه ابن رشد في كتابه quot;تهافت التهافتquot;. ويقول مراد وهبة: quot; كفَّر الغزالي الفلاسفة، وكفَّر الفلسفة اليونانية، والعلوم اليونانية، كالهندسة، والعلوم الرياضية، والمنطق. فالغزالي كان يحظر دراسة هذه العلوم؛ لأنها علوم يقينية، فخشي على المسلمين إذا اقتنعوا باليقين، في هذه العلوم، أن يقتنعوا باليقين في الفلسفة اليونانية. وهيمن الغزالي على المشرق والمغرب العربي. وجاء ابن تيمية، في القرن الثالث عشر، امتداداً للغزالي، وأجهز على البقية الباقية، من فكر ابن رشد. وأصبح التاريخ الإسلامي ساحة رمّاحة لفكر الغزالي وابن تيمية فقط، من القرن الثالث عشر، حتى الآن. quot;
السلام عليكم.
التعليقات