-1-
المؤسسة الدينية الأردنية، تحسب أننا ما زلنا نعيش في القرون الوسطى.
نسيت المؤسسة الدينية الأردنية، أننا في فجر الألفية الثالثة.
ونسيت المؤسسة الدينية الأردنية، أننا نعيش ثورة العولمة والمعلومات والعلم. وأن الكلمة أصبحت طليقة كالطيور في السماء، لا تحدها قيود ولا سدود.
وهي عندما حكمت على الشاعر الأردني بالكفر والسجن والغرامة المادية، كانت تعتبر نفسها أنها ما زالت تعيش في ظل الخلافة العثمانية الإسلامية التي سقطت منذ ثمانين عاماً.. حيث كان المثقفون والمناضلون يُعلّقون على أعواد المشانق كما تُعلّق الذبائح على أغصان الشجر عند سلخها، فلا يعلم بهم أحد.

-2-
لقد طارت فضيحة محاكمة الشاعر الأردني إسلام سمحان إلى العالم كله، بسرعة عصر البرق الذي نعيشه الآن. ولكن ظل المثقفون العرب عن هذه الفضيحة نائمين في العسل الأسود، أو على رائحة هذا العسل. فلم نرَ فزعة ثقافية للشاعر إسلام سمحان إلا من بعض المثقفين الأردنيين، ومن بعض أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين.
فبعد أن كتبنا مقالنا هنا في quot;إيلافquot;، في الأسبوع الماضي، بعنوان (إنهم يقتلون الشعراء في الأردن)، كتبت المستشرقة الإيطالية المعروفة، فالنتينا كولومبو، أستاذة الأدب العربي والحضارة الإسلامية في جامعة ميلانو، والتي ترجمت عدة كتب من العربية إلى الايطالية، وقدمت الفكر السياسي العربي الليبرالي للقاريء الإيطالي.. هذه المستشرقة كتبت مقالاً نشره quot;معهد هديسونquot; الشهير في واشنطن، التي تتعاون معه فالنتينا كزميلة باحثة.

-3-
قالت فالنتينا في مقالها، أن المحكمة الأردنية، حكمت على الشاعر إسلام سمحان بالسجن لمدة عام، وبغرامة مقدارها عشرة آلاف دينار، بتهمة الإساءة للإسلام. وهي التهمة التي أصبحت كقميص عثمان بالنسبة للجماعات الإسلاموية في كل قطر عربي، والتي قتلت المفكر المصري فرج فوده، والمفكرين اللبنانيين حسين مروة ومهدي عامل، وحاولت قتل نجيب محفوظ، وطردت نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي من مصر، وباعت أثاث بيت الشاعر أحمد حجازي لسداد غرامة بعشرين ألف جنيه، وهي تلاحق الآن الصحافية الإيطالية/التونسية آنّا كارمن.
واعتبرت المستشرقة الإيطالية فالنتينا، أن حكم المحكمة هو قرار سياسي لإرضاء المتطرفين الإسلاميين، الذين هم بمثل خطورة الإرهابيين في العراق، أو الذين خطفوا الأجانب في اليمن. إنهم متطرفون إسلاميون يهددون المثقفين بالعقاب والموت.
واعتبرت المستشرقة الإيطالية، أن حكم المحكمة الأردنية ضد الشاعر إسلام سمحان، يعارض الدستور في مادتيه رقم: 14، 15، اللتان تكفلا حرية الرأي والتعبير.
والمزيد من مقال فالنتينا يمكن قراءته على الرابط:
http://www.hudsonny.org/2009/06/jihad-by-court-moderate-jordan-threatens-poet-eslam-samhan-with-death.php
ولكن المستشرقة الايطالية نسيت أن الدساتير العربية، ما هي إلا بساطير في أرجل الحكام العرب، يدوسون بها على أعناق الحريات كل يوم.

-4-
ماذا قال إسلام سمحان للمستشرقة الايطالية، كرد على حكم المحكمة الأردنية؟
قال:
إذا وضعوني في السجن، سأكتب الجديد خلال السنة، مجموعة من القصائد الشعرية عن حبي للحياة، وأُعلِّم السجناء الآخرين حب الحياة. وسوف أكون قوياً وشجاعاً حتى آخر المعركة، ضد الظلام، والتخلف، والإرهاب.
نعم، فالشعراء لا يموتون، سواء قتلهم الجلادون بدم ساخن، أو بدم بارد، كما سيقتلون غداً إسلام سمحان.
فما زال كل شعراء الإنسانية في ذاكرتنا ووجداننا، سواء من مات منهم على فراشه، أو من قضى بسيف الخليفة، أو من عاش بقية عمره وراء قضبان الوالي، أو من (فُعص) كالحشرة تحت بسطار الديكتاتور.

-5-
وهكذا خرجت فضيحة الرقابة الأردنية على الكتب والمطبوعات، من الحارة الأردنية إلى الفضاء الدولي، وأصبحت فضيحة بجلاجل كما يقولون.
وغداً سوف تتناقل الصحف الأمريكية خبر هذه الفضيحة، وتتبعها صحف العالم الأخرى.. وتتساءل أين هي تلك الديمقراطية الأردنية، التي يتشدقون بها نهاراً وليلاً، ويضيئون لها الشموع، ويحرقون حولها البخور؟
فمتى نُغلق هذه الدائرة السوداء.. دائرة المطبوعات والنشر، التي هي في الحقيقة مسلخ كبير، لحرق وفرم ومصادرة الكتب، وعار على الجبين الأردني.
السلام عليكم