- 1-
بيبي هو نتناياهو كما يلقبونه في إسرائيل.
والناصرية نسبة لعبد الناصر!
لماذا شعرت وأنا استمع إلى ترجمة خطاب بيبي بالأمس في جامعة بار إيلان اليمينية المعروفة بحماسها الشديد للصهيونية، والتي تخرَّج منها إيجال عامير قاتل اسحق رابين، أن عبد الناصر هو الذي يلقي هذا الخطاب قبل 1967 من جامعة القاهرة؟
وتساءلت:
لماذا لم يُلقِ بيبي خطابه الرسمي في الكنيست، كما اعتاد معظم الزعماء الإسرائيليين؟
وإذا خشي بيبي من المعارضة في الكنيست، ومقاطعة خطابه باحتجاجات من هنا وهناك، ورميه بالبيض الفاسد، فلماذا لم يختر quot;الجامعة العبريةquot; بالقدس، وهي أقدم وأعلى شاناً أكاديمياً من أية جامعة إسرائيلية أخرى، كما فعل أوباما عندما اختار جامعة القاهرة؟

-2-
المهم أن بيبي في خطابه - وهو رد واضح على خطاب أوباما في جامعة القاهرة - لم يخرج عن الخط والخطاب الناصري، الذي درج عبد الناصر على إلقائه قبل هزيمة 1967، لكي يثير عواطف الجماهير، ويقول لها ما يرضيها وما يسرها، لا ما تحتاجه، ويدغدغ تلك العواطف، ويتغرغر بالشعارات القومية الحالمة، ويتوعد إسرائيل بالثبور وعظائم الأمور..الخ.
فما هي العواطف التي دغدغ بها بيبي مشاعر الشارع الإسرائيلي، الذي هو أكثر وعياً وثقافة وإدراكا لمصلحة إسرائيل الدولة والوطن؟
لقد قال بيبي للإسرائيليين، أن لا تفكيك للمستوطنات، ولا عودة للاجئين، ولا تقسيم للقدس، وبالتالي لا لدولتين وشعبين. وهذه اللاءات كانت هي القاعدة التي انتُخب على أساسها بيبي. وهي القاعدة التي شكَّل بها الوزارة الائتلافية الإسرائيلية الحالية. فوقع في المحظور. ولم يكن يعلم أن أوباما سوف (يزنقه) هذه (الزنقة) وفي (خانة اليك) كما يقول لاعبو طاولة النرد.
ولكن العقلاء في إسرائيل ndash; ويا ليت لدينا مثلهم ndash; قالوا لبيبي ما قالته له أسرة تحرير جريدة هآرتس، في 14/6/2009 :
quot;لا تتعالى يا بيبي على حسابات قصيرة المدى. ولا تتعالى على أخذ المبادرة السياسية التي تستغل الفرص في المنطقة، وتساعد في شلِّ التهديدات، وتحدث تغييراً في الواقع، إذا ما تجرأت على رفض لغة اليمين، وسرت مع أوباما. يمكنك أن تدخل التاريخ، كمن ثبَّت وجود إسرائيل في المنطقة (بن غوريون). ولكن اذا ما تغلّفت يا بيبي بمخاوفك، في محاولة لإرضاء المستوطنين وممثليهم، فستواصل التآكل من أزمة لأزمة، إلى أن تُطرد مرة أخرى من الحكم.
هذه يا سادة، هي أصوات العقل الآن في إسرائيل.

-3-
وهناك أصوات عقل أخرى يندُر أن يوجد مثلها بيننا نحن العرب والمسلمين، وهي صوت المحلل الإسرائيلي في جريدة هآرتس، جدعون ليفي، الذي كتب قبل ليلة من إلقاء بيبي خطابه في جامعة بار إيلان، يقول له وكأنه صوت موسى التنويري، صاحب الحق المبين.
فأقرأوا هذا جيداً، وبإمعان تام:
بنيامين نتنياهو سيحدد مصيرنا في هذه الأمسية:
هل سنتوجه نحو 60 عاماً أخرى من إراقة الدماء، والقتل، والعزلة الدولية، والعيش على أسنَّة الحراب، ونهب العقارات، وإبقاء أبناء الشعب المجاور تحت احتلال وحشي، لا رحمة فيه؟
أم أننا نسير نحو بداية جديدة، واستنهاض للمشروع الصهيوني كله؟
أية كلمات عالية تُقال، لن تُضاهي أهمية الأمور التي سيقولها نتنياهو في هذا المساء، في جامعة بار إيلان.
وفي آخر اليوم إسرائيل ستسأل:
السلام أو الحرب؟
الانخراط في المنطقة، أو مواصلة تهديدها؟
الانضمام لأسرة الشعوب المتحضرة، أو إتباع نموذج جنوب إفريقيا؟
مواصلة الصداقة الحاسمة مع الولايات المتحدة، أو القضاء عليها؟
في هذا المساء، يمكن أن تنتهي حرب نهضة إسرائيل بانتصار كبير. وفي المقابل، ربما ستندفع من جديد بكل قوتها وعنفها على طريق هزيمة إسرائيل.
الخطاب يبقى خطاباً، ونتنياهو هو نتنياهو فقط، ومع ذلك فالعيون شاخصة والنفوس على أهبتها:
هل سيولد عندنا الليلة شارل ديغول، أم فردريك ويليام دي كلارك الإسرائيلي، أم بيبي صغير مرة أخرى؟
هل سترى إسرائيل ما يرونه الآخرون في العالم كله، أم أنها ستبقى على عماها ورفضها؟
ومرة أخرى هذا الكلام المضيء والتنويري والشجاع، يقوله محلل إسرائيلي في أشهر جريدة إسرائيلية، وليس يوسف القرضاوي، أو محمد مهدي عاكف، أو خالد مشعل.

-4-
أمام بيبي حلان، لا ثالث لهما:
إما أن يقبل بكل ما جاء في خطاب أوباما في جامعة القاهرة، وبذا سيخرج حزب quot;بيتنا إسرائيلquot; وزعيمه ليبرلمان من الوزارة، وتدخل تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما، الذي يوافق على معظم ما جاء في خطاب أوباما.
وإما أن يستقيل بيبي، تلبية لرغبة أبيه الصهيوني، الذي أعلن قبل أيام، اللاءات الخمس على غرار لاءات مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الشهيرة عشية هزيمة 1967:
لا للدولة الفلسطينية.
لا لعودة اللاجئين.
لا لتقسيم القدس.
لا لتفكيك المستعمرات.
ولا لوقف بناء مستعمرات جديدة.

السلام عليكم.