شغلت قضية زواج القاصرات في الفترة الماضية الرأي العام العربي، وخاصة منظمات حقوق الإنسان وفروعها العرجاء في الوطن العربي، نتيجة لسيطرة الأجهزة البوليسية الحكومية عليها، وعدم السماح لها بالعمل بحرية تامة كما تعمل في الغرب. ولهذه الأجهزة البوليسية العربية حجتها في أن لا حرية متوفرة في العالم العربي في أي شأن من الشؤون وعلى أي مستوى من المستويات. كما أن تربية الحرية في العالم العربي غير متوفرة، بل هي من التابوهات في بعض بلدان العالم العربي، فكيف يتأتى إعطاء الحرية لفروع ومكاتب منظمات حقوق الإنسان لكي تعمل بحرية، هي أساساً مفتقدة في العالم العربي المُكبَّل بألف قيد وقيد ديني، وعرفي، وتقليدي، وقبلي، وتاريخي، وجغرافي، ومناخي.. الخ. (تلعب الجغرافيا والمناخ دوراً مهماً في تشكيل quot;فلسفة العقل في التاريخquot; عند هيجل. أنظر: هيجل، quot;العقل في التاريخquot;.)
لا أحب للفقهاء من النساء
وقضية زواج القاصرات هي قضية العرب المسلمين الثائرة والحائرة والدائرة في الشرق والغرب. وهي جزء من انشغال فقهاء المسلمين بقضية المرأة وشؤونها وشجونها، واللعب معها في الإعلام نهاراً، وفي غرف النوم ليلاً. فلا أحب للفقهاء من النساء والانشغال بقضايهنَّ، وممحاكتهنَّ، خاصة القضاة الشرعيون في العالم العربي.
فقضية زواج القاصرات هي الجزء الأبرز الآن في الشأن النسوي بشكل عام. ووضعها كوضع جبل الجليد البائن رأسه الطافي أما باقي الجبل فتحت الماء ينزل إليه الغواصون الفقهاء بين حين وآخر لكي يرفعوه قليلاً فوق سطح الماء ويتنكبوا ظهره، وينطلقون في آفاق الفضائيات الإعلامية المفتوحة.. نجوماً ومشاهيراً.
الفقهاء وزواج القاصرات
لنلاحظ أن لا فقهياً ndash; إلا نادراً - يعارض زواج القاصرات في العالم العربي، حتى لا يتهم بأنه ليبرالي، أو يميل إلى هؤلاء quot;العملاءquot; quot;الشياطينquot; quot;الليبراليينquot; أو quot;المتبرللينquot;، كما يقول بعضهم. وهم يتمسكون في مساندتهم في تحليل (من الحلال) وشرعنة جواز زواج القاصرات للأسباب التالية:
1- أن البنات في صدر الإسلام أي قبل 15 قرناً من الزمان، كنَّ يتزوجنَّ صغيرات في السن. ويضرب لنا المؤرخون والفقهاء أمثالاً من العامة والخاصة من المقدسين وغير المقدسين. فيقولون أن الرسول عليه السلام، قد تزوج السيدة عائشة، وهي في التاسعة (هناك عدة أقول مناقضة لهذه الحقيقة، وتصرُّ، أن السيدة عائشة تزوجت، وهي في السادسة عشرة من عمرها، كما يؤكد الشيخ خالد الجندي، وأن أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب، تزوجت عمر بن الخطاب وهي قاصر أيضاً. ولكن هذه الأمثلة لا تصلح للقياس ndash; في رأينا ndash; إذ أن ما جاز للنبي المقدس، لا يجوز لنا نحن غير المقدسين. وما جاز للمبشرين بالجنة كعمر بن الخطاب لا يجوز لنا. وهذا كله يخضع، إن صحّت روايات زواج القاصرات المتضاربة والمتناقضة في صدر الإسلام. والتي يقال أن راوي الحديث الأشهر الإمام البخاري المعروف بعدائه الشديد للمرأة، قد لعب دوراً في ترسيخ عادة وعُرف تزويج البنات القاصرات، عن طريق اختلاقه لكثير من الأحاديث (سبق واستعرضنا هذا الموضوع بالتفصيل في مقالنا quot; دور الفقهاء في ذم النساءquot;، 16/1/2007).
2- هشاشة الأنظمة العربية، وارتهانها لرجال الدين من المصلحين والمفسدين على السواء، وطلبها غير المباشر لفتاويهم في مختلف شؤون الحياة، لعجزها عن سنِّ الأنظمة الحديثة والمعاصرة ومناصرة تلك التي تُنصف المرأة، وتمنحها حق العمل والاختيار والحياة الحرة. فالأنظمة العربية لا تطلب الرضا من أحد، كما تطلبه من رجال الدين. ولا تخشى أن تُغضب أحداً، كما تخشى غضب رجال الدين عليها. وهي مستعدة لأن تعتقل وتُنكِّل بكل من يفكر ولا يكفِّر. وهي على استعداد لأن تقتل كل من يكرهه ويعاديه رجال الدين. فهكذا كان حال أوروبا في القرون الوسطى، أثناء سلطة الكنيسة المطلقة.
والأنظمة العربية تبارك مباركة غير مُعلنة وخفيّة زواج القاصرات. ولا تُحاسب ولا تُعاقب القضاة الشرعيين وكتّاب الأنكحة، على ما يرتكبونه من جرائم إنسانية بحق زواج القاصرات. وهذا ما تمَّ في الأردن قبل أيام. وقالت بثينة فريحات، من المركز الوطني لحقوق الإنسان في عمان، إنها تلقت عشرات الشكاوى نتيجة زواج قاصرات، وفارق السن بين الزوجة والزوج. وأن القاضي الشرعي يوافق على طلب الزواج من قاصر، دون النظر إلى حاجتها للزواج.
3- إن تصدي الفقهاء لمسألة زواج القاصرات، واهتمامهم الجلي بهذا الإشكال، ومضي القضاة الشرعيين في تنفيذ وإصدار (صكوك) زواج القاصرات من رجال أثرياء طاعنين في السن لا يقوون على الجنس إلا بحبوب quot;الفياجراquot; التي تفشل في معظم الأحيان في نصب الأوتاد، وإعادة الشيخ إلى صباه، تضمن لـ (الملغوصين) فيها، والباحثين في مستنقعاتها، و(مكب) نفاياتها، السطوع الإعلامي، والحظوة الاجتماعية، وربما السياسية.
4- من المعروف أن علية القوم والأثرياء والوجهاء والأقوياء نفوذاً وسلطة، هم من يطلبون ويسعون للزواج من البنات القاصرات. وبيع هؤلاء البنات لا يتم إلا من قبل آباء فقراء. وأن الحاجة المادية هي وراء موافقة الآباء على زواج بناتهن القاصرات (وهذا ما تم بين عمر بن الخطاب زوج أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب، حيث دفع ابن الخطاب مهراً مقداره عشرة آلاف دينار، كما يروي الطبري في تاريخه). ورجال الدين الداعمين لزواج القاصرات ينالون من هذه الطبقة من الشبقين جنسياً منافع كثيرة مالية واجتماعية وسياسية.
5- إن دعم رجال الدين لزواج القاصرات من علية القوم، يمنح هؤلاء الحق في الزواج من القاصرات مستقبلاً، ويفتح لهم الباب للمتعة الجنسية من البنات القاصرات اللائي وصفن في النصوص المقدسة، بأنهن حور عين كواعب أترابا عربا كأنهن الياقوت والمرجان. ولعل قصة رجل الدين النجم التلفزيوني الشهير، الذي تزوج من بنت جزائرية عمرها من عمر أصغر حفيداته، خير شاهد على ذلك. وهو المثال الذي نعلمه. وأما ما لا نعلمه، فهناك أمثلة كثيرة عنه.
وبهذا أصبح زواج القاصرات رغماً عنهن، وطمعاً فيما يأتي من بيعهن بالزواج، باباً من أبواب ذم الإسلام في الغرب، والسخرية منه، والحطِّ من سمعته الإنسانية.
السلام عليكم.
- آخر تحديث :
التعليقات