-1-
أحبوا.. أحبوا.. أحبوا.
فاليوم عيد الحب.
وهو أكبر الأعياد الإنسانية، وأشملها.
إنه ليس عيداً للمسلمين فقط، ولا للمسيحيين فقط، ولا لليهود فقط، ولا للبيض فقط، ولا للسود فقط، ولا للصُفر فقط، ولا للمرأة فقط، ولا للرجل فقط، ولا للشاب فقط، ولا للعجوز فقط، ولا للمؤمن فقط، ولا للكافر فقط. إنه لكل الناس، لكل الإنسانية من أقصى الأرض إلى أقصاها.. ولذا فهو أكبر الأعياد وأشملها، وأجملها.


-2-
أحبوا.. أحبوا.. أحبوا.
وبالطريقة التي ترونها.
فلا قاعدة واحدة في الحب.
بل لا قواعد، ولا خرائط، ولا خطط للحب.
ولا مذهب واحداً في الحب.
فالحب هو أنت.
فكيفما تكون يكون حُبك.
وأنت تُحب، إذن فأنت إنسان.
يقول الفيلسوف الصوفي ابن عربي:
أدينُ بدين الحب أنَّى توجهتْ
ركائبُه فالحبُ ديني وإيماني
فالحب هو السلوك الإنساني الفطري، الذي لا يحتاج المرء إلى تعلُّمه..
ولا يحتاج المرء إلى من يدلّه على طريقه.
فكل كُتب الحب كاذبة وخادعة.
والصادق هو حُبكَ أنت.


-3-
المحبون غير مذنبين.. بل هم من التُقاة والأبرار الصالحين..
وهم أحباء الحق والفضيلة والرب..
الله.. هو الحب، وهو المحبة.
فليس أبغض عند الله من الكاره.. وليس أحب إليه من المُحب..
وكل الأنبياء كانوا من العشاق المُحبين.. للحياة والنساء.
محمد الرسول عليه السلام، كان يقول:
حُبب لي من دنياكم ثلاث: الطيبُ، والنساءُ، وقرةُ عيني الصلاة.
والطيب (العطر) والنساء علامتان من علامات الحب.
والصلاة حبلُ الحبِ بين العبد وربه.
وقد عظَّمت الأديان جميعها الحب، وارتقت به مكاناً علياً. وجاء القرآن الكريم على ذكر كلمة الحب أكثر من 83 مرَّة، تعظيماً له، ورفعاً من شأنه.


-4-
يعارض بعض شيوخنا المتعصبين يوم الحب.
ويقولون إنه سلوك غربي مستورد.
فماذا في حياتنا غير مستورد؟!
كل شيء في حياتنا مستورد!
الحب.. الورد الأحمر.. الشال الأحمر.. الدُب الأحمر.. يُهيّج هؤلاء، فتنفلت أعصابهم، ويشيطون، و(يهبقون)!
شيوخنا المتعصبون، أجلاف، قلوبهم حجارة، أو أشد قسوة، لا يجيدون الحب، لأنهم لا يعرفونه.
ومن جهل شيئاً كرهه، وخاف منه.
يجهلون المرأة، فيكرهونها..
ويجهلون الحب، فيكرهونه.


-5-
الحب أجمل قيمة إنسانية..
فكيف يحاربون عيد الحب، ويدوسون وروده، ويمزقون ثيابه، ويلاحقون خياله، بهذه القسوة، وبهذه الجلافة؟!
كيف يمكن منع عصفورين من أن لا يتعانقا، وألا يتناجيا، وألا يتهاديا..؟!
بئس ما يمنعون.. وبئس ما يطاردون..
إنهم مثل دون كيشوت، يحاربون طواحين الهواء بسيوف من خشب..
فالإنسانية كل الإنسانية اليوم في جانب، تحتفل وترقص وتُغنّي، وهم (كمشة) صغيرة في جانب آخر، يحملون العصي والمطارق، و(يكشّون) الذباب..
وهم الخاسرون..


-6-
الحب هو الحرية..
الأحرار هم المحبون..
والمحبون هم المبدعون..
يقول أبو إسحاق الحُصري القيرواني:
quot;الحب قسطاس العقول، وجلاء الأذهان، ينفي عنها الأذى والقذى، كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد.quot;
والحبُ هو القوة الناعمة الجبارة، التي تخرُّ له الجبابرة ساجدين.
وعن هذه القوة السحرية، قال عنها قيس بن الملوَّح:
فما الحبُ حتى يلصقُ الجلدُ بالحشا
وتخرسَ حتى لا تُجيب مناديا


-7-
ما أجمل العشق والعشاق.
فالعشاق هم المغنون.. والبلابل الصدّاحة.. هم الشعراء.
فالشوق يُفجّرُ الشِعرَ، ويُشعلُ نارَ الفن. ولقد أسرف مؤرخو الأدب، وعلى رأسهم طه حسين إسرافاً كبيراً، في تقسيم الأدب إلى قسمين رئيسيين: العفيف والإباحي. ونظروا إلى الفن نظرة أخلاقية دينية بحتة. في حين أن الفن لا يخضع لمقاييس الأخلاق الدينية.
فالدين لا ينام مع الفن في فراش واحد.. ولكنه لا يقتله!


-8-
الحب استكانة.
الحب خضوع.
والحبُ ذلٌّ.. ولكنه ذُلُّ العزيز..
يقول الإمام السلفي ابن قيّم الجوزيّة:
quot; من علامات المحبة استكانة المحب لمحبوبه، وخضوعه وذُلِّه له. والحب مبنيٌ على الذُلِ. ولا يأنف العزيز الذي لا يُذَّلُ لشيء ذُلُّه لمحبوبه، ولا يُعدِّه نقصاً ولا عيباً، بل كثير منهم يُعدُّ ذُلَُّه عزاًquot;
ويُنشد ابن الجوزيّة:
تذلل لمن تهوى لتكسبَ عَزَّةً فكم عَزَّة قد نالها المرءُ بالذل.


-9-
أما ابن حزم الأندلسي المفكر، والفيلسوف، والشاعر، والعاشق، وصاحب quot;طوق الحمامة في الإلفة والآلافquot;، فيقول:
quot;الحبُ أعزَّكَ الله داءٌ عياء، ومقامٌ مُستلذ، وعلّةٌ مُشتهاة، لا يودُّ سليمها البُرء، ولا يتمنّى عليها الإفاقة.quot;
وينشد ابن حزم الشاعر العاشق، أجمل ما قيل في الحب:
ودِدتُ بأن القلبَ شُقَّ بمديةٍ وأُدخلتِ فيه ثم أطبقَ في صدري
فأصبحتِ فيه لا تُحلّين غيره إلى مُقتضى يوم القيامـة والحشرِ
تعيشين فيه ما حييتُ فإن أمتْ سكنتِ شُغافَ القلبِ في ظُلمِ القبرِ


-10-
أحبوا.. أحبوا.. أحبوا..
سراً وعلانية..
شرقاً وغرباً..
في كل مكان، وفي كل وقت..
فلكم الدنيا، ولكم الآخرة..
كل عام وأنتم بخير..