-1-
من المؤكد أن الإرهاب في التاريخ البشري على مر القرون الماضية، كان أكثر كماً، وأفظع إجراماً مما هو عليه اليوم. ولكننا لم نقرأ عنه الشيء الكثير، ولم نعلم عنه إلا في أضيق الحدود. وهذا ناتج عن أن وسائل الإعلام في الماضي لم تكن متوفرة ومتطورة كما هي اليوم. وكان المؤرخون والرواة القلائل، هم الذين ينقلون إلينا أخبار الإرهاب. وكانت هذه الأخبار كما هي اليوم، تخضع لضغوط سياسية ودينية واجتماعية. فتتلون أخبار حوادث الإرهاب بألوان هذه الضغوط المختلفة.
المهم، أن ما وصلنا من أخبار جرائم الإرهاب الشيء القليل واليسير، علماً بأن جرائم الإرهاب في القرون الماضية، كانت أكثر كماً وأفظع إجراماً مما عليه اليوم كما قلنا، وذلك نتيجة لعدة أسباب منها:
1- أن التعصب الديني كان على أشده، وخاصة في الغرب المسيحي بين الكاثوليك والبروتستنات. وكانت الكنيسة تحارب العلوم والفلسفة. وقد لاقى العلماء والفلاسفة من الكنيسة وأحكامها الجائرة العذاب الأكبر. ومن يقرأ quot;موسوعة العذابquot; لعبود الشالجي بأجزائها السبعة، سوف يتقزز، ويقرف، ويتقيأ ما في معدته، من هول ما يقرأ، وما كان يفعله السلاطين، والخلفاء، والأمراء، والملوك، والبابوات، والقساوسة، والقضاة في الشرق والغرب من فنون التعذيب والإرهاب لأعدائهم. كذلك، فمن يقرأ كتاب الدكتور إمام عبد الفتاح إمام (الطاغية)، وكتاب عبد الغفار مكاوي (جذور الاستبداد) وكتاب (المستبد) للباحث العراقي زهير الجزائري عن عهد صدام حسين، سوف يدرك كم هو إرهاب اليوم (الإرهاب الجمعي الديني المتشدد) عبارة عن نزهة ربيعية، لا تتعدى أكل بيضة مسلوقة، وسماع أغاني فيروز، وتقشير برتقالة، أو تفاحة حمراء.
2- كانت المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية في القرون الوسطى في أوج قوتها، وتسلطها، وجبروتها، وعداواتها للفكر والمفكرين، وللإبداع والمبدعين. ولم يكن هناك ما يحول بينها وبين التنكيل والقتل لأي مفكر، وعالم، ومبدع.
فلم يكن ما يُعرف اليوم بمنظمات حقوق الإنسان.
ولم يكن هناك مجلس أمن، ومنظمة أمم متحدة، تُقيم المحاكم الدولية لمحاكمة القتلة.
ولم يكن هناك صحافة ولا quot;صحافيون بلا حدودquot;، للدفاع عن الأحرار.
ولم يكن هناك من وسائل لمعرفة القتلة والمجرمين من الإرهابيين.
وكان الدم يضيع بين القبائل، دون معرفة وإمساك الجاني الإرهابي.
وكان الإرهابي ndash; غالباً ndash; هو الحاكم.
أما اليوم، فالإرهابيون مجموعات من الصعاليك، والمرتزقة، وشذاذ الآفاق، ولكن ما زال هناك من يحركهم من خلف الستار، من أنظمة ودول الشرق الأوسط.
3- لم يكن الإنسان غالياً في الماضي كما هو الآن. وكان قتل الإنسان أهون من قتل ذبابة. لذا، فقد انتشر القتل والإرهاب الفردي والجماعي. وكذلك انتشرت الحروب الإرهابية الكثيرة. ويكفي أن يشعل إرهابي واحد كهتلر، أو موسوليني، أو ستالين، أو صدام حسين حرباً، ليفني الملايين. فقد أشعل هتلر الحرب العالمية الثانية وأرهب ودمَّر أوروبا، وقتل أكثر من عشرة ملايين شخص. وأشعل صدام حسين حرب الخليج الأولى 1980 وقتل أكثر من مليون شخص. وقتلت إسرائيل مئات الفلسطينيين بسبب الإرهاب الصهيوني، الذي مارسته على الشعب الفلسطيني منذ 1948. كذلك مارس الفلسطينيون المتطرفون عمليات إرهاب ضد مدنيين إسرائيليين. ولكن أخبار هؤلاء وأولئك، كانت تنتشر انتشار النار في الهشيم نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات الحالية. وكان العالم يُدين الطرفين. ويدعو إلى المقاومة السلمية. ولكن التطرف الديني من قبل الطرفين، كان هو الغالب في مثل هذه الحالات.

-2-
في ظني، أن موجات الإرهاب رغم ظاهرة الطرود المفخخة الأخيرة، سوف تنحسر رويداً رويداً.
فالأصولية والسلفية على السواء، بدأتا بالدفاع عن نفسيهما بدلاً من الهجوم الذي شهدناه في السنوات الماضية.
وكثير من الشعارات الدينية التي يختبيء الإرهابيون خلفها كشعار quot;الإسلام هو الحلquot; بدأت تتساقط كأوراق الخريف، وبدأت حقيقتها وأغراضها السياسية تتكشف للشارع العربي، الذي غُرر به زمناً طويلاً بمثل هذه الشعارات.
وفي ظني، أن دوائر الأمن العربية المتخصصة بمكافحة الإرهاب، قد اكتسبت الآن خبرة طويلة في كيفية مكافحة الإرهاب، بحيث لم يعد لفلول الإرهاب من منفذ غير منافذ القنافذ الضيقة والمحدودة. فنرى الإرهابيين يتساقطون اليوم، الواحد تلو الآخر في أيدي السلطات الأمنية في السعودية واليمن خاصة، في الوقت الذي تتراجع فيه القوى الدينية المتشددة، وتكفَّ عن خطابها الديني الذي ساد فترة التسعينات من القرن الماضي، والعشر سنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين الحالي.

-3-
ولكن تظل في الشرق الأوسط دول وأنظمة حكم مارقة كسوريا وإيران وأحزاب وسياسيون كـ quot;حزب اللهquot; وquot;حماسquot;، تنفخ في بالونات الإرهاب الملونة، وتوهم الشرق والغرب بأنها قادرة على نشر الفوضى، وعدم الاستقرار في العالم.
فهل إذا ما أزيلت هذه الدمامل من جسد الشرق الأوسط، لكي يتعافى الشرق والعالم من كوارث الإرهاب، سينتهي الإرهاب من الشرق والعالم؟
في ظني، إذا ما تمَّ ذلك، فسوف تخفُّ موجات الإرهاب العربي على الأقل. وسيكون العرب هم آخر الإرهابيين في الشرق الأوسط على الأقل.
السلام عليكم.