-1-
جميلة، وبرَّاقة، ومغرية، تلك الوعود التي أطلقها ndash; مؤخراً - النظام السوري لرشوة الثورة الشعبية السورية الصاعدة والماحقة، وتدجينها كالعادة.
وجميلة، وبرَّاقة، ومغرية، تلك الخطوات التي خطاها النظام السوري في الترقيع ووضع (نُصَّ نعل) للحذاء الدكتاتوري القديم، ومنها إقالة الحكومة، لكي يأتي بحكومة أخرى.
فالنعلُ واحدٌ، ولكن الساق مختلفة.
فما الفرق؟

-2-

النظام السوري، والليبي، واليمني، ثم العراقي، فيما بعد، يلعبون مع شعوبهم لعبة الذئب الماكر والفريسة.
فالأنظمة (الذئاب) تعرف من شعوبها من هي فريستها (المعارضة)، ولكنها الآن غير قادرة على التهامها كالعادة. وتتركها إلى حين تهدأ العواصف الثورية، لكي تلتهمها على مهلها.
فما الذي يمنع أياً من هذه الأنظمة من اعتقال، وسجن، وقتل معارضيها، إن استسلم الثوار للوعود المسمومة المغموسة بعسل السلطة الذي (تبيعه) على شعوبها منذ أكثر من أربعين سنة؛ أي منذ 1970؟
وهل ستنسى السلطة ثأرها، وهو ثأر الذئاب من الفريسة؟
فهذه السلطة ما أن تطمئن إلى مأمنها، حتى تنقضّ على فريستها (الثوار الآن)، وتلتهما، كما سبق أن التهمت غيرها من فرائس المعارضة والثوار، في السنوات الماضية الطويلة من حكمها، وليليها الطويل الأسود.

-3-

النظام السوري وباقي الأنظمة، ذات ليل طويل أسود وكالح . ما عدا النظام العراقي وليله القصير حتى الآن، ولكنه سيطول على ما يبدو، وأسود حتى الآن. ويحكم هذا النظام العراق منذ ست سنوات 2004-2010 بحزب الدعوة الديني من قبل الجعفري والمالكي، وسيحكمها ndash; إن استطاع ndash; خمس سنوات أخرى 2010-2015، برئاسة أمين الحزب العام نوري المالكي. وبذا، يكون quot;حزب الدعوةquot;، قد حكم العراق 11 سنة، وربما سيستمر أكثر.
فما الفرق بينه وبين حزب البعث، أو quot;الحزب الوطنيquot; المصري، أو quot;اللجان الشعبيةquot; في ليبيا، أو quot;حزب المؤتمر الشعبي العامquot;، الحاكم في اليمن، منذ 1978 برئاسة علي عبد الله صالح؟

-4-

فيا ثوار سوريا الأحرار..
يا ثوار ليبيا الأحرار..
يا ثوار اليمن الأحرار..
استمروا في ثورتكم.. فثورتكم لا تريد الإصلاح.. فلا مجال للإصلاح.. ولكنها تريد التغيير، تغيير نظام الحكم، الذي فشل طوال ليله الطويل الأسود، في تحقيق أي هدف، وأية تنمية، وأية حرية، وأية جزء بسيط من الديمقراطية، التي سبق ووعد بها، كمواعيد quot;عرقوبquot; الكاذبة والمضللة.

-4-

أحر التهاني للشعب العراقي البطل، في الذكرى الثامنة لتحرره، وخلاصه من حكم الدكتاتورية البعثية- الصدامية.
وعزائي الحار جداً للشعب العراقي البطل، على ما فعله به السياسيون العراقيون من نهب، وسرقة، وفساد، ثم اضطهاد، وفشل سياسي، وتنموي، منذ 2003 إلى الآن. وما زال من سرقوا، وفسدوا، وفشلوا، يحكمون العراق إلى الآن!
لقد نبَّهنا الكاتب العراقي النجيب عدنان حسين في الأمس، إلى أن من يحكم العراق الآن، نظام أسوأ مما كان تحكمه الدكتاتورية البعثية ndash; الصدامية. وقال:
quot;حتى قبل انطلاقها في 25 شباط الماضي، نالت أولى التظاهرات المطالبة بإصلاح النظام كإلغاء المحاصصة والطائفية السياسية، ومكافحة الفساد المالي والإداري ، وتوفير الخدمات الأساسية، اتهامات بالبعثية والقاعدية، وبالسعي إلى إحداث الفوضى وإثارة العنف، وحتى إسقاط النظام. وتجاوز الأمر لدى الحكومة مستوى الاتهام والتحذير اللفظي إلى مستوى اتخاذ الإجراءات العملية، لمنع التظاهرات بالقوة الغاشمة. فطلب نوري المالكي شخصياً ومعه قادة الكتل المؤتلفة في حكومته، ورؤساء الهيئات، والمؤسسات الدينية، من المواطنين عدم التظاهر، بل أعلنت الحكومة حظر التجوال، وأغلقت الطرق، والجسور المؤدية إلى أماكن التظاهر، واستخدمت كل أساليب القمع ضد المتظاهرين، بما في ذلك الرصاص الحي، الذي أودى بحياة العديد من الأشخاص، وأصاب العشرات غيرهم، بجروح بليغة.quot;
فما الفرق بين حكم quot;حزب الدعوةquot; الديني - المالكي، وبين حزب البعث - الصدامي؟
وهل يستطيع أحدٌ أن ينكر وجود فساد في العراق الآن، الذي وصفته quot;منظمة الشفافية الدوليةquot;، بأنه quot;أقبح فساد شهدته البشريةquot;؟
فلماذا إذن، يمنع حزب الدعوة- المالكي الشعب العراقي من التظاهر والاحتجاج على هذا الفساد، الذي ما زال يذيق العراق والعراقيين العذاب اليومي من جوع، وعطش، وظلام، ومرض، وجهل، لبلد من أغنى بلاد العالم، ولديه ثاني أكبر احتياطي من البترول في العالم أيضاً؟

-5-

لهفي على هذا العراق الجميل، الحاضن لأكثر من ثمانين بالمائة من حضارة وثقافة العرب، والذي خرج من تحت دلف الدكتاتورية البعثية ndash; الصدامية، ليدخل تحت دلف المزراب الدعوي الديني - المالكي.
ولا أمل لنا، إلا بسقوط النظام السوري، الذي تآمر مع دولة الملالي الإيرانية، ودول أخرى في الخليج، على تدمير العراق، وإشاعة الفوضى
والدمار فيه.
لا أريد أن أكتب أكثر. فقد كتبت كثيراً (كتاب الزلزال: أوراق في أحوال العراق، 2004، ومقالات أخرى بعد هذا التاريخ والى الآن) عن العراق المنكوب بحكامه منذ قرون طويلة، ومنذ العصر العباسي الثاني (847-1258م) حتى الآن.
ولن أعيد ما كتبته.
وما أطلبه، وأتمناه للشعب العراقي، أن يثور ثورته الشعبية - التي لم يثرها حتى الآن- ويسحق الفساد والفاسدين، ويأتي بمن يخاف ويحترم الشعب العراقي.
وليس لي أخيراً من قول، إلا أن أذكركم بقول كارل جينج (1875-1961) من أن quot;التاريخ ليس ما تحتويه المجلدات الضخمة، ولكن التاريخ ما نكتبه بدمائنا الغزيرة.quot;
السلام عليكم.