-1-
سبق أن قلنا في مقالات سابقة، أن مصر هي بارومتر العرب.
ورغم مشاكل مصر الكثيرة، ورغم العقبات المختلفة التي تعترض طريق النهضة المصرية الجديدة التي بدأت منذ 1981.
نتائج الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة 2010،كانت رداً على عدة تساؤلات أثرناها في السابق، وطولب الليبراليون بالإجابة عنها. ولكن قامت الانتخابات التشريعية المصرية بالرد عن جزء منها.

-2-
بدءاً هذا المقال ليس للإثارة.
وليس لقراءة أكبر عدد من القراء.
وليس لمعارضة التيار quot;الهادرquot; في العالم العربي الذي أجمع محللوه السياسيون، أن مصر تنتكس ديمقراطياً، وتتراجع سياسياً تراجعاً كبيراً، علماً بأن لا واحداً من هؤلاء المحللين يعلم ماذا يدور على أرض الواقع السياسي المصري، وإنما يقرأ ويشاهد وسائل إعلام معينة.
هذا المقال ليس سباحة ضد التيار كما يقال.
وهذا المقال سوف يلقى هو وكاتبه من الشتائم والسباب واللعنات ما لم يلقه الشيطان الرجيم طوال قرون عديدة.
ولكن كاتب هذا المقال سيقول ما يعتقد أنه الحقيقة، التي يجب عليه أن يقولها ولو امتلأ وجهه من بصاق الآخرين.

-2-
عنوان الديمقراطية في مصر ليس نجاح quot;الإخوانquot; اليمنيين، ولا الوفدين الباشوات الإقطاعيين، أعداء الثورة المصرية بكل سلبياتها، وايجابياتها. وإنما عنوانها جبهات المعارضة المختلفة القائمة الآن في مصر.
عنوانها صحافة المعارضة، التي قالت بنظام الحكم وسلطات الحكم، ما لم يُقل منذ آلاف السنين في مصر.
عنوانها هذه العناصر الحزبية المعارضة من اليمين، والوسط، واليسار، التي تظهر على شاشات الفضائيات في داخل مصر وخارجها، وتقول ما تشاء، وتصرح بما تشاء، دون أن ترسل إلى ما وراء الشمس، كما كان يتم في عهود الدكتاتورية المصرية المختلفة.
عنوانها صحافة المعارضة التي تكشف في كل يوم، عن فساد مالي، أو سياسي، أو إداري. والسلطة تستنير بهذه الكشوف، وتلاحق الفساد والمفسدين بقدر ما تستطيع، وتؤهلها إمكاناتها. فالفساد لم يظهر في عهد هذه السلطة فقط، بقدر ما بدأ منذ عهد المماليك - وربما قبلهم - إلى الآن. فهو تراكمات العصور المختلفة.
عنوانها من شاء شارك في الانتخابات، ومن شاء انسحب، ومن شاء ندد بها، ورماها بالتزوير، لأنه لم ينجح في هذه الدورة. بينما أشاد بنزاهتها في 2005 عندما حالفه النجاح. ولم يعترض، ولو بكلمة واحدة على عدم نزاهتها.

-3-
عنوانها أنها أمكنت quot;الإخوانquot; في 2005، من فرصة الفوز الكاسح، وأمكنتهم من الحصول على 88 مقعداً. فماذا فعل الإخوان طيلة خمس سنوات مضت بهذه المقاعد؟
ماذا قدموا للشعب وللوطن من إصلاحات دستورية، وآمال، وأحلام، وعدوا الناخبين بتحقيقها إن هم فازوا في 2005؟
ولهذا حاسبتهم مصر في انتخابات اليوم 2010 حساباً عسيراً. وكان الناخب المصري ببساطته، وطيبته، وفقره، وعوزه، ولكن بفهلوته وفصاحته، كما الفلاح المصري الفصيح، واعياً ومتابعاً لأداء 88 نائباً إخوانياً في البرلمان المصري المنتخب 2005. فرأي أن quot;الإخوانquot; ضحكوا عليه، وخدعوه، ولم يفعلوا له شيئاً يُذكر، فقرر إسقاطهم في انتخابات 2010. فسقطوا سقوطهم المروّع والمفزع عقاباً لخداعهم، وتضليلهم، وانشغالهم بتوافه الأمور، كالحجاب، والنقاب، وإهمال (اللُباب).

-4-
كذلك كان أمر حزب quot;الوفدquot;، الذي كنا نأمل أن يصبح الجبهة المعارضة العريضة، بعيداً عن التحالف مع الإخوان. سيما وأن برنامجه الانتخابي كان برنامجاً ليبرالياً عَلْمانياً وديمقراطياً، بعيداً عن شعارات الإخوان الهستيرية الدينية، التي أحسنت السلطات صُنعاً بمنع رفعها في الانتخابات، حتى لا يُساء إلى الدين، ويصبح الدين كرة (شُراب) سياسية بين أرجل قيادات وعناصر الإخوان، في الحارات، والأزقة المصرية.

-4-
كنا نأمل من حزب quot;الوفدquot; ومن طالب من أعضائه الانسحاب من الانتخابات - وهم من قُصار النظر السياسي، ولا يعون اللحظة السياسية التاريخية المهمة التي هم فيها، والتحول السياسي التاريخي المهم الذي يعيشونه الآن - أن يكونوا جبهة المعارضة العريضة أمام الحزب الوطني الحاكم. وكما الديمقراطيات الغربية، فهناك حزب يحكم وحزب يُعارض. وكنا نأمل أن يبقوا نواباً، ويعارضوا تحت قبة مجلس الشعب المصري، وليس من خلال مؤتمرات صحافية سيّارة ومظاهرات محدودة أمام نقابات الصحافيين والمحامين والقضاة.
ولكن قرر من سقط منهم في الانتخابات، الانسحاب من الانتخابات، ومن انتخابات الإعادة، واستجابت الأغلبية لذلك. وبذا، لم يتم محو انطباع أن الوفديين الشيوخ الآن، هم أبناء الإقطاعيين المصريين، الذين جلدوا ظهور الفلاحين المصريين بالسياط. وهم يريدون العودة إلى الاحتكار السياسي، الذي كان في العهد الملكي السابق.

-5-
معظم المعلقين والمحللين السياسيين ndash; خاصة ممن لم يشهد الانتخابات المصرية على أرضها ndash; هاجموا السلطة المصرية، وشككوا في صحة الانتخابات، واعتبروا أن ما حصل عبارة عن quot;مهزلة من المهازل المصرية التي قدمها الكوميديون المصريون على خشبة المسرح قديماً وحديثاً.quot; ونلاحظ أن معظم التعليقات مُستقاة مما قاله الساقطون في الانتخابات من quot;الإخوانquot;، وquot;الوفدquot;، وتقارير الصحافة المعارضة.
فهل النيل لا يجري هادئاً ورقراقاً إلا بوجود quot;فرعونquot; على شاطئيه؟
أودعك بكثير من الألم وقليل من الأمل..
السلام عليكم.