-1-
حكم المماليك بلاد الشام ومصر العراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين من الزمان (1250-1517) وكانوا يقسمون إلى قسمين: المماليك البحرية والمماليك البرجية، وهنا في سوريا أقام الأسد دولة المماليك الأسدية (1970-2011).
ودولة المماليك هنا في سوريا، تقوم على ما كانت تقوم عليه دولة المماليك في بلاد الشام، في القرنين الثالث والرابع عشر. وكذلك ما كان يقوم عليه وجود وبقاء الاحتلال الفرنسي لسوريا (1920-1946).

-2-
وهنا نتساءل:
ما الفرق بين ما كان يقوم به الاحتلال الفرنسي والايطالي في سوريا وليبيا من اعتقال للمعارضة، ونفي لها، وتعذيب وشنق لزعمائها في الساحات العامة، وبين ما تفعله أنظمة القذافي، والأسد، وصالح، في كل من ليبيا، وسوريا، واليمن.
فالاستعمار في هذه البلدان، استنهض القوى الدينية التقليدية، وشيوخ القبائل، وزعماء العشائر، وقبضايات الأحياء، للتفاهم مع المعارضة، وإسكات المقاومة الشعبية. وهو ما تقوم به السُلطات السياسية الآن، التي آثرت السلطة على الدولة، والتي دمَّرت وتدمِّر الدولة، من أجل بقاء السلطة في ليبيا، وسوريا، واليمن.

-3-
وما الوعود الكاذبة والمتواصلة والمتوسِّلَة في كل يوم، التي تقدمها سلطات هذه الدول، غير نوع من المُسكِّنات التي يزول أثرها بعد 24 ساعة من تناولها، وليست علاجات شافية لأمراض مزمنة، بعضها ورثته هذه السلطات عن سلطات قبلها، وبعضها الآخر دبَّ في الجسم العربي، مع تولي هذه السلطات الحكم.
والمشكلة أن هذه السلطات ليست في وارد، ولا في مقام، وصف العلاجات الشافية، لأمراض مجتمعاتها. فهي جاهلة بالطب السياسي البشري. وأُميَّة في لغته العلمية. وهي بالتالي خارج التاريخ الإنساني. وهي التي أخرجت شعوبها من هذا التاريخ. وما يتم الآن في العالم العربي من ثورات، هو محاولة هذه الشعوب العودة إلى التاريخ الإنساني والسير في سياقه، حتى لا تتحول إلى جثة هامدة، ملقاة على قارعة طريقه، ولا أمل في إحيائها مطلقاً.

-4-
إن فاقد الشيء لا يعطيه.
والسلطات العربية فقدت القدرة على تطبيب ومداواة شعبها سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً.
ولو كانت تمتلك هذه القدرة، لقامت بذلك منذ عشرات السنين التي حكمت بها شعوبها، وساقتهم سوق الرعيان للقطعان.
فكيف يتصدى الرعيان الأُميّون في السياسة، والثقافة، والتاريخ الآن، لمهنة التطبيب السياسي الصعب، ويتصدون لأمراض مجتمعاتهم، وهم يعلمون بأنهم كذابون، ومهرجون، ومشعوذون، وسحرة، وسارقو السلطات أثناء الغيبوبة العربية، والدوار الديني/السياسي، الذي ضرب المجتمعات العربية في العصور الحجرية السابقة.

-5-
بعض القراء البسطاء كتبوا إليَّ يقولون وينصحون، بأن أقوم بمراجعة كتابي عن (الشارع العربي، 2003) ورأيت في البداية، أن ما قيل صواباً، وعليَّ أن أراجع وأصحح، ما قلته عن سلبية الشارع العربي، وعن تشاؤمي من هذا الشارع، وعدم قدرته على التغيير. ولكني وجدت في النهاية، أن الكتاب قد نشر في عام 2003 وكتب في عام 2002، ونحن الآن في 2011 وقد مضى على صدور كتابي سبع سنوات تقريباً، تغيّر فيها العالم بسرعة صاروخية، كما لم يتغير من قبل، حيث مرَّ هذا العالم بتحولات هائلة، حجبتها السلطات الحاكمة عن شعبها (ومنها ثورة الاتصالات، والانترنت، ومواقع سياسية معارضة، كثيرة عليه)، كما قامت السلطات بعدة إجراءات، سببت الكثير من احتقانات الشارع العربي، فتفجرت الثورة، كما تتفجر البراكين المحتقِنة تحت الأرض. ومن هنا نقول، أن التشاؤم وافتقاد الأمل في الإحياء ،الذي لمسه بعض القراء في كتابنا، ما هو إلا quot;انسداد الأفق. وفي انسداد الأفق ما يحثّ على استحباب الاستقالة من التاريخ، وحركته، بدعوى عدم المقدرة، أو بدعوى تشوّهٍ خلقيٍّ عامٍّ للمجتمع.quot; كما يقول المفكر والأكاديمي السوري عزيز العظمة، في بحثه المهم (الانتفاضات العربية في لحظتها السورية).


-6-

أيها الثوار السوريون:
نحن نعلم، أن ثورتكم المباركة هيquot;بيضة قبَّانquot; الثورة العربية العامة. وأنكم تأخرتم قليلاً في قيامها، وما تأخركم القليل هذا، إلا بسبب عتو، وطغيان، وقسوة النظام السياسي، الذي كان يُرهب الشعب السوري بجلاديه وجلاوزته، والذي ورث الأجهزة الأمنية (الستازي) عن نظام إريك هونيكر الساقط عام 1989 في ألمانيا الشرقية.
نحن نعلم، أن ثورتكم المباركة، كان من المفترض، أن تسبق كافة الثورات العربية، لو أنها لم تتخوف مما حصل في العراق بعد 2003 ،أو ما حصل في لبنان بعد 1975، كما كان يُشيع الإعلام الرسمي السوري، ويحذِّر المعارضين والثوار الأحرار، من مغبة الحراك الشعبي، الذي أنتم في غماره المبارك الآن.
نحن نعلم، أن ثورتكم المباركة، كان يجب أن تكون في مقدمة الثورات العربية، لولا تردد بعضكم لحين معرفة ما ستنتهي إليه الثورة التونسية، والثورة المصرية، والثورة الليبية، والثورة اليمنية.
ولكن لتعلموا جيداً، أن لكل ثورة من هذه الثورات شروطها، وبيئتها، وزمانها، ودوافعها المختلفة.


-7-
إن النظام السياسي في سوريا الآن، يحاول أن يمسك بالسلطة على حساب الدولة. بل على حساب الشعب السوري. بل على حساب مستقبل سوريا، الذي يبدو أن النظام السوري حتى الآن، يقف عاجزاً عن التعامل معه، لأنه ما زال في قوقعة الماضي، ويتلقى أوامره من رميم عظام من ماتوا منذ سنوات.
إن النظام السوري، ما زال مصراً على التعامل مع الثورة الشعبية بخطابات خشبية عتيقة، وسقيمة، وطفولية، وذات منطق قروسطي، لا يُصرف في أي بنك من بنوك السياسة المعاصرة، ولا يتعامل به أحد في أية بورصة من بورصات السياسة المعاصرة. لذا فهو ورقة سياسية عثمانية (عسمليَّة) ساقطة من عهد الأتراك الغابر، قبل عام 1918. وسيكون مصيره كمصير العثمانيين عام 1923.