مقدمة تعريفية:
معسكر اشرف، هو معسكر لجوء وتنظيم وتدريب وتسليح عسكري، اقامه النظام العراقي السابق للمعارضين الايرانيين إبان حرب الثمانية أعوام (1980-1988) بين البلدين، وذلك عام 1986. وينتمي اؤلائك المعارضون الى منظمة مجاهدي خلق (تعني مجاهدي الشعب بالفارسية)، التي أسست عام 1965 لمقاومة نظام الشاه السابق. يبدو ان الوضع الاداري الداخلي للمعسكر قد ترك بيد سكانه من اللاجئين الايرانيين، وذلك نتيجة كونهم ينتمون الى منظمة حزبية واحدة مايعني سهولة الادارة والضبط في صفوفهم، مع توجيه واشراف خارجي من قبل الحكومة العراقية السابقة وطبعا ادارة وتخطيط مشترك او توجيههم لاهداف عسكرية وامنية ضد النظام الايراني، لان المنظمة مسلحة وتخوض حربا لاسقاط النظام هناك.
كان النظام العراقي السابق يسمح لهم بشن هجمات مسلحة في العمق الايراني. وقد تم ادراج منظمة مجاهدي خلق من قبل دول ومؤسسات دولية منها الاتحاد الاوربي، ضمن المنظمات الارهابية الدولية منذ سنوات. الا انه تم رفع الحظر عنها بعد ان تغيرت الاوضاع في العراق وتخلت المنظمة عن ستراتيجيتها المسلحة. وقد تحول المعسكر الى مدينة كما تدل القطع الدالة اليها باللغات الفارسية (شهر اشرف) والعربية (مدينة اشرف) والانكليزية (City of Ashraf). يبلغ عدد سكان مدينة اشرف اكثر من 3500 شخص.
بين آونة واخرى تطفح قضية اشرف الى السطح، فتستخدم ورقة ضد الحكومة العراقية التي لم تحسن التصرف على ما يبدو ازاء هذا الملف حتى الان بعد ان استلمت المسؤولية من القوات الاميركية قبل سنتين تقريبا، فبين التصريحات العديدة تجد مرة اصرار الحكومة على اغلاق المعسكر، او فرض النظام فيه، او نقله وغير ذلك. وفي ظل ذلك تحدث صدامات ومواجهات بين سكان المعسكر وبين القوات العسكرية التي تطوقه او تدخله، واخرها تلك العملية التي تضاربت الانباء حول ضحاياها، على ان اخرها يشير الى 35 شخصا من سكان المعسكر قد قتلوا اضافة الى اكثر من 300 جريج.
التساؤلات:
ماهو التكييف القانوني والدستوري والانساني لوجود معسكر او مدينة اشرف في العراق في المرحلة الحالية؟
اذا كان معسكرا للجوء فوفقا للدستور العراقي الذي نصت الفقرة الثانية من المادة 21 على القانون تنظيم ما يتعلق بمنح حق اللجوء السياسي في العراق، وحظرت في ذات الوقت تسليم اللاجئ السياسي او إعادته قسرا إلى البلد الذي فر منه. وفي هذه الحالة وبغض النظر عن الموقف من النظام السابق والعلاقة مع ايران، فإنه دستوريا، وانسانيا لا يجوز اعادتهم الى بلدهم او التلويح بذلك. وفي هذه الحالة على سكان المعسكر ان يخضعوا للقوانين العراقية والقوانين والاعراف الدولية التي تقتضي خضوع اللاجئ التام الى قوانين البلد الذي يأويه، بما في ذلك ادارة المعسكر يجب ان تكون عراقية تامة ولا سلطة ولا قانون غير السلطة والقانون العراقي. فلا سلاح ولا مقاومة ولا منع لاي اجراء تتخذه الحكومة العراقية داخل المعسكر، على ان يراع القوانين والاعراف الدولية والانسانية وبعض المعايير الثقافية التي لا تخل بالقانون. فمثلا لا يجب منعهم من اداء عباداتهم او طبخهم لاكلاتهم او اقامة طقوسهم وما الى ذلك.
الظاهر ان هناك عدم ثقة مفرطة بين سكان او ادارة المعسكر وبين الحكومة العراقية من جانب، ومن جانب آخر ليس لدى الحكومة العراقية اجندة او برنامجا واضحا للتعامل مع المعسكر او مستقبله. ويبدو ان الحكومة فعلا تنظر باتجاهين مختلفين، احدهما الى ايران التي تريد ارضاءها او اخضاع المعسكر ليكون جزء من صفقة سياسية او مصالح بين البلدين، والاخر الى اميركا والمجتمع الدولي الذي لا يرضى ان يستخدم العنف تجاه سكان المعسكر وان يكون مستقبله وفقا لارادة ايران. والمفارقة أنه لا يوجد اطلاقا معسكر لجوء في العالم يتمتع بهذه الخصوصية والادارة الذاتية والممانعة مثل اشرف.
ترى هل تقبل اميركا او بريطانيا او اي بلد في العالم ان يكون معسكرا للاجئين اي كانوا داخل اراضيها بهذه المواصفات؟؟
من يدري ماذا يحدث داخل المعسكر؟؟؟ كيف يدار؟ ماهو القانون الذي يطبق فيه؟؟ من اين يمول؟؟ ماهو مستقبله؟؟ ماذا عن الانظمة الصحية والتعليمية وغيرها من انساق الحياة؟؟
اعتقد اننا نحتاج الى دراسة انثروبولوجية من داخل المعسكر تصف وتحلل لنا هذا النوع من الحياة.
خلاصة:
ان على الحكومة العراقية ان تعرف ما الذي تريد ان تفعله بـ/في معسكر اشرف وان يكون بمعالجة شاملة لوضعهم القانوني والدستوري خاصة، وايصال ذلك لهم مسبقا من خلال مفاوض، دون استخدام اساليب مفاجئة تستفزهم او ترعبهم، ما يؤدي الى حدوث المصادمات والضحايا بين الطرفين والذي ينعكس بالنتيجة على سمعة العراق عامة والحكومة خاصة. كذلك على سكان المعسكر الادراك أنه لا يمكنهم التمتع بالوضع او الامتيازات ذاتها التي كانوا يعيشونها في ظل النظام العراقي السابق، حيث لا يمكن للعراق بأي حال معاداة جارته ايران التي تربطه بها مصالح كثيرة وشائكة، لعل العراق بأحوج ما يكون الى الثقة مع جيرانه الان، والتعاون معهم من أجل استقراره ونهوضه. في نفس الوقت على الحكومة الايرانية ان تعي ان العراق لا يمكنه تسليم اللاجئين لها دون رغبتهم الطوعية او اخراجهم بالقوة من البلد.
أعتقد أنه من الصعب جدا النظر الى مستقبل سكان معسكر اشرف في العراق على أنهم لاجئون سياسيون حالهم حال اللاجئين السياسيين في العالم، ويتمتعون او سيتمتعون بحق اللجوء السياسي الذي يعتبر من افضل درجات اللجوء، وبالتالي امتيازاته التي منها حق الحصول على جنسية البلد الحاضن. وحتى لو افترضنا أنهم قد نالوا الجنسية العراقية بحكم القوانين والاعراف الدولية، فيتوجب توزيعهم في اماكن متفرقة من البلد كي يتكيفوا ويندمجوا مع المجتمع العراقي، باعتبارهم (اصبحوا عراقيين) ومستقبلهم هكذا على الا يحضر عليهم التركز في مدينة أو حي سكني لاحقا بعد أن يكونوا قد أمضوا فترات وبرامج من الاندماج الاجتماعي. كل هذا طبعا مستبعد ويبعث على الضحك قطعا خاصة لمن يقارنوا موضوعة اللجوء وامتيازاتها وظروفها في البلدان الغربية بل واقع الحياة في تلك البلدان.
كما ان على سكان اشرف الا يفكروا ان يكونوا اداة لتغيير نظام الحكم في ايران، ذلك لتغير الظروف في العراق، بحيث انه أصبح من المستبعد جدا حتى ان تستخدمهم الحكومة العراقية سواء الحالية او اي حكومة لاحقة ورقة للضغط على ايران.
وعليه يجب ان يفكروا بوضوح وان يخططوا لمستقبل افضل لهم، فإما الخضوع التام لقوانين ومعايير اللجوء المتبعة في العالم، او اختيار بلدان اخرى للجوء اليها.
[email protected]
التعليقات