قد يعتقد البعض أن طابع أنظمة الحكم في العالم العربي تشكل منظومة متشابهة على غرار التشابه أو التوحد الذي كانت عليه الكتلة الاشتراكية السابقة في أوربا الشرقية مثلا، ولكنه في واقع الحال يتفاوت بدرجات ليست بالقليلة. وبالتالي فان رياح التغيير التونسية ليست بالضرورة تحرك كل هذه الأنظمة بنفس الدرجة.
وفي هذا المقال نحلل التباين في منظومات الحكم في العالم العربي واحتمالات التأثر بالثورة التونسية. يمكن تصنيف أنظمة الحكم في العالم العربي إلى 3 منظومات هي:

أولا: المنظومة المطمئنة:
وهي الأنظمة الملكية، وتندرج ضمنها دول المشيخات والأمارات: وتضم المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية ومملكة البحرين إضافة إلى باقي دول الخليج العربية. وتنقسم هذه الملكيات إلى قسمين، الأول الممالك الغنية وهي الخليجية. وهذه تشهد استقرارا سياسيا نتيجة الانتعاش الاقتصادي وارتفاع الدخل وافتقار هذه البلدان تقريبا إلى تقاليد المشاركة السياسية، فلا أحزاب وبالتالي لا تنافس سياسي ولا دوافع للتغيير.
والثاني هو الملكيات الفقيرة نسبيا من الناحية الاقتصادية (المغرب والأردن). وهذه تشهد حراكا سياسيا وتظاهرات بين الحين والآخر احتجاجا على أوضاعها الاقتصادية وعلامة على الانفتاح السياسي فيها، وقد تدخل البحرين ضمن هذا التصنيف نتيجة للحراك السياسي فيها. المشترك في هذه الملكيات الأخيرة الثلاث أن ملوكها قد ورثوا السلطة عن آبائهم في فترة متقاربة وهم جيل شاب خلقوا إصلاحات سياسية وانفتاح أفضل مما كان عليه آباؤهم.
الثابت في هذه المنظومة (المطمئنة) هو تمركز السلطات بيد الملك أو الأمير وله فيتو كبير حتى على البرلمان إن وجد.

ثانيا: المنظومة شبه المستقرة:
وهي لبنان والعراق والجزائر. والمشترك في هذه المجموعة أنها عاشت فترات حروب داخلية وغزو خارجي بالنسبة للبنان والعراق واستقر شكل من تقاسم السلطة على أسس طائفية. أما الجزائر فقد شهدت عنف داخلي هز البلاد لسنوات وتشترك مع هذه المجموعة بأجواء سياسية فيها مكان للرأي الآخر، وقدر واسع من حرية التعبير والمشاركة السياسية وتوزيع السلطات، ومعارضة برلمانية وتداول سلمي للسلطة، وبالتالي ثبات شكل الحكم وتغير الحكومات.
يمكن أن نضيف تونس الآن إلى هذه المنظومة بعد أن تستقر أوضاعها على إرادة الشعب وانتفاضته الأخيرة.
في حالتي العراق ولبنان، يصعب التغيير حتى بحركة شعبية على الطريقة التونسية، وذلك نتيجة لشدة الاصطفافات الطائفية الداخلية فيهما وتدخل أطراف خارجية باستمرار. ما يعني أن التغيير إن حصل يكون داخل كل طائفة وأشبه بشأن داخلي.

ثالثا: المنظومة القلقة:
وتمثلها سوريا وليبيا والسودان واليمن ومصر (إن تغير النظام يمكن أن تنتقل إلى المنظومة الثانية). وتمتاز بأنها أنظمة يقودها شخص واحد وحزب واحد حاكم. وقد مضت على هذه الأنظمة مدة ليست بالقصيرة، وتمتاز بصعوبة وجود معارضة داخلية تعمل بحرية، ولا آفاق لتداول سلمي للسلطة فيها. هناك سمة تشترك فيها بعض هذه الأنظمة وهي توريث السلطة لأبناء الحكام أو الاتجاه نحو ذلك.
إن صعوبة التغيير في هذه الأنظمة يتمثل في تمركز السلطة والثروة بأيدي الأحزاب الحاكمة، وان طول مدة تحكـﱞم هذه الأحزاب والزعماء أخلى ساحات بلدانها من تقاليد المعارضة والتداول السلمي للسلطة وبالتالي صعوبة إزاحتها.
إن احتمالات التغيير في سوريا على الطريقة التونسية تكاد تكون مستحيلة في هذه المرحلة على الأقل، وإن قدر لها الحدوث، فربما بعد حوالي 10 سنين بغض النظر عن الإصلاحات والانفتاح الذي يجريه الرئيس بشار الأسد. وأسباب ذلك تعود إلى قوة قبضة الحزب الحاكم من جهة، والتركيبة الطائفية للبلد والتي ربما تشابه العراق ولبنان إلى حد كبير. لكن الشيء الأهم هو انشغال سوريا ولو نظريا بصراع لم ينته بعد ضد إسرائيل بحجة توحيد الصف وعدم زعزعة الجبهة الداخلية.
أما في اليمن فرغم الصخب السياسي الموجود، فإن التغيير لا يبدو أنه سيتم بإرادة شعبية قريبا، مع أن الرئيس علي صالح قد أكد عشية الانتفاضة الشعبية في تونس أنه quot;سوف لن يرشح للفترة المقبلة وان لا توريثquot;. ما يعني الاستعداد جديا لتجنب تكرار النموذج التونسي. إن صعوبة التغيير في اليمن نابعة من دواع الحفاظ على وحدة البلد من الانفصال الذي يهدد به quot;الحراك الجنوبيquot;، من جهة والتلويح بالتصدي الطائفي ضد الحوثيين وما إلى ذلك.
في حين السودان يكاد يشابه اليمن في صخبه السياسي إلا أن quot;جنوب السودانquot; حالة مختلفة، حيث حصل باستفتاء على الانفصال، ولعل هذا جزء من تخطيط الرئيس البشير الذي يريد أن يطيل أمد فترة حكمه ويحكم قبضته، ويتخلص من ملاحقة المحكمة الدولية له بتهمة quot;جرائم حربquot; في دارفور. ومن آليات ذلك الأخرى بالإضافة إلى فصل الجنوب، هو اتجاهه نحو تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، وهو ما صرح به عشية الاستفتاء.
أما ليبيا فيبدو النموذج التونسي بعيدا عنها أيضا رغم قربها إلى تونس، والسبب المباشر هو أن ليبيا لا تعيش أزمة اقتصادية، بالإضافة إلى قوة قبضة الحكم فيها الذي حرم قيام أحزاب سياسية في البلد منذ سنوات حكمه المبكرة. كما أن مرونة الزعيم القذافي في التنصل من الإدارة الحكومية وإلقاء المسؤولية على الحكومة في عدة مناسبات، وإنه ليس حاكما بل زعيما رمزيا، كل ذلك يعطيه ذات المرونة في تغيير حكومته وطريقة أدائها بل طريقة الحكم بصورة عامة في أي وقت يريد. النقطة المهمة أنه قد ينفرط عقد الحكم في البلاد وتنزلق إلى الفوضى إذا ما غاب فجأة عن السلطة لأي سبب.
أما مصر فإنها سائرة على طريق التحول لكن ليس النموذج التونسي حرفيا رغم أن انتفاضة تونس كانت العدوى المباشرة والملهم الرئيسي للانتفاضة الحالية، نتيجة تمسك مبارك وحاشيته بالسلطة إلى آخر نفس رغم التنازلات التي قدمها ولازال. على أية حال سنرى مصر جديدة هذه الأيام أو في سبتمبر القادم حيث تنتهي ولاية مبارك الأخيرة.
باختصار نقول أن العامل الاقتصادي من جانب وشكل نظام الحكم والمتغيرات الحديثة خاصة ما يتعلق بوسائل الاتصال الحديثة، هي العوامل الرئيسية في تغيير شكل نظام الحكم، وان للفئات العمرية الشابة الدور الفاعل والمؤثر في أي حركة تغيير. إن هذا الحراك السياسي سيؤثر في كل أشكال الحكم في المنطقة ولو بدرجات وعلى مدى السنوات القليلة القادمة، على الأقل في هذا العقد من الزمن.
أما عناصر الممانعة للتغيير فاهمها مدى قوة قبضة النظام الحاكم وتفرده بالسلطة، ودرجة التنوع العرقي والطائفي في البلد ودرجة الاستقطابات المبنية على ذلك.

* كاتب عراقي،

[email protected]