خمسة أشهر تقريبا مرت على انتهاء الانتخابات العراقية ولم يتم تشكيل الحكومة العراقية. بان بصيص أمل هذين اليومين حيث رشحت quot;لجنة الحكماءquot; في الائتلاف الوطني العراقي احد قيادييه لمنصب رئيس الوزراء لينافس مرشح حليفتهم كتلة دولة القانون رئيس الوزراء المنتهية عهدته نوري المالكي، والفائز منهما يترشح إلى quot;النهائي الذي يقابل فيه الفائز من الدور نصف النهائي من الكتلة المنافسة الأبرز quot;العراقيةquot;. وليتفرج الجمهور العراقي والعالم على برودة أعصاب سياسيينا في عز صيفنا اللاهب.
ترى من يقوم بتحكيم النهائي؟؟؟ ووفق أي قانون؟؟ هل هو الدستور العراقي؟؟؟ لا ندري كيف غابت عن مشرعينا ومن كتب دستورنا حسم الفائز من الدوري دون الحاجة إلى ادوار quot;المربع الذهبيquot; أو quot;دوري نخبةquot;.
هذا هو الظاهر فالعملية الانتخابية التي لم تنته بعد في العراق، باتت تشابه دورينا الكروي الذي امتد أكثر من 8 أشهر ليشمل كل الفصول تقريبا، وليشهد مراحل الدوري العام على مجموعتين من 36 فريقا في سابقة غريبة بالعالم وبعدها دوري نخبة ثم مربع ذهبي فنهائي. كل ذلك جرى وفق إرادة المصالح الشخصية التي تبحث عن أصوات تثبت ديمومتها على هرم quot;مملكة كرة القدم العراقيةquot;. لا نريد أن نذهب بعيدا ولكن لاحظ المفارقة في المصالح كيف تكيف الأمور وتقلب إرادة المواطن البسيط الذي فاق quot; أيوبquot; بصبره وجلده.
هل يتصور بعض القياديين المتنافسين على رئاسة الوزراء ومن خلفهم من أحزابهم وكتلهم أنهم لا يستطيعوا خدمة العراق إلا من خلال ترؤس الوزارة؟؟؟
لا اعتقد ذلك
انه التنافس على الجاه والسلطة ولي ذراع المنافس، وكل هذا لعمري بعيد عن إرادة الناخب العراقي.
فمعظم سياسيينا متعلمين تعليما عاليا وبعضهم وخصوصا من القياديين عاش في الغرب ويعي روح الديموقراطية التي من مبادئها أن المعارضة وحكومة الظل قد تؤدي دورا ايجابيا ومشرفا أكثر من الحكومة ولتقلب الطاولة عليها (الحكومة) في اقرب انتخابات كما حصل مع حزب المحافظين البريطاني الذي قاد المعارض ليسقط حكومة غوردن براون العمالية في الانتخابات الأخيرة وتدور الدوائر ليتبادلا الأدوار في المرحلة الحالية.
يتصور البعض أن خلود السياسيين بالسلطة فقط، وهذا ليس صحيحا، فكم من معارض ناجح خلده التاريخ، وكم من زاهد بالسلطة خلده التاريخ وبدا مضربا للمثل ومعيارا للمواطنة، ولعلكم تذكرون القائد العسكري السوداني سوار الذهب الذي قاد انقلابا ناجحا وسلم السلطة، معتبرا أن ما أداه يستحق التقدير دون أن يلوث سمعته بالسلطة.
إن العراق الآن ليس بحاجة إلى قائد أوحد وكارزما منقذ كما يعتقد البعض، والسبب هو تعدد مراكز القرار والقوى وتوزيع السلطة وتشظي البلد إلى هويات فرعية عديدة مبنية على استقطابات عرقية ودينية ومذهبية وجهوية، ما يعني صعوبة جمع الولاء أو طول اليد التي تمتد على الجميع. كما أن التحديات التي تنتظر أي قادم تعتبر كبيرة لعل أبرزها تهديد الإرهاب والفساد الإداري وهزال البنية التحتية وسوء التخطيط.
إن الإيمان بقائد منقذ للعراق يماثل الاعتقاد بنجاح انقلاب عسكري فيه، حيث يعد هذا الأمر الثاني ضربا من المستحيل للأسباب عينها التي تمنع نجاح مشروع منقذ للبلد.
هناك شئ ربما يكون حتميا في العراق وهو أن البلد يسير نحو الأفضل مقارنة بمراحله السابقة منذ التغيير وحتى الآن وان كان بطيئا ومتعثرا أحيانا، خاصة فيما يتعلق بالوضع الأمني الذي يرتبط فيه كل نجاح ومطلب آخر. معنى ذلك أن بإمكان الشخص القادم أن يكون بطلا إلى حد ما على الأقل بنظر كتلته وأتباعه، إذا ما تحققت بعض النجاحات على غرار ما حقق المالكي، لأنه امتاز عن سابقه وسابقه امتاز عن الأسبق وهكذا، نتيجة التحسن العام التدريجي، دون أن ننكر بعض المهام الجريئة التي أداها المالكي خاصة، لكن هذا لا يعطيه الحق انه القائد الأوحد والأصلح للبلد.
لقد اشتد الأمر على ابرز كتلتين فائزتين (العراقية ودولة القانون) إلى أن تتمسك الأولى بحق تشكيل الحكومة كونها الأكثر عددا ودولة القانون إلى التضامن مع الائتلاف الوطني لتشكل كتلة الأغلبية الساحقة. وأقرت المحكمة الدستورية شرعية الكتلة الجديدة الوليدة كونها الأكبر داخل البرلمان. وتمسك كل بحججه.
لا ادري ما فائدة أن تشكل كتلة العراقية quot;الحكومةquot; وهي لا تملك أغلبية في البرلمان، ما يعني تعذر بل استحالة تمرير أي قرار أو مشروع تقترحه أو تؤيده في ظل ضعف الوطنية وغلبة المصالح الحزبية والشخصية لأعضاء الأحزاب والكتل السياسية؟ سنشهد كل يوم استدعاء ومسائلة لوزرائها، وسحب الثقة، هذا إن منحت الثقة أصلا.
وما فائدة أن يتمسك المالكي أو مؤيدوه بحق تشكيل الحكومة في ظل رفض حلفائه في الكتلة المستحدثة في البرلمان؟ بدليل ترشيحهم لمنافس له وهو quot;عادل عبدالمهديquot;؟
الخلاصة أن ما يجري من تخبط وطمع بالسلطة حد ضرب إرادة الناخب العراقي عرض الحائط هو خارج إرادة الناخب العراقي، بحيث أصبح أمر تشكيل الحكومة في العراق ليس بيد الفائزين بالانتخابات أو أعضاء البرلمان عامة، إنما يقرره أعضاء الكتل السياسية ممن فشل بالانتخابات أو لم يشارك أصلا بها. وهذا خلاف إرادة الناخب العراقي، بالإضافة إلى آليات التنافس التي ستفضي أو لا تفضي إلى تشكيل حكومة وان أفضت فمتى يكون ذلك؟؟؟؟
أتحدى أي منجم أو quot;خبير في الشؤون السياسيةquot; أن يمتلك الإجابة.
باحث في علم الاجتماع: www.al-hashimi.blog.com
التعليقات