الحلقة الاولى

الحلقة الثانية

الإسلام في مجتمع متعدد الثقافات: دراسة تقارن وجهات نظر الشباب المسلم والهولندي من الدين
أضواء على مسألة الاندماج الاجتماعي للجاليات المسلمة في هولندا من خلال بعض الدراسات الهولندية 3-4

في الجزئين (الأول) و (الثاني) من هذه السلسلة، تناولنا مقدمة تمهيدية للموضوع وأعطينا لمحة تاريخية عن الوجود الإسلامي في هولندا وإحصائيات رسمية علمية عن تطور أعداد المسلمين في هذا البلد. وفي هذا الجزء قدمنا مفهوم الاندماج الاجتماعي باعتباره المطلب الرسمي والشعبي ومرواز التعايش والمواطنة بالنسبة للمهاجرين. قدمناه وفقا للجنة بلوك البرلمانية والتي استقته بناء على استطلاع جهات أكاديمية وعلمية وحكومية. وفي هذا الجزء (الثالث)، نقدم دراسة جامعة اوترخت الهولندية الموسومة quot; الإسلام في مجتمع متعدد الثقافات: وجهات نظر الشباب في روتردامquot; وquot; التقرير السنوي لجامعة ايراسموس روتردام حول الاندماج الاجتماعي للأقليات المهاجرة إلى هولنداquot;.

ثانيا: دراسة جامعة اوترخت الهولندية (Universiteit Utrecht):
الإسلام في مجتمع متعدد الثقافات: وجهات نظر الشباب في روتردام (Islam in de Multiculturele Samenleving: Opvatting van Jongeren in Rotterdam) (1)

أعد هذه الدراسة فريق بحث من جامعة اوترخت مؤلف من الدكتورة كارين فالت (Dr. Karen PHALET) والبروفيسور هان اينتزنغر (Prof. dr. Han ENTZINGER) والدوكتوراندس(2) كلاوديا فان لوترنغن (Drs. Claudia VAN LOTRINGEN).
هدف هذا البحث إلى استطلاع آراء عينات من الشباب الأتراك والمغاربة والهولنديين (الأصليين) في ثلاثة مواضيع رئيسية مهمة وهي هولندا، والإسلام، والاندماج، هذا بالإضافة إلى مواضيع فرعية ثانوية متعلقة. والبحث يهدف إلى تقصي تحديد الهوية وأولويات الهويات الفرعية لدى هؤلاء وموقع الإسلام من هذه. وقد كان حجم العينة 900 شاب مقسمة بالتساوي بين المجموعات الثلاث، ومراحلهم الدراسية. وجه فريق البحث لهؤلاء 100 سؤال ودلت نتائج البحث على مايلي:
إن الشباب المغاربة والأتراك ينتسبون للإسلام، ويسمون أنفسهم بالمسلمين. وإن 90% من هؤلاء الشباب يرتبط بالإسلام ارتباطا معنويا قويا، ومقارنة بحالة الشباب الهولندي فإن النسبة لا تصل إلى حد النصف بالنسبة إلى ارتباطهم بالدين. وإن ثلثا عينة الدراسة من الأتراك والمغاربة يرتبطون ارتباطا وثيقا بالإسلام ويعتبرونه هويتهم الأولى. وإن نسبة 4 % فقط من المغاربة و 9 % فقط من الأتراك يرون أن علاقتهم ليست قوية بالإسلام. كما أظهرت الدراسة أن ثلاثة أرباع الشباب التركي و56 % من المغاربة لا يلتزمون بأداء فرائض الإسلام الكاملة أو كما هو شائع من قبيل أداء الصلوات الخمسة يوميا وعدم الالتزام بصوم رمضان. وإن أقل من نصف عينة البحث من الأتراك والمغاربة يحاولون إتباع تعاليم الإسلام ويرون أنفسهم (ملتزمين دينيا)، وإن 60 % منهم يرون أن الإسلام يجب أن لا يكون له دور سياسي في الحياة، وفي نفس الوقت يرى ثلثهم أن الإسلام يقدم رؤية سياسية ووفقا لذلك ينبغي أن يكون له صوت مسموع، حاله حال الأديان الأخرى في البلد. وفي المقابل يرى 80 % من الشباب الهولندي في عينة البحث أن الدين مسألة شخصية ولا يتوجب أن يدخل في الحياة السياسية. واستنادا إلى نتائج البحث فإنه يوجد 1 % من المغاربة و 3 % من الأتراك إلى جانب 14 % من الشباب الهولندي من يعلق القضايا السياسية أو الاجتماعية على أسس أصولية، وهو مؤشر على وجود قلة أصولية في أوساط الشباب. وما يعزز هذه النظرة هو وجود نسبة 5 % من الشباب الأتراك ناشطين في منظمات أصولية إسلامية في هولندا ويكاد يغيب هذا الأمر لدى الشباب المغاربة حيث يقل استقطابهم في هذه المنظمات رغم شدة حماسهم. حيث أن استعدادهم للعمل من أجل الإسلام أو الدفاع عنه تصل إلى 60 % وفي صور شتى منها المشاركة بالمظاهرات وتقديم التبرعات والاحتجاجات. يقابل هذه النسبة، نسبة الثلث لدى الأتراك وهو أمر يمكن تفسيره بغلبة الطابع القومي لديهم حيث كشفت الدراسة عن أن حوالي ثلث العينة من الأتراك مستعد للتحرك من اجل الأمة أو القومية التركية.
وتظهر الدراسة أن نسبة واحد من 14 من الشباب المغاربة والأتراك مستعد لاستخدام العنف دفاعا عن الإسلام قبل قوميته، وان نسبة 15 % ينوي استخدام العنف. (3)
ومن نتائج البحث المهمة الأخرى هو تشخيص عملية الصراع القيمي أو الازدواجية الشخصية لدى الشباب المسلم والناجمة عن تفاوت السلوك والقيم بين الأسرة التي يعيشون في كنفها والمجتمع الأوسع وسلوكهم سلوكا مختلفا حسب المواقف المتطلبة.
وقد عبرت شخصيات هامة عن استيائها لتعرض الباحثين إلى مثل هذه الموضوعات التي تدخل في إطار الحرية الشخصية، وتمس طبيعة الحياة الخاصة للأفراد. فلقد ذكر الباحثون أن ثلثي الشباب المسلم من المغاربة والأتراك يعيشون داخل أسوار أسرهم وفق نمطية العادات والتقاليد الإسلامية، وإنهم يتمسكون بإصرار على أن يكون خال من ثقافة الآخر، بينما طرائق سلوكياتهم خارج المنزل تميل إلى التشبه أو الاندماج مع طبيعة الحياة الهولندية، والنتيجة أن الاندماج يقف أمام عتبة الدار. (4)
ورغم الانتقادات التي واجهتها هذه الدراسة من جانب بعض المعنيين وخاصة بعض قادة المنظمات والمؤسسات الإسلامية في هولندا وبعض المعنيين بشأن الاندماج الاجتماعي في هولندا،(5) إلا أنها تعد على قدر كبير من الأهمية وذلك نتيجة لضبطها المنهجي المدروس ورعايتها من قبل فريق أكاديمي متخصص وله باع في دراسة ظاهرة الهجرة والأقليات. كما أن أهميتها تأتي من ناحية تناولها لفئة الشباب ومن أكبر جاليتين مسلمتين في هولندا وهما الجالية التركية والجالية المغربية، إضافة إلى عينة مماثلة من أبناء البلد الأصليين ومقارنة بيانات وإجابات عينة الدراسة.
ولعل الاستفادة من هذه الدراسة لا تقتصر على الأطراف المعنية (الحكومة والجهات العلمية القائمة على الدراسة) فقط، بل إن قيادات الجاليات المسلمة والآباء معنيين بها. وذلك من أجل الوقوف حقيقة على واقع الوعي والانتماء والتبني الإسلامي لدى أبنائهم. وان يكون هذا الانتماء مبني على أسس إسلامية صحيحة بعيدة عن مخاطر التطرف التي تضر بالمسلمين قبل غيرهم، وخاصة أولائك المقيمين في المهجر.
إن التعايش في مجتمع متعدد الثقافات يقتضي قبول الآخر المختلف وعدم فرض عقيدتك ورؤيتك عليه، لاسيما إن كنت تنتمي إلى أقلية تعتبر quot;ضيفاquot; إلى حد الآن وتعتبر نفسها طارئة، لعدم اندماجها وتفكير العديد من أفرادها بالعودة إلى بلدانهم.
إن تعايش المسلمين مع المجتمعات والثقافات الأخرى التي تعتبر غريبة عليهم يأتي بالدرجة الأولى من خلال quot;فقه التعايشquot; الذي يراعي ظروف هجرة ومعيشة المسلمين مع هذه المجتمعات والتطور الذي بلغته في مجال الحريات الفردية. لذا تبقى الحاجة إلى وجود فقهاء ومشرعين يعيشون أصلا في هذه المجتمعات ومن أبنائها وليس من خارجها أي من الأوطان الإسلامية الأصلية الذين يحكمون بمنظار بيئاتهم الضيقة إن لم يكن حكمهم ينتمي إلى قرون خلت.


ثالثا: دراسة معهد البحث الاجتماعي- الاقتصادي (Instituut voor Sociologisch-Economisch Onderzoek) التابع لجامعة ايراسموس الهولندية (6)
التقرير السنوي حول الاندماج الاجتماعي للأقليات المهاجرة إلى هولندا

وهو تقرير بحثي أصدره صدره معهد البحث الاجتماعي- الاقتصادي (Instituut voor Sociologisch-Economisch Onderzoek) التابع لجامعة ايراسموس الهولندية. وقد هدف إلى وصف الاندماج الاقتصادي- والموقف الاجتماعي والثقافي لخمس من الأقليات المهاجرة الجديدة، وهي (الأفغانية والعراقية والإيرانية اليوغسلافية السابقة والصومالية).
اعتمد التقرير- البحث بصورة عامة على البيانات الإحصائية المتحصل على أغلبها من مكتب الإحصاء المركزي (CBS) الهولندي، ومقارنتها إضافة إلى الاستبيانات التي أفادت عملية البحث خاصة فيما يمكن وصفه بمقياس لعملية الاندماج الاجتماعي، والتي خلص فيها البحث إلى أن هذه الأقليات المشار إليها كمادة للبحث، أقل عزلة من تلك الكلاسيكية (إشارة إلى المغاربة والأتراك)، ولذلك فان حظها (الأقليات الجديدة) أفضل من تلك. وأن 60 % من هؤلاء قد التحقوا دورات (التأقلم أو التوطين) وهي جزء رئيسي في برامج الاندماج الاجتماعي.
ورغم أن معدل مستوياتهم التعليمية أقل من الهولنديين الأصليين، إلا أنها أعلى من نظرائهم في الأقليات الكلاسيكية، وإن المستويات التعليمية لأبناء هؤلاء لازالت دون مستوى المواطنين الأصليين، رغم أن صلتهم قصيرة نسبيا باللغة الهولندية، إلا أنهم يتكلمون بها بشكل جيد. وإن أصحاب المستويات التعليمية العليا من هؤلاء يتقنون اللغة الهولندية بشكل أفضل ولديهم تواصل أيسر مع الهولنديين الأصليين، ولذلك فإنهم الأكثر اندماجا في المجال الاجتماعي والثقافي. كما توصل التقرير إلى أن هؤلاء المهاجرين الجدد يشعرون بأنهم أكثر تقبلا من قبل الهولنديين مقارنة بنظرائهم من (المجموعات الكلاسيكية). كما أنهم يخضعون إلى مراقبة أقل للسجل الجنائي مقارنة بنظرائهم الكلاسيكيين. أما وضع النساء بالنسبة لهؤلاء الجدد فهو غير مناسب ومقلق.
إن ما حمله التقرير المبني على معطيات إحصائية وعلمية قد لا يكون مستغربا من ناحية تطور النخب المتعلمة من هذه الأقليات، لاسيما أنها في مرحلة تعلم اللغة، ولكن العقدة الأكبر التي ستواجههم هي في مواصلة تعليمهم أو إيجاد فرص عمل مناسبة لهم. هنا المشكلة الأكبر التي ستواجههم وتجعل اندماجهم ينتكس، ويعود بطيئا، خاصة وان معظمهم قادم من مجتمعات تقليدية مثل أفغانستان والصومال والعراق وإيران وما شاكلها. لذا تجد عوائقا كثيرة في طريق تحسن أوضاعهم المعتمدة على تطوير قدراتهم في اللغة وإيجاد فرص عمل وتقارب أكثر مع المجتمع وليس العزلة، التي تأتي بالدرجة الأولى على فئة النساء منهم. مع استثناء خاص لوضع الجالية الإيرانية التي تتميز بانفتاح كبير دائما، نتيجة لعامل رئيسي مهم هو أن أغلبية المهاجرين الإيرانيين يدعون تعرضهم للاضطهاد الديني، وإنهم لجأوا من أجل تحررهم من ذلك، وبهذا فهم يسعوا للبرهنة على ذلك رجالا ونساءا على السواء، ما ينعكس على تقبلهم وتحسن أحوالهم بسرعة.
على اية حال، بما أن البحث يعتمد اعتمادا يكاد يكون مطلقا على المعطيات الإحصائية، فإننا نرى أنه لا يخلوا من المثالب مثل أي عمل، رغم موثوقية ودقة البيانات الإحصائية هذه. وتكمن الإشكالية هنا في صدق البيانات المتحصلة من المبحوثين، خاصة فيما يتعلق بوجهات نظرهم وتوجهاتهم، فهي تعتمد في غالب الأحيان على تجاربهم الشخصية وأحكامهم المسبقة، واجتهاداتهم في تقديم إجابة يتصورون أنها مفيدة.
وعلى أية حال فإن قيمة البحث في البيانات الإحصائية الدقيقة هذه وفي شموليتها وسعتها ومقارنتها بين الأقليات المختلفة.


مختص بعلم الاجتماع: [email protected]
يتبع التكملة في المقالات اللاحقة


الهومش والمراجع:

Phalet, K Van Lotringen, C Entzinger, H, Islam in de multiculturele samenleving: Opvattingen van jongeren in Rotterdam' by ERCOMER Research papers 2000/01 ERCOMER, Utrecht University, The Netherlands, 2000.
2 الدوكتوراندس (doctorandus) وتختصر (Drs.) هي لقب علمي يمنح لحامل شهادة الدوكتورال (doctoraal) الهولندية وهي تعادل شهادة الماجستير في العالم العربي والأنظمة العالمية الأخرى.
3 يجدر هنا الإشارة إلى حادثة مقتل المخرج الهولندي فان خوخ التي قام بها شاب مغربي في 2-11-2004، نتيجة لانتقاداته اللاذعة للإسلام. وقد عكرت هذه الحادثة صفو الاستقرار والتعايش بين المسلمين والمجتمع الهولندي ونجم عنها بعض حوادث الاعتداء ضد مؤسسات دينية إسلامية وبعض الكنائس الهولندية، وهو لا يعكس موقفا عاما بقدر ما يعكس مواقف بعض المتطرفين من كلا الطرفين. القضية أثارت أيضا موضوع الاندماج الاجتماعي وتقييمه باستمرار لدى الأوساط الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني الهولندية.
4 الساعدي، سبق ذكره، ص ص 100-101
5 من هذه الشخصيات: وزير الاندماج بوكستل (Boxtel) ويان رايبسترا (Jan Rijpstra) أحد أعضاء البرلمان الهولندي، والهان عقل (Ilhan Akel) مدير المركز الهولندي للأجانب، هذا إضافة إلى رئيس الاتحاد الفيدرالي الإسلامي التركي، ورئيس المجلس الإسلامي الهولندي، ورئيس منظمة الشباب المسلم الهولندي. للمزيد من الاطلاع، راجع: الساعدي، محمد، الجيل الإسلامي الثاني في الغرب: هولندا نموذجا، ط1، نشر دار الهدى، قم، إيران، 2003، ص ص 101- 105.
6 Instituut voor Sociologisch-Economisch Onderzoek, Erasmus Universiteit, Rotterdam, Jaarraport Integratie 2004, 1-10-2004.