بقدر ما تمنح من فرص للجاليات المهاجرة إلى بلدان أوربا الغربية، فإن هناك آفاق تضيق عليهم، لعل أبرزها ما يتعلق بالجانب الديني من الثقافة. فهذه البلدان لا تمنح فرصا مجانية إنما لها حساباتها لا شك، بغض النظر عن المبررات الظاهرة لمنح اللجوء والإقامة للمهاجرين. فمن أهداف بلدان المهجر هذه، إعادة التوازن للهرم السكاني (الديموغرافي) الذي بات مقلوبا، حيث فئات كبار السن أوسع من الفئات الشبابية والأطفال، عكس ما موجود في البلدان النامية. إضافة إلى دواع الاستفادة من بعض الكفاءات والأيدي العاملة التي تحتاجها هذه البلدان. وتأمل في الحصول على أجيال من خلفيات ثقافية متعايشة طابعها العام هو الثقافة والهوية الغربية. وان تخلص لوطنها الذي ولدت ونشأت فيه، أي من الجيلين الثاني والثالث وما بعدهما.
ولكن يبقى العائق الرئيسي في جانب الثقافة هو ذلك المتعلق بالعقيدة، وان كانت تهيمن عليها التقاليد الاجتماعية.
فالحجاب بالنسبة لأغلب المسلمين مثلا يعتبر رمزا دينيا وهوية ثقافية محورية. ولكن علينا هنا أن نميز بين الحجاب والنقاب أو البرقع. فالحجاب هو غطاء الرأس للمرأة المسلمة ويمكن أن يشمل حتى النقاب الذي هو عبارة عن برقع يغطي كامل الوجه ما عدى العينين. وهذا الأخير ظهر في شبه الجزيرة العربية وخاصة السعودية. ويقرنه البعض بالمذهب الوهابي الذي يعتبر أشد راديكالية وتطرفا من المذاهب والحركات الإسلامية.الأخرى.
بصورة عامة تعبر أنواع الحجاب عن واقع اجتماعي أكثر مما هو ديني. فالمبالغة في الحجاب لا تعكس بالضرورة درجة التدين أو الالتزام الديني. إنما درجة حضور المرأة في المجتمع وهكذا يمكنك النظر إلى الحجاب جغرافيا واجتماعيا وليس دينيا.
إن القانون الذي تم إقراره في بلجيكا هو quot;قانون حظر النقاب/البرقعquot; في الأماكن العامة والدوائر الرسمية طبعا. إذن هو حظر للنقاب وليس الحجاب بصورة عامة.
وهو نفس القانون الذي يروج له ومن المتوقع أن يتم إقراره في باقي بلدان أوربا الغربية وربما يصل حتى إلى بعض الدول العربية والإسلامية في المستقبل القريب، في ظل وجود تيار متطرف يقترن به هذا النوع من الحجاب. فهناك دول مثل تونس وتركيا تحظر ارتداء الحجاب عامة في المؤسسات الرسمية، وتحديدا في المؤسسات التعليمية منها. وتصر الحكومة التونسية على أن أنواع الحجاب الأخرى غير الحجاب التقليدي التونسي، يعتبر مستوردا وطارئا على ثقافتها، ويرمز إلى التطرف الذي يهدد الأمن والاستقرار في البلد.
الحجاب الإسلامي المعروف الذي لا يغطي الوجه إنما الرأس فقط، يمكن أن يقبل في أوربا لأنه يقارب غطاء الرأس لدى الراهبات، ولكونه لا يخفي معالم الشخصية إلى حد كبير مثل البرقع أو النقاب. فهذه المجتمعات بات لديها شك وتحفظ كبيرين على الإسلام، وفوبيا من الرموز الدالة على التطرف وخاصة ما يقترن بالإسلام.
وإن البرقع يخفي معالم الشخصية وربما لا يمكنك التفريق بين رجل وامرأة، فما بالك بشخص مشتبه وآخر مطلوب للعدالة وما إلى ذلك، فضلا عن دواع الهوية الثقافية لهذه المجتمعات ومطالب الاندماج الاجتماعي الذي تنادي به وتنفق عليه الأموال، وتأمل من ورائه خلق استقرار وسلم أهلي.
أما عن ردود أفعال الجاليات المسلمة في الغرب، فهي غير موحدة بل معظمها غير مكترث، طالما أنه يتعلق بالنقاب، والناس المعنية فيه قلة، نتيجة قلة النساء اللائي يرتدينه. رغم أننا شهدنا بعض المظاهرات في فرنسا مثلا، التي لم تكن كبيرة ومؤثرة إلى درجة فاعلة. وربما نشهد ردود الفعل من خارج أوربا أكبر منها في داخلها. لان مصادر الفتاوي والقرار وحتى التمويل لمعظم التنظيمات والحركات الإسلامية المنظمة في أوربا هو من خارجها.
هناك مخاوف من قبل بعض الفاعلين وأفراد الجاليات المسلمة في أوربا من أن يكون قانون منع النقاب تمهيد لمنع الحجاب. ولكن من وجهة نظر شخصية أرى أن حصل قانون مماثل لحظر الحجاب عامة في أوربا فسيكون مقتصر جدا على أماكن خاصة محددة مثل الدوائر الرسمية والمؤسسات التعليمية حصرا ولا يمكن أن يشمل الأماكن العامة، لان ردود الأفعال ستكون كبيرة هنا لشموليته.
أضف إلى ذلك، أن قانونا مثل هذا يعني أن يشمل الرموز الدينية لكافة الأديان وهو ما يلاقي ردود أفعال اكبر واشمل وليس حصرا على المسلمين.
باحث في علم الاجتماع: www.al-hashimi.blog.com
التعليقات