لم تتوحَّد القارة الأوروبية، كحالة مستقرة ودائمة، منذ عهد الرومان كما توحدت اليوم تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

فقد ضم الاتحاد حتى الآن 27 دولة، ورغم ذلك، ظل هذا التكتل الضخم متكئاً عسكرياً واقتصادياً على الولايات المتحدة الأميركية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تراجعت القوى الأوروبية التقليدية، كفرنسا وبريطانيا، لصالح قوى جديدة أكبر وأعظم، كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي.

قدمت الولايات المتحدة، لأوروبا المنهكة من الحرب، مشروعاً اقتصادياً طموحاً، عرف بمشروع مارشال، لإعادة إعمار القارة. كان هذا هو الهدف المعلن، إلا أن أهدافاً أخرى أكثر أهمية كانت تقف وراء هذا الدعم السخي، كان أكثرها إلحاحاً وقف تقدم العملاق السوفييتي نحو القارة وقضمه المزيد من الأراضي.

لقد اعتمدت أوروبا، طوال سنوات الحرب الباردة، على الولايات المتحدة الأميركية، وقد أضر هذا كثيراً باستقلالية القرار الأوروبي.

اليوم، تجد أوروبا نفسها أمام مفترق طرق، خاصة فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية الروسية، والإشارات الواردة من واشنطن ما زالت غير مطمئنة.

عقب المشادة الكلامية غير المسبوقة والمبررة بين الرئيسين ترامب وزيلينسكي، صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية كايا كالاس: "نحن بحاجة لتسليح أوروبا بشكل عاجل"، ثم أعقبت: "الاتحاد الأوروبي سيكثف دعمه لأوكرانيا حتى تتمكن من محاربة المعتدي".

إقرأ أيضاً: غزة وترامب وخروتشوف

وقد توالت عدة تصريحات من هيئات وأحزاب أوروبية أخرى تصب في ذات الاتجاه.

بحكم الواقع الجيوسياسي، فأوروبا أكثر استشعاراً للخطر الروسي من الولايات المتحدة الأميركية.

ترامب يدرك هذه الحقيقة، وهو يمارس ابتزازه السياسي والمالي بناءً على هذا المعطى.

إنه يريد من دول القارة مشاركة مالية أكبر في ميزانية الناتو، ويريد من القارة والدنمارك خصوصاً جزيرة غرينلاند، ويريد أيضاً نصف ثروات أوكرانيا من المعادن الثمينة، وإلا سوف تترك أوكرانيا لمواجهة مصيرها أمام القوة الروسية الهائلة.

لا أحد في أوروبا يريد لزيلينسكي وأوكرانيا مصيراً مشابهاً لميخائيل ساكاشفيلي، الرئيس الجورجي السابق، الذي تُرك وحيداً في مواجهة روسيا، والتي سرعان ما قضت على طموحاته نحو الناتو والغرب، وانتهى به المطاف سجيناً ومجرداً من كامل صلاحياته.

إقرأ أيضاً: ترامب وشراء غزة!

إذا ما قُدّر وواجهت أوكرانيا مصيراً مشابهاً لمصير جورجيا، فإنها مسألة وقت حتى تبدأ أحجار الدومينو بالسقوط، الواحدة تلو الأخرى، في أحضان الدب الروسي.

وهذا ما يفسر تصريحات حكيم جيفريز، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي، بقوله: "وقوفنا بجانب أوكرانيا يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة".

فهل سيستمر ترامب في ممارسة سياسة حافة الهاوية، أم أنها سياسات براغماتية محسوبة بدقة؟