دوماً ما تكون عملية التحول الديمقراطي، أكثر تعقيداً في بداياتها، لأنها تمثل انتقالاً من نظام استبدادي شمولي، إلى آخر ديمقراطي أساسه الحرية.
لذلك فهي تحتاج إلى قاعدة قانونية وسياسية، يشارك في تأسيسها كل أطياف المجتمع، لبناء هيكل إصلاحي متين، يساهم في إقامة دولة حديثة، تعتمد على مبادئ العدالة والمساواة.
من أوائل نماذج هذه العمليات في الشرق الأوسط، كانت عملية التحول الدراماتيكي التي حدثت في العراق، حين بدأ التحول الديمقراطي منذ تشبث الشعب بأمل جديد، بعد إنهاء العهد الاستبدادي وتبلور مسار الإصلاح السياسي والاجتماعي، على عاتق تجربة ديمقراطية، وضع العراقيون الآمال فيها، لإرساء دولة عصرية عادلة، لا فرق فيها بين شيعي وكردي أو سني، فالكل سواسية تحت خيمة العراق.
منذ انطلاق أولى خطوات العملية الديمقراطية، ظهرت الحاجة الملحة إلى وضع نظام سياسي، يكرّس حقوق المواطن ويعزز مشاركة كل فئات المجتمع، خاصة المكون الشيعي الأكبر، لأن الديمقراطية ليست مجرد آلية انتخابية، وإنما هي رؤية شاملة تقوم على بناء مؤسسات قوية، لتكون تأكيداً على مبدأ الوحدة الوطنية.
إقرأ أيضاً: من الدبلوماسية إلى السوقية
لكن لكل بداية كبيرة هناك تحديات خطيرة، واجه وطننا مشاكل كبيرة، أبرزها تفكك قرار القوى الشيعية، كما امتدّ أيضاً إلى مواجهة تحدي الطائفية، ووصل الحوار السياسي إلى طريق مغلق، والدماء انتشرت في التقاطعات، وليس هناك منبر يفكر بالعراقيين، وصار الكل يتساءل، ماذا سنفعل؟!
كان هناك رجل قاد أهم محطات العراق بعد التحول الديمقراطي، والذي أخذ على عمامته هذه المشاكل لحلها، ومثلت حياته مسيرة مذهلة عجيبة، هو السيد عبد العزيز الحكيم قدس سره، والذي كان له الدور الكبير، في حفظ حقوق المكون الشيعي، حيث رفض قرار (الثلث أثلاث) الذي كان يطبخ في دول الجوار، وأصر بتوجيه من المرجعية ودعمها على كتابة الدستور بأيد وطنية، وأن يكون لكل عراقي صوت، وهذا يعني الحفاظ على حقوق الشيعة داخل قبة البرلمان.
لم تقتصر مساهماته على الداخل فقط، بل امتدت إلى المحافل الدولية، حيث زار الراحل عزيز العراق، البيت الأبيض في واشنطن، في خطوة دبلوماسية استراتيجية، هدفت إلى بناء حوار شامل وفعال مع المسؤولين الأميركيين، والتي اعتبرت من أهم الخطوات لتثبيت دعائم النظام، وكانت بمثابة جسر ربط بين العراق والمجتمع الدولي، والذي سعى إلى دعم التحول الديمقراطي، كما أكدت هذه الزيارة، على أهمية التواصل مع القوى العالمية، لضمان حماية حقوق المكون الشيعي الذي يشكل الأغلبية في البلاد.
إقرأ أيضاً: الرهان على الفوضى
ساعد هذا الحوار الدولي في تثبيت أركان الحكم الديمقراطي، وكان تأكيداً على أن الأصوات العراقية متساوية، كما جاء في دستور 2005، وخاصة تلك التي طالما تم تهميشها. أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من السياسات الوطنية والدولية.
هكذا، حمل السيد عبد العزيز الحكيم قدس سره الشريف، على عاتقه مسؤولية قيادة التحول الديمقراطي في العراق، مجسداً روح النضال والإصرار على تجاوز كل العقبات، سواء كانت داخلية أو خارجية، واستطاع من خلال رؤيته الحكيمة وجهوده الدؤوبة، أن يحول العراق لنموذج ينطلق من أسس ديمقراطية متينة، تتحدى طوفان الأنظمة غير الديمقراطية في المنطقة، وتضمن مستقبلاً مشرقاً، يقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمشاركة الشاملة.
كان الرجل يبدو غريباً بطروحاته أحياناً، وسط الكم الهائل من الطروحات الآنية وقصيرة النظر حينها، وسيل المشاريع والأجندات الخارجية، التي حاولت رسم عراق كما تريده هي، بحالة ذكرتنا بغربة نوح النبي، عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات، حينما أراد بناء سفينة وسط الصحراء. لكن كان يسير بأمر حكيم خبير، وما اهتم للمرجفين والمكذبين، ومن استهدفه وشتمه وعمل لتسقيطه، كان واضح البصيرة، ثابت الجنان أمام كل العواصف.
التعليقات