السياسات والحروب الاستعمارية تنشأ دائماً على مفهومين بسيطين: التوسع والسيطرة على أراضي الغير.
في نهايات القرن التاسع عشر، طور القوميون الألمان مفهوماً جيوسياسياً استعمارياً جديداً حمل اسم "مساحة العيش".
تم دعم الشكل الأكثر تطرفاً لهذه الأيديولوجيا من قبل الحزب النازي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
في كتابه "كفاحي"، تحدث الزعيم النازي أدولف هتلر عن مساحة العيش أو المجال الحيوي، وكانت الفكرة ببساطة تقوم على الاستيلاء على أراضٍ جديدة وطرد سكانها الأصليين أو حتى إبادتهم إذا اقتضت الحاجة.
رأى هتلر أن ألمانيا تختنق داخل حدودها وداخل بنود معاهدة فرساي، لذلك لا بد من مساحة عيش جديدة تستحقها الشعوب الجرمانية العظيمة.
لقد تحدث هتلر صراحة عن أنَّ قدر ألمانيا هو التوسع شرقاً، ورأى في مساحة الاتحاد السوفييتي الهائلة هدية لا تستحقها الشعوب السلافية، الأقل تطوراً من الناحية العرقية.
لم يعبأ السوفييت ولا الغرب بهذه النظريات النازية شبه الخيالية، وقد يكونون في أحسن الأحوال نظروا إليها كنوع من الدعاية الانتخابية الموجهة للداخل الألماني لا أكثر، لذلك ظل الاتحاد السوفييتي يمد النازيين بكل احتياجاتهم من المواد الخام الضرورية لاستمرار الحرب في الجبهة الغربية حتى آخر يوم قبل الغزو الألماني الكبير ضد روسيا.
إقرأ أيضاً: يلعن روحك يا حافظ
لقد تساهل العالم مع هتلر، وعندما طالب بمزيد من الأراضي، وُلد ما عُرف بسياسة الاسترضاء، والتي أعطته المزيد من الأراضي على حساب الشعوب الضعيفة.
لكن هذا كله لم يكن ليوقف هتلر ولا النازيين عند حد، وحين عجز عن أخذ ما أراده سلماً، أخذه حرباً، مما أشعل فتيل الحرب العالمية الثانية.
اليوم، يبشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب برغبته في المزيد من الأراضي، ويدعو لشراء غرينلاند وقناة بنما وضم كندا، وأخيراً أعلن أنه ملتزم بشراء قطاع غزة!
لقد تأسست الولايات المتحدة على مبادئ وقيم عظيمة نادت باحترام حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، وتقديس الحريات العامة والفردية، والأهم من هذا كله، النأي بهذه الأمة الوليدة عن كل الصراعات الدولية. واعتمدت رؤية الرئيس الأميركي جيمس مونرو، والتي عُرفت لاحقاً بمبدأ مونرو.
إلا أن هذا كله أصبح الآن من الماضي، والمناخ السياسي الأميركي لم يعد كما كان قبل الحرب العالمية الثانية.
إقرأ أيضاً: الإدارة السورية الجديدة
بلا شك، يعد ترامب واحداً من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ السياسي الأميركي.
سبق أن قال المفكر الأميركي وعالم اللسانيات نعوم تشومسكي:
"إنَّ المناخ السياسي في أميركا أضحى خصباً لصعود شخصيات مستبدة".
فهل سنشهد دورة عنف عالمية جديدة، يكون عنوانها هذه المرة الاستيلاء على أراضي الغير أو مساحة العيش المفترضة؟!
التعليقات