من العار أن يبقى شخص أمي في بيت فيه متعلم: مقترحات غير تقليدية لمحو الأمية

اعتقد أن لا حاجة لي ولكم بسرد عدد من الإحصائيات المتعلقة بأعداد الأميين في العالم العربي والإسلامي، ومقارنتها بأقاليم وبلدان العالم الأخرى. وذكرى منحنيات التقدم أو التأخر في محاربة الأمية، فذلك موجود في منابر عديدة ويكفي القارئ أن يبحث عنها في أحد محركات البحث على شبكة الانترنت فيجد ما يذهله أو يخيب أمله.
لذا بودي أن اختصر فآتي من مدخل يبين كبر الفارق بين الشخص المتعلم أو الذي يجيد القراءة والكتابة على الأقل والشخص الأمي. ذلك الفارق الشاسع إلى درجة تمت مقارنته بالنور والظلمة، فقيل quot;العلم نور والجهل ظلامquot; وهذا الوصف لم يبعد إلى درجة التعمق في العلم والمعرفة بمقابل الجهل بهما، إنما شيع أنه وصف لإجادة القراءة والكتابة باعتبارهما جسر ومنطلق إلى العلم والمعرفة، وبالتالي فإن الجهل بهما هو ظلمة وعتمة.
ولشدة تقدير القراءة والكتابة، فقد عمد نبي الإسلام محمد بن عبدالله (ص) إلى الطلب من المتعلمين من أسرى معركة بدر أن يعلم كل منهم عشرة من المسلمين، ليكون ذلك فدية لهم ليتحرروا من الأسر. ولعمري فإن هذا منهج علمي عظيم يمكن أن يخط مسارا كبيرا ومهما في حياة أية امة من الأمم. فلو تم تطبيقه في مناح عديدة من حياتنا مثل فرضه على السجناء المتعلمين كي يعلموا اقرأنهم الأميين في السجن، بمقابل تخفيف العقوبة عنهم أو منحهم بعض التسهيلات والامتيازات، فإن ذلك سوف يؤت ثماره في أكثر من جانب، فبالإضافة إلى محو أمية البعض من السجناء، ومنحهم آفاقا أوسع بل حياة جديدة خاصة بعد خروجهم من السجن، ما يعني احتمال ابتعادهم بدرجات كبيرة عن العودة إلى السلوك الذي أودى بهم إلى السجن، بالإضافة إلى فتح آفاق لأسرهم ومحيطهم الاجتماعي، كذلك فإن مردوده على السجناء المتعلمين الذين يؤدون دور المعلمين سوف يشعرهم باعتداد نفسي واجتماعي بشخصياتهم ما يجعلهم يفكرون في تحسين سلوكهم وتوسيع احتمالات عدم عودتهم إلى السجن، إضافة إلى تحسين سلوكهم داخل السجن، وخلق علاقات اجتماعية جيدة بين السجناء الذين تربطهم علاقة التعليم هذه.
وهكذا يمكن أن تعمم مثل هذه السنة والمنهج في الحياة العسكرية مثلا حيث يقوم المتعلمون بتعليم اقرأنهم من الأميين وكذا العمال في المؤسسات التي تقتضي مبيتا في موقع العمل مثلا حيث يتوفر وقت كاف للالتقاء والعيش المشترك.
وإذا كنا قد انطلقنا في الموضوع من علاقات الآسر والأسير والسجناء والعسكريين والموظفين وغيرها من علاقات المهنة والنزل الإجباري وما شابهها، فالأولى الحديث عن علاقات الرحم والتزاماتها الكبيرة تجاه موضوع عظيم مثل هذا، فهلا لابن أن يعلم أباه، أمه، أخاه، أخته، احد أقربائه، على الأقل ممن يعيشون معه تحت سقف واحد؟؟
فمن العار أن يبقى شخص أمي في بيت فيه متعلم. ترى كم هي مسؤولية وأمانة كبيرة تقع على عاتق المتعلم وكم هو فضله كبير حينما يعلم ذويه وينير طريقهم؟ وكم من فضل وامتنان ومودة سوف يحملونها له؟ وبالتالي كم ستكسب مجتمعاتنا في حربها على الأمية جراء مثل هذا النهج سواء في صفوف الأسرة أو المؤسسات المهنية والعسكرية والسجون التي تسمى أحيانا quot;إصلاحيةquot;.؟
اعترف أنني اشعر بالذنب والعار ذلك إنني لم اعلم والدتي القراءة والكتابة، في وقت كانت لديها رغبة شديدة للتعلم ومشاركتنا دروسنا البيتية. والدتي السيدة الثمانينية الآن تملك من الرغبة في التعلم بحيث لديها جهاز موبايل وتستطيع التفاعل مع التكنولولجيا هذه على الأقل الاستفادة الأساسية في الرد على مكالماتنا. لم أكن الابن الوحيد لها بل الوسيط في مجموعة من الأولاد والبنات كلهم متعلمون وبعضهم نال شهادات عليا. لم ندرك قيمة أن نجعلها ترى النور ونرد لها فضل حملنا وتنشئتنا، وبالنتيجة لتلعب دور الأم المتعلمة المسؤولة عن تربية أبنائها.
من المؤسف أن هناك عقد اجتماعية لدى جيل الآباء وكبار السن تجاه الأبناء ما ينعكس سلبا على مسألة تقبلهم أن quot;يتتلمذواquot; على أيد أبنائهم. فالسلطة الأبوية، تمنع الأب من أن يكون بمنزلة يتصورها أدنى حينما quot;يمليquot; عليه ابنه الصغير السن عادة مبادئ القراءة والكتابة، ويأبى أن يكون بمنزلة quot;أدنىquot; من إبنه. ولكن لو حققنا نسبة معقولة في ظل حملة تقودها الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وتشيعها وسائل الإعلام بعد أن تتم دراستها ووضع خطط وآليات لها شعارها quot;محو الأمية بطرق غير تقليديةquot; أي ليست بالطرق التقليدية التي تقتضي حضور الأميين إلى صفوف دراسية، وخضوعهم لضوابط تلاميذ المدارس، التي يأنف بعضهم للأسف من الخضوع لها، ويتحجج بشتى الحجج من أجل عدم الحضور حتى لو كان إلزاميا، ناهيك عن الاعتبارات الاجتماعية في بعض مجتمعاتنا الريفية والتقليدية ومنها رفض حضور الفتيات إلى صفوف التعليم، أو ربما الموقف من تعليم المرأة برمته. هذا فضلا عن بعض المقولات السلبية الموروثة من قبيل quot; بعد ما شاب ودوه الكتابquot;. إذن يمكن تجاوز أغلب هذه العقبات من خلال تشجيع هكذا نهج وهكذا حملة مرافقة للتعليم التقليدي لمحو الأمية. ويمكن تنشيط ذلك وتشجيعه من خلال رصد جوائز مالية مثلا للأبناء والأزواج والأقرباء والأصدقاء الذين يثبتون أنهم قد ساهموا بمحو أمية ذويهم.
نفس هذه القاعدة يمكن أن تعمم في مجالات محو quot;أمية التكنولوجياquot; مثل استخدام الكومبيوتر والانترنت، فلنساهم بمحو أمية ذوينا في هذا المجال.
إن الشعوب لا تتقدم إلا بالتعليم، فهو سلاح لمواجهة الأمراض والسلوك الاجتماعي المتخلف والفقر بل وحتى الإرهاب. لنعمل مرصدا سنويا لحالات محو الأمية التي تتم بمبادرات فردية أو مؤسسية يمنح شهادات اعتبارية وتكريم مادي أو حتى معنوي بسيط لمن ينشط في مثل هذه المجالات ويحقق مثل هكذا انجازات.
باحث في علم الاجتماع:
www.al-hashimi.blog.com