في ظل الصراع السلمي الذي يشهده العراق الآن والمتمثل بالانتخابات البرلمانية، برز ما يشد الانتباه من تنافس شديد وتقدم متقارب بين كل من رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي. وهناك ميزتان لتفوق كل من المرشحين البارزين وهما ما يمكن وصفه بـquot;الأصوات العمودية والأصوات الأفقيةquot;.
فالأصوات العمودية هي رصيد المرشح الشخصي، وهنا التفوق للمالكي حيث جمع (622.961) بينما جمع منافسه إياد علاوي (407.537) في دائرتهما الانتخابية ببغداد، وذلك وفقا للنتائج النهائية الرسمية المعلنة من قبل المفوضية المستقلة للانتخابات، ما يعني تفوق المالكي بمجموع الأصوات الفردية وبفارق 215.424 وهو فارق كبير لا شك. أما في معيار أصوات القوائم الانتخابية، وهو ما نطلق عليه quot;الأصوات الأفقيةquot; أي عدد المقاعد، فإن قائمة إياد علاوي quot;العراقيةquot; قد تفوقت بفارق مقعدين حيث حصلت على 91 مقعدا، مقابل 89 لغريمتها دولة القانون التي يقودها المالكي. ولكنها استطاعت أن تكسب رهان أكثر قائمة تحقق مكاسبا على اتساع رقعة العراق الجغرافية مع استثناء محافظات إقليم كوردستان العراق الثلاث (اربيل، سليمانية ودهوك). وهذا يعني أن القائمة أصبحت quot;عابرةquot; للحدود الطائفية والجغرافية وان كانت وهمية.
إذن كل منهما حقق مكسبا وميزة وكسب جولة، ولكن من هو الأحق بقيادة العراق في المرحلة القادمة؟؟؟
هناك من يرى أحقية المالكي بتشكيل الحكومة باعتبار عدد الأصوات quot;العموديةquot; التي حصل عليها، أي بمعيار جمع اكبر عدد من الأصوات، فانه أكثر شخص مؤهل وذو شعبية من السياسيين المرشحين. فيما يذهب الطرف الآخر إلى أن ميزة الأصوات quot;الأفقيةquot; تعطي علاوي أحقية وquot;شرعيةquot; تشكيل الحكومة باعتبار quot;جغرافيةquot; قائمته التي شملت أغلبية محافظات العراق. ورغم الأصوات التي حصدها المالكي كشخص، إلا أنها لا تكفي ولا تعطي شرعية لتشكيل الحكومة، فهي ليست استفتاءا أو تصويتا على شخص رئيس الوزراء رغم أهميتها، لأنها اقتصرت على محافظة بغداد فقط، حيث رشح المالكي نفسه.
المالكي راهن على ما حققه طيلة فترة رئاسته للحكومة الحالية، من تقدم في مجال الأمن، ويراهن مؤيدوه على خبرته التي اكتسبها من خلال التجربة الماضية التي قوت صلابة عوده، ودرجة مقبوليته لدى الولايات المتحدة الأميركية كحليف معتدل يستطيع الإقناع إلى حد كبير. وان الإخفاقات التي مرت بها حكومته في المرحلة الماضية، ما هي إلا نتاج المرحلة كتحصيل حاصل حيث صراع العراق ضد قوى الإرهاب من جهة وتناقض رؤى وتوجهات تشكيلة حكومته غير المتجانسة حيث شكلت على أسس توافقية تحت مسمى quot;حكومة وحدة وطنيةquot;، ما افقد المالكي السيطرة عليها وافقدها طابع روح الفريق في العمل.
أما عن ميزة إياد علاوي فيما حصدت قائمته من أصوات أفقية، فرغم أن ليس كل من صوت لقائمة علاوي قد صوت بالضرورة لعلاوي نفسه، إنما السبب هو حتمية التصويت لمرشح ما في أي محافظة تقتضي ضرورة التصويت لقائمته. ولهذا فان أصوات المرشحين الفائزين قد ذهبت إلى قوائمهم آليا، لكن ذلك لا يلغي ميزة جمعه لهذه القوى والشخصيات التي quot;لبستquot; رداء الوطنية بعد أن خلعت رداء الطائفية والمحاصصة الذي اشتركت به معظم وجوه العملية السياسية في المرحلة المنصرمة.
من الأمور التي يراهن عليها أنصار علاوي فيما لو استطاع تشكيل الحكومة القادمة، هي تحسين علاقات العراق مع دول الجوار عامة والعربية منها خاصة، ما يعني تحسن الوضع الأمني بالضرورة، باعتبار الاتهامات التي توجه إلى بعضها والحاجة إلى دعمها. كذلك الحاجة إلى التغيير والتجديد في السلطة التنفيذية العراقية، ما يعني أن على علاوي التخلص من تركة الوزارة السابقة التي شكلها في الحكومة الانتقالية والتي خلفت عددا كبيرا من تهم الفساد والملاحقات القانونية لوزراء مهمين فيها. على علاوي الآن أن يكون أكثر دقة في اختيار الوزراء الكفوئين والنزيهين للتخلص من ارث ذلك الماضي القريب.

الخلاصة التي نصل إليها أن لكل من الشخصين شرعية وميزات يتمتع بها، تمنحه حق تشكيل الوزارة مثلما لأي عضو برلمان آخر الآن هذا الحق شرط أن يحقق كتلة برلمانية أو ائتلاف كتل يدعمه أو أن يحظى بتوافق ورضى الأغلبية في البرلمان.
الشئ الذي يجب أن يتذكره الجميع ممن يخشى تكرار عودة المالكي إلى السلطة، أو وصول علاوي إليها أو أي غيرهما، هو أن العراق الآن لا يحكمه شخص واحد، حيث تعددت مصادر القرار، وان ادعاء خدمة العراق لا تأتي من خلال رئيس وزرائه أو رئيسه، إنما ممكن أن يكون من داخل قبة البرلمان. لان عضو البرلمان يساهم في التشريع ويصادق على القرارات ويمنح الثقة للرؤساء ويسحبها منهم ويستدعي الوزراء وكبار الموظفين والقادة وحتى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
لذا لا خشية من دكتاتورية وتسلط واستبداد بالقرارات أو تمسك بالسلطة، ومرحبا بكل من يحظى بثقة أغلبية مهما كانت أو توافق، شرط أن يعمل لخدمة البلد

باحث في علم الاجتماع: www.al-hashimi.blog.com