بات العالم يشكل وحدة واحدة في هذا العصر، ولم تعد تفصله الحدود كثيرا مثلما هو عليه الحال من قبل. بل لعل الشعور بالإنتماء إلى هذا العالم الواحد هو الذي يذيب الحدود والحواجز النفسية. فأنت تشعر بانتمائك إلى العالم بحكم المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية العامة بغض النظر عن انتماءات الآخر الفئوية ورغم اختلافه عنك في الدين أو العرق أو المذهب أو الرقعة الجغرافية. ناهيك عن التأثيرات الصحية والثقافية التي يمكن أن تنتقل بسرعة من منطقة إلى أخرى بحكم التجسير المستمر للحدود والحواجز التي كانت تفصل بني الكرة الأرضية عن بعضهم بحكم وسائل الإتصال السريعة وتكنولوجيا الإعلام والإتصال. فلم تعد حتى الحوادث الصغيرة التي تحصل في أماكن منعزلة من العالم بمنأى عن اطلاع الآخرين عنها.
أسوق هذه المقدمة لأنبه إلى المأساة الكبيرة التي يتعرض لها شعب الصومال المسلم الذي يعاني من انعدام الأمن والفقر والتردي الصحي والحرمان من فرص التعليم والخدمات الأساسية والعشوائية الإدارية والحرب الأهلية منذ انهيار حكومة محمد سياد بري وحتى الآن.
ولعل أخطر مرحلة يمر بها هذا الشعب الطيب، هي المرحلة الحالية التي جاء الدور فيها على quot;الجماعات الإسلاميةquot; لتختبر إيمانها وخبرتها وعقيدتها في تلك الأرض. هذه المرحلة التي يتصيد العالم فيها أية زلة وأية هنة على الإسلام والمسلمين، فإذا بنا نطلع صبيحة هذا اليوم (الاثنين 14-12-2009) على ما سمي بحكم تطبيق الحد على quot;زانيةquot; بالجلد quot;وزانيquot; بالرجم بالحجر حتى الموت في قرية quot;افاغول Avagolquot; الصومالية، وبالمناسبة فان هذه الحادثة ليست الأولى بل سبقتها حوادث أخرى مماثلة.
لا نريد أن ننكر هذا الحكم الذي طبق في مراحل تاريخية من حياة الدولة الإسلامية ولكل مرحلة ظروفها، ولكن لا شك أن لكل حكم شرعي شروطه ومقومات الحاكم الشرعي الذي يقره، والمجتمع الذي تطبق فيه وظروفه. فقد اشتهر عن الخليفة عمر بن الخطاب انه أوقف حد quot;قطع يدquot; السارق في عام القحط الذي عرف بالرمادة. وكذلك أن الخليفة علي بن أبي طالب العديد من المواقف التي كان يدقق فيها في أحكام الزنا والفسق، ذلك لحساسيتها. منها الحادثة التي أوتي فيها برجل قيل انه فسق بغلام، في رجل فسق بغلام:
فقال له: اختر إحدى الثلاث: إما أن اهدم عليك الحائط، أو أضربك ضربة بسيفي، أو أحرقك بالنار؟
فقال: يا أمير المؤمنين، فأي هذه الثلاثة أشد في العقوبة؟ قال: الإحراق بالنار.
قال: فاحرقني. فأجج أمير المؤمنين النار. فقال: يا أمير المؤمنين، أنظرني أن أصلي ركعتين.
قال: صل.
فلما فرغ من صلاته رفع يديه إلى السماء،
فقال: يا رب، إني أتيت فاحشة مما نهيت عنها، وجئت إلى وليك وخليفة رسولك فأخبرته بذلك، وسألته أن يطهرني، فقال: اختر إحدى هذه الثلاث: أما ضربة بالسيف، وأما هدم الحائط عليك، وأما أن أحرقك بالنار؟ فقلت: أي ذلك اشد علي في العقوبة لا تخلص به من نار يوم القيامة. فقال: الإحراق بالنار، فاخترته.
فبكى أمير المؤمنين(ع)، وبكى الناس حوله.
فقال أمير المؤمنين: فقد غفر اللّه لك
فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أتعطل حدا من حدود اللّه تعالى؟
فقال: ويحك، إن الإمام إذا كان من قبل اللّه تعالى، ثم تاب المذنب من ذنب بينه وبين اللّه تعالى فله أن يغفر له.
هذه وغيرها العديد من الحوادث والعبر في سير الخلفاء والصحابة ممن تولوا القضاء وتعرضوا لمثل تلك المواقف، كان الصبر والتحري والدقة هي سمات العقوبة والإصلاح والعبرة هي أهدافها الأولى، بالإضافة إلى مراعاة الظروف العامة للبلاد والظروف الشخصية للجناة.
فهل أن الصومال الذي يعيش الآن كل هذه الظروف التعسة يمكن أن يقاس عليه؟ وهل ثبت بالأدلة القاطعة إدانة هؤلاء quot;الجناةquot; حتى يقام عليهم الحد بتلك الدرجات من الحكم؟ وهل أولائك الصبية الذين أصدروا الأحكام ونفذوها هم على تلك الدرجة من السلامة والعدالة والأرجحية والأهلية ليصدروا تلك الأحكام؟؟
هذا ناهيك عن أن quot;المرأةquot; التي نفذ فيها حد الرجم هي طفلة دون سن النضج والرشد إن لم نقل البلوغ البايلوجي وبالإمكان الرجوع إلى روابط الأخبار المرئية لوسائل الإعلام للتأكد من ذلك.
وعليه فإننا نناشد المجتمع الدولي التدخل لإنقاذ هذا الشعب المسكين، ليس فقط من هذه الجماعات المتهورة التي لا يمكن الاعتداد بأحكامها quot;الشرعيةquot; بل بمساعدة هذا الشعب على تنظيم نفسه وتوفير الغذاء والدواء وفرص التعليم ليعيد بناء نفسه، ويمكن أن تشارك بذلك الواجب الدول الإسلامية والعربية خاصة لأنها ليست بمنأى عن تمدد خطر فوضى ومعاناة ذلك البلد، فعمليات القرصنة البحرية ابسط دليل.
مختص بعلم الاجتماع: [email protected]