شهد يوم الأربعاء 19 آب 2009 موجة تفجيرات إرهابية دموية في العاصمة بغداد، أعادت صورة المشهد المؤلم إلى ما قبل سنتين تقريبا بعد أن شهدت المدينة استقرارا نسبيا في الوضع الأمني. وفي كل مرة يكون الضحية المواطنون الأبرياء. فقط سقط ما ينيف على أربعمائة بين شهيد وجريح.
والقراءة المتفحصة لمثل هذا الحادث لا تتجاهل توقيت الحدث ونوعيته. فالتوقيت كان عشية زيارة رئيس الوزراء المالكي إلى العاصمة السورية دمشق ولقائه رئيسها وكبار رموز حكومتها، وما صدر عن كلا الطرفين ببروز عهد جديد في العلاقة بينهما أساسها التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد خاصة. والتعاون الأمني يعني التزاما سوريا بإثبات quot;براءتهاquot; من التهم المنسوبة لها باستمرار من أطراف عديدة داخلية وخارجية بدور في عدم الاستقرار في العراق، على الأقل من خلال تساهلها في عدم ضبط حدودها. أضف إلى ذلك مطالب الحكومة العراقية المستمرة والجدية هذه المرة بتسليم عراقيين مطلوبين امنيا لديها أو رافضين بشدة للعملية السياسية والتغيير في العراق ويدعمون الإرهاب فيه.
ومن هنا تقرأ رسالة التفجيرات على أن الزيارة quot;لم ولنquot; تثمر شيئا، واثبات عدم وجود صلة بين تلك الأطراف.
من جانب آخر فان طبيعة الهجمات تظهر أن رسائلا سياسية أريد لها أن ترسل من خلالها خاصة وأن الانتخابات البرلمانية العراقية على الأبواب. وهذا يعني أن العدو الإرهابي هذه المرة ليس القاعدة العدو التقليدي للأبرياء، فالقاعدة هويتها واضحة في استهداف المدنيين في الأسواق وأماكن العبادة والسكن وما شابه. في حين أن أهداف يوم الأربعاء كانت quot;سياسية، وإداريةquot; على الأقل في ظاهرها، مع أن جوهرها وحقيقتها هي استهداف للمدنيين من خلال المحصلة النهائية لها. فقد تم استهداف مباني وزارتي الخارجية والمالية وفندق الرشيد الذي يعتبر مركزا حيويا ومقرا للعديد من البعثات الإعلامية والضيوف الأجانب وغيرها من بعض الأماكن المشابهة. وطبعا هنا لا نقصد أن العدو لا يستنسخ أفعال القاعدة، بل هما وجهان لعملة واحدة، ولكن تمرير الرسالة السياسية هنا يقتضي هذا الوجه من الإرهاب.
إذن هو جانب من القتال السياسي الذي يمارسه الطرف الخاسر من عملية التغيير في العراق، والذي دأب على الأفعال المعطلة والمعرقلة لأي استقرار أو تحسن في الشأن العراقي مهما كان نوعه.
في الحقيقة فإن هناك سهولة في الوصول أو الاقتراب من الأهداف التي نالها الإرهاب يوم الأربعاء، حيث تم الشروع برفع الحواجز الأمنية الكونكريتية وتسهيل انسيابية الحركة في شوارع العاصمة، كذلك وقوع مبنى وزارة المالية على بعد أمتار قليلة من طريق محمد القاسم للمرور السريع، وفتح الحركة في هذا الشارع، يعني سهولة استهدافها بهذه الكيفية. أي انفجار شاحنة على الشارع المعلق نفسه بجوارها، وهو ما حدث بالفعل حيث انهار جزء منه. كذلك مبنى وزارة الخارجية في الصالحية التي تجاور مجمعا سكنيا ويمر من خلالها شارع رئيسي يربط جانبي العاصمة (الرصافة والكرخ) من خلال جسر حيوي يختصر الطريق بين جانبي نهر دجلة.
ولكن هذا لا يعفي الجهات الأمنية من أن تهمة الإهمال والكسل وعدم الاستفادة من عبر الحوادث الماضية. كما لا يعني التجاوز عن احتمال أن تكون الأجهزة الأمنية مخترقة.
خلاصة القول فإن ما حدث يوم الأربعاء يحمل بصمات ورسائل من أطراف سياسية معهود لها بمثل هذه الأعمال التي تطال المدنية عادة، وتظهر في توقيتات هدفها هز ثقة المواطن بأي تحسن يتلمسه أو يلتمسه سواء في الجانب الأمني أو السياسي، وكذلك هز ثقة الأجهزة الأمنية بأنفسها بعد أن استلمت الملف الأمني. فالهدف والرسالة إذن إفشال مساعي المالكي في حراكه السياسي خارجيا، وما أنجز داخليا سواء في الجانب الأمني أو التقارب بين معظم أطراف العملية السياسية، بل وحتى عرقلة الانسحاب الأميركي المجدول حسب الاتفاقية الأخيرة.

وكل ذلك بالنتيجة لا يصب في مصلحة الشعب العراقي، وان من يقوم به هم من عديمي الضمير والوطنية بكل المقاييس.

كاتب عراقي
[email protected]