معظم السلوكيات التي يمارسها الفرد من قسوة وجفاء وماسوشية أحياناً. تبدو مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعلاقة الجدلية بين مفهوم اللذة والشعور بالألم، وتتطلب هذه العلاقة فهماً واسعاً لمكنونات الجسد الحياتية وطبيعتها البايولوجية المرهفة، فالعلاقة الداخلية التي تشكلت فيها الخلايا والأنسجة المختصة. حملت مكنونات ألقها بلذة التشكل والوظيفة التي تؤديها عبر رسائل الحبّ المترابطة والمنسجمة الدقة والمتميزة بصدق رموزها بين {نواتها وسايتوبلازمها} والذي لا نستطيع أن نثمن جمالياتها أو نخمن مقدار الألم الذي يعصف بها إلاّ من خلال حجم الجراح والعطب والتلف الحاصل فيها. المكونات النسيجية الجنينية تتشكل بألق اللذة المصحوب بألم الاكتمال. ما ان يكتمل الجنين حتى يغادر المكان بصرخة. والصرخة هي تعبير واضح لرفض الانفصال التام عن حاضنته الرحم. وهي ألم الحبّ بمغادرة الدفء. الامان. وهكذا. ليبدأ فصل آخر في حياته متمثلاً بعلاقة صوفية تتماهى بها اللذة والألم من جديد. بداية من الرضاعة الى الاتصال الجنسي اللاحق في الحياة. لذا نجد أنفسنا قساة في هذه الحياة ، لأننا لا نرقى الى احداث هذا التوازن وممارسته بطريقة نحترم بها ذواتنا ونحقق الأنا العليا المقترنة بشهوانية الشعور بالألم. والشعور بالألم هو حالة جينية فطرية تتأثر بالعامل الخارجي المحيط الذي يدفع بها الى التهلكة أحياناً، أو الى الألق والتوازن أحيانا أخرى. كل البشر يمارسون علاقات لذة. الحرب والسلام. الزواج والطلاق. الصدق والكذب وسواها من المتضادات ، واذا جردناها من الألم لا تعد تجارب مطلقاً ، لانها وببساطة لا تدك مورّثاتك ولا تشعرك بالصدمة. الصدمة عامل التغير الشعوري والحسي ليس بالاستبدال وانما بالرجوع الحقيقي والفعلي لتلك الحاضنة {الرحم} وتلبية حاجة الفقد التي تمت في عملية الولادة. واذا بحثنا عن حجم نجاح العلاقات الاجتماعية وحتى الجنسية منها، نراها تتشكل ضمن منطق الألم واللذة أيضاً. فالرجل الذي يمارس الحبّ أي الجنس من دون الشعور بالألم ، يجد ضالته لأن الألم يتأتى من فرضية الرجوع الى الرحم مجدداً للوصول الى درجة الاكتمال الشعوري باللذة ، ونرى أن الشهوة لا تكتمل عنده، فهو يبحث دوماً عن شيء مفقود يوصله الى مكامن الحاضنة التي شكلت لدية الاشباع التام والارتقاء والتسامي بوجوده، كأنه يرجع الى عريه ويحتاج الى حواء تثير فيه نشوة الوجود. وهذا الفعل يحتاج الى معرفة دقيقة لحاجات الجسد. {وأناه العليا} التي تمنح هذا التواصل الانساني. الاشباع. الألق. أما عند المراة فالعملية الجنسية تتماهى مع القدرة على حالة ارجاع الجنين المصحوبة بألم الولادة الى داخل الرحم لتنشأ حالة تكوين جديدة أخرى. الاشباع. التسامي. التميز. الوظيفة الجديدة. الرغبة بالتواصل ثانية وهكذا. وعندما لا يحصل هذا الفعل، فالمؤشر الوحيد هو جهلنا بمكنونات العملية الجنسية المتناغمة مع انفعالات أنسجة الحبّ التي تطرب بانغام ألم الولوج وارجاع الأجنة لتكتمل بعملية اللذة الكونية المحدثة لطاقة جديدة أخرى لمواصلة الحب. فالحب هو الابداع. عامة الناس والمبدعون يتحدثون عن الحبّ بوصفه لذة فقط بعيداً عن الوجع، لذا نشهد اليوم نتاجات متهافتة وسطحية بعيدة عن سيكلوجياتنا تقترب من الفوقي الظاهر مبتعدة عن المعرفة ودواخل البشر الحسية والنفسية التي لا تدك الشهوانية الغريزية، لذا فهي تبقى أسيرة هذا الفقدان. هل يصعب علينا أن نتعلم الجمع بين اللذة والالم؟ ماذا نحتاج لنحقق هذه المعادلة التي تنجّينا من القسوة كرد فعل طبيعي لحالة تبديد الطاقة؟ تعلمت أن أهذي نثراً ، والنثر لذة مصحوبة هي الأخرى بألم اللحظة، لكن ليس كل من يكتب يلتذ أو يلذ. هذه المعرفة لها شروطها البسيطة. منها اننا مثلاً قبل أن نكتب شعراً. رواية. نخرج فيلماً. نرسم لوحة. ننحت صخراً أو نمارس الجنس. قبل كل هذا يتوجب علينا الشروع بمعرفة موادنا الخام. المادة الخام هي الجسد ، فالخلية الحيّة تريد أن تسقى دوماً من ماء جرّة ناضجة، لا من ماء اناء مسطح تبعثره هزّة. المرأة والرجل ليسا جسدين للتناسل فقط وانما هما روح اللذة والشبق متواصل العطاء. اللذة تلك الطاقة التي تشكل ذواتنا الفعلية. تلك القوة التي تنمي مقدرتنا الفكرية لاكتشاف الجديد من الأشياء. هي القدرة على حبّ الآخر. الانسان. الطبيعة. الكثير منّا يفتقد لثقافة الجسد ويخاف التحدث عنه، وهذه التابوهات باتت مقرفة لحدّ انها توجعنا وتفشلنا في العلاقات الانسانية الحميمية في مختلف أوصافها، لذا فنحن نفشل في السياسة والحبّ والأشياء الأخرى على السواء بسبب هذا الفقد، على الرغم من أن هناك محاولات رغم قلتها تكاد أن تشكل اشارة البدء في التحدث بحرية عن حاجاتنا الانسانية. وهناك محاولات جيدة من قبل بعض الكتاّب ومنهم المبدعة جمانة حداد لاصدارها مجلتها {جسد} والتي ستسهم حتماً في التعريف العلمي والنفسي والفلسفي لمكنونات الجسد والتي تتيح لنا ثقافة أوسع في هذا الجانب الانساني المهم والكبير، لكننا ما زلنا نفتقد للمعرفة التامة فيه. أحيّي الكاتبة اني انزيو وكتابها {المراة الانثى بعيداً عن صفاتها} la femme sans qualite وهذا الكتاب يشكل رؤية اجمالية للانوثة من زاوية التحليل النفسي الذي ترجمه طلال حرب، والكتاب عبارة عن قصائد نثر في الحبّ في غاية التماهي مع الأنا العليا التي تبعث الشعور في اللذة.
تبّاً للرجل الذي لا يريد أن يرجع الى رحم أمه ليلتذ بدفئها. تبّاً للمرأة التي لا تريد ارجاع جنينها لتتلذذ بحالة تكوين جديدة تجعلها إلهة أبدية للعطاء المطلق.