بصراحة لا احد يصدق الاتهامات التي وجهتها quot;المحكمة الثورية الاسلاميةquot; لعشرات الاصلاحيين الايرانيين الذين اعترضوا على نتيجة الانتخابات المزورة التي أجريت في 12 يونيو الماضي وأسفرت عن فوز الرئيس محمود احمدي نجاد بولاية ثانية!
فالمحكمة كما هو واضح من اسمها مجرد محاكمة سياسية لمعارضي النظام الايراني، والاعترافات التي أدلى بها المتهمون في المحكمة أمام وسائل الإعلام جاءت نتيجة ضغوط هائلة استهدفت تصوير الاحتجاجات التي قاموا بها على انها جزء من مؤامرة خارجية.
وباعتراف المدعي العام الايراني قربان على درى نجف ابادي فان الحرس الثوري وقوات الباسيج قامت بتعذيب وقتل عدد من المعتقلين على ذمة هذه القضية في سجن quot;كهريزاكquot; غربي طهران، وهي نفس التهمة التي كانت توجه في السابق لجهاز الاستخبارات الايراني (السافاك) في عهد شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي.
ومن الواضح ان هناك محاولة محمومة لاستغلال هذه القضية في اعتقال قادة بارزين في صفوف الإصلاحيين الإيرانيين بدليل مطالبة اللواء محمد على جعفري قائد الحرس الثوري بمحاكمة الرئيس السابق محمد خاتمي وزعيم المعارضة مير حسين موسوي والمرشح الرئاسي المهزوم مهدي كروبي بتهمة التحريض على الاضطرابات.
صحيح أن اللواء جعفري أصدر بيانا في وقت لاحق نفي فيه هذه التصريحات بعد تدخل شخصيات نافذة في النظام الايراني، لكن مساعده يد الله جاوان احد كبار القادة البارزين في الحرس الثوري عاد لتكرار نفس المطالب على اساس ان خاتمي وموسوي وكروبي هم المشتبه بهم الرئيسيون في الاضطرابات التي شهدتها البلاد.
ومن المؤكد ان النظام الايراني أراد توجيه تهمة التجسس والتآمر للمتهمين في هذه القضية بهدف إثارة الرعب في الشارع الايراني ووقف كافة أشكال الاحتجاج في المستقبل على تزوير الانتخابات لصالح الرئيس نجاد.
وهكذا كان من الطبيعي أن يتم الزج بأجانب وموظفين من سفارات أجنبية في هذه القضية واتهام بريطانيا بالضلوع فيها وهو اتهام جاء بعد قيام وزارة الخزانة البريطانية بتجميد أرصدة قيمتها مليار ونصف مليار دولار لمجتبى خاتمي الابن الثاني للمرشد الاعلى للجمهورية الايرانية.
وفي هذا المناخ الارهابي كان من الطبيعي أن يقف متهم بارز مثل محمد على أبطحي نائب رئيس الجمهورية السابق للاعتراف أمام المحكمة مؤكدا ان الاحتجاجات الشعبية على تزوير الانتخابات كانت مجرد اعمال شغب، وهي نفس الاعترافات التي رددها متهمون آخرون من بينهم محسن امين زاده وكيل وزارة الخارجية الاسبق وبهزاد نبوي وزير الصناعة الاسبق وعبد الله رمضان زاده المتحدث السابق باسم الحكومة الايرانية.
ومن المرجح ان تصدر المحكمة الثورية في وقت لاحق احكاما قاسية على المتهمين في هذه القضية مما يعيد الى الأذهان ذكرى أحكام الاعدام التي اصدرتها ضد قادة النظام الايراني السابق ( 550 حكما بالاعدام بين شهري فبراير ونوفمبر 1979 ) غير الاحكام الغيابية بالاعدام ضد شاه ايران السابق وكبار مساعديه الذين فروا الى الخارج وكذلك احكام الاعدام والسجن التي أصدرتها بحق مئات المعارضين السياسيين من اكراد وعلمانيين وشيوعيين وسُنة.
فالمحكمة الثورية أنشئت خصيصا منذ ثلاثين عاما للنظر في قضايا التخريب والعنف والارهاب وحمل السلاح والاخلال بالامن القومي استنادا إلى أدلة ليس مصرحا قانونا بالكشف عنها ويتولى الحكم فيها قاض واحد يعينه المرشد الأعلى لإيران وأحكامها نهائية لا يجوز استئنافها أو نقضها.
ولاشك ان محاكمة عشرات الإصلاحيين أمام المحكمة الثورية لن يمنع باقي الايرانيين من ترديد السؤال الحائر: كيف حصل الرئيس نجاد في انتخابات 2009 على خمسة أضعاف الاصوات التي حصل عليها في انتخابات 2005 بعد اربعة سنوات من الفساد وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والأداء الاقتصادي الكارثي؟!
فعلا كم من المهازل تُرتكب باسم المحاكم الثورية وباسم الاسلام!