اثبتت تجارب الدول الشمولية ان تعليق احتجاجات شعوبها واستيائها من اوضاعها على مشجب العملاء الاجانب وشبكات التجسس طريقة غير مجدية للعثور على الطرائق الناجعة لحل المشاكل القائمة وتأدية الدولة لمهمتها الرئيسية بتوفير حياة كريمة للمواطن. ان اخذ مواقف سكان البلد بطريقة حكمهم وجس نبض الشارع وهمومه الفعلية واخذ الحساب له احد اهم توجهات الدولة المعاصرة.
والافت انه وقبل ان تنتهي من التنكيل بالمعارضة التي تحتج على تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو، رصدت النخبة الحاكمة بايران افاق quot; تمردquot; آخر. وقال نائب وزير الدفاع الايراني الجنرال مسعود جزيري quot; ان العملاء الاجانب والعناصر الداخلية العدوة باشرت ببرمجة المرحلة التالية للتمرد على الجمهورية الاسلامية بعد فشل quot; التمرد الاخضرquot;. وحذر جزيري من ان quot; سيناريو التمرد الجديد ينظر بالاستخدام الفعال لشبكات التجسس العميلة التي تتستر بغطاء الصحافة الاجنبية، لذلك فانها تستدعي اهتماما خاصاquot;. في غضون ذلك منعت وزارة الثقافة الصحفيين الاجانب من اجراء اتصالات بالمعارضة وتغطية احتجاجاتها. وكانت طهران قد قدمت للمحاكم صحفيين اجانب وايرانيين واغلقت خطوط اتصال الهاتف ورحلت غير مرغوب بهم. وبات الحصول على تاشيرات دخول لايران مسالة غير سهلة. ان تلك الممارسات تعكس حجم الخوف الذي سيطر على اركان الجمهورية الاسـلامية.
ان النخبة الحاكمة بايران كما تؤشر الدلائل اختارت الطريق الاقصر والابسط لتصفية المعارضة وكم الافواه وتعطيل الفكر، وذلك بتوجيه تهم quot; الخيانة العظمىquot; وquot; العمالة الاجنبيquot; لتكون ذريعة تسوغ القصاص والبطش بكل من يعارض النظام القائم او بعض سياسته. بيد ان هذا الطريق كما برهنت تجارب الانظمة الشمولية طريق محفوف بالمخاطر على النظام نفسه. ان ذاكرة الشعوب ليست بالقصيرة، وان الحقد يخلق الحقد المضاد ويوسع قاعدة الاستياء، لان الانسان/ المواطن وبغض النظر عن انتماءه واصوله يرفض اهدار كرامته وتجاهل موقفه وارادته والتعامل معه quot; كخروفquot; سهل القيادة. لقد قام نظام الزعيم السوفياتي السابق جوزيف ستالين بابادة المعارضة وحتى الصامتين وزجهم في معسكرات العمل في سيبيريا والمناطق النائية، وتحويلهم الى عبيد للنظام، ولكن الغضب على ستالين ونظامه اندلع حال الاعلان عن وفاته فازيل رفاته من ضريحه في الساحة الحمراء وحطمت كل تماثيله ومزقت مؤلفاته وبات من المخجل مدحه علنا، وما زالت ذاكرة الشعوب السوفياتية تستعيد بغضب شريط الممارسات الوحشية التي اقترفها ذلك النظام البشع رغم ما يشاع عن منجزات حققها للدولة.
ان رصد النخبة الحاكمة بايران او بغيرها من الدول وراء كل تحرك جماهيري، رغم معرفته بعدالته، ايادي اجنبية وعمالة وشبكات تجسس، لا يعدو غير التصرف مثل النعامة التي تدس راسها بالرمل لتجنب الاخطار التي تحدق فيها، وفي حال الدول التهرب من الوقائع القائمة. ان تلك النخب تنسى او بالاحرى تتناسى ان الوطن ملك الجميع وان الادارة ليست حكرا بطائفة محددة للتحكم quot; بقطيعquot;. ان الحالة البشرية اكثر تعقيدا من كل ذلك، واضطلاع الدولة بمهامها الرئيسية لتوفير حياة كريمة لمواطنيها لا ينحصر فقط بتوفير الخبز وحده، وانما ابعد من ذلك. فهناك مفاهيم وقيم لاتقل اهمية عن ذلك. ان عدم النظر في السياسات التي برهنت على عجزها عن تطبيع الاوضاع لا يمكن ان تفضي الا لطريق مسدود، فهل سيدرك اصحاب الحكم تلك البديهية.