كيف غطت وسائل الإعلام اشتباكات رفح؟
ما هو المنتظر من القرضاوي و الظواهري؟

لم يكن مفاجأً الصدام المسلح بين حركة حماس وجماعات أصولية وجدت ضالتها وبيئتها الخصبة للنمو في قطاع غزة، لكن المفاجأة جاءت من طبيعة التغطية الإعلامية التي رافقت التصادم المسلح.
وقبل الدخول في تفاصيل الحدث، ينبغي تبيان أن المقال يعتمد حركة حماس كطرف مقابل جماعة جند أنصار اللة، وليس كما تم الترويج له من أنه اشتباك بين شرطة الحكومة المقالة والجماعة، على اعتبار أن الأسباب الحقيقية للاشتباك مصدرها عقائدي أكثر من كونها تجاوزات قانونية تقع ضمن اختصاص جهاز أمني، ولو كان غير ذلك لسعت هذه الأجهزة لمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جنح قانونية قبل أن يتحولوا إلى جماعة ويصدروا بيانهم الأول قبل عدة أشهر.
كما أن المقال لا يستهدف إلا البحث في تفاصيل الحدث وكيفية تغطية وسائل الإعلام له وماهو متوقع من تصريحات، رغم أننا لا نخفي معارضتنا لبروز جماعات متطرفة تصب مزيدا من الزيت على نار الانقسام الداخلي.
استطاعت حركة حماس وبذكاء إعلامي دفع وإلزام وسائل الإعلام على استخدام مصطلحات محددة كما جاء في بيان وزارة داخلية الحكومة المقالة، ففي البيان صيغة إلزام للتعامل مع الاشتباكات من منطق أنها عملية أمنية لمواجهة جماعة خارجة عن القانون وتثير فوضى وفلتان أمني، ولمصطلح الفلتان الأمني دلالات ذات شحنة قيمية، تشير تلقائيا إلى توصيفات حماس لمرحلة ما قبل حسمها العسكري. ومن جملة التعريفات التي الزمت حماس الصحفيين بها عدم ذكر حركة حماس وجناحها المسلح في سياق تغطية موضوع الاشتباكات، في مقابل استخدام وصف القوات الأمنية التابعة للحكومة. ومرد ذلك إلى حساسية الاشتباكات كونها مع جماعة اسلامية تقترب في فكرها من فكر القاعدة التي تحضى بقبول نسبة لابأس بها في الشارع العربي، وبالتالي فإن حركة حماس غير معنية بإبراز قضية الاختلاف الفكري مع السلفية الجهادية بالرغم أن الظواهري انتقد حماس أكثر من مرة واصفا الحركة بالابتعاد عن الجهاد وعقد هدنة مع العدو للحفاظ على منجزها في الصول إلى سلطة تحت الاحتلال.
القضية الأخرى التي روجت لها بعض وسائل الإعلام هي التركيز على ماجاء في بيانات وخطابات متحدثي حركة حماس والحكومة المقالة من اعتداء بعض عناصر الجماعة على مقاهي ومدارس أجنبية و حفلات أفراح، إلا أن غالبية وسائل الإعلام لم تطرح عليهم تساؤلات من قبيل الاستفسار عن سبب عدم اعتقالهم للعناصر المشتبه بتنفيذها اعتداءات ضد بعض المواطنين وأملاكم في حينها، مع العلم أن هذه الجماعة لم يمض على بيانها الأول عدة أشهر، في حين تعود بعض الأحداث التي تتهمهم حركة حماس بها إلى أكثر من عامين، من هنا فالتساؤل المشروع: لماذا لم تعالج حركة حماس الأحداث السابقة في حينها كونها كانت تصدر عن أفراد قبل أن يتحولوا إلى جماعات؟ ثم كيف تتهم حركة حماس هذه الجماعة بأنها تقف خلف اختطاف الصحفي آلين جونسون فيما شنت حماس في حينها هجوما على عائلة حلس وتسببت في مقتل مايزيد عن 10 مواطنين وإصابة العشرات بعضهم يعاني من إعاقات دائمة، إضافة إلى اعتقالها لجميع العناصر المسلحة في الحي؟ والأغرب في التغطية الإعلامية ترويج بعض وسائل الإعلام لاتهامات موجهة لجماعة جند أنصار الله بالتعاون مع quot; رام اللهquot; رغم أن الجماعةquot; تكفرquot; السلطة الفلسطينية كنظام يعترف بالاحتلال ويبرم معه اتفاقيات! ثم كيف تنشر إحدى وسائل الإعلام معلومات ادعت أنها وصلتها من مصادر فلسطينية اتهامها محمد دحلان بتمويل الجماعة، رغم أن حركة حماس تتهم الجماعة ذاتها بتفجير عرس قريب لدحلان قبل شهرين تسبب في مقتل وإصابة العشرات، فكيف غاب عن غالبية وسائل الإعلام الاستفسار عن مثل هذه التناقضات؟
مما لا شك فيه أن طبيعة التغطية الإعلامية تفرض على المتلقي سياق الحدث مما يقود للقول بأن كيفية التغطية تفرض منطقها القيمي على المتلقي؛ من خلال الاستخدام الفعال لتقنيات الخطاب من حجب وإبراز وتعميق وتسطيح وتعريف وتنكير، وانطلاقا من التقنية الأخيرة يمكن القول أن بعض وسائل الإعلام وعلى غير عادتها لم تسع إلى التعريف بهوية الجماعة من منطلق أدبياتها، وإنما عرفت جمهورها بها من خلال اتهامات الطرف الأخر لها كجماعة تكفيرية وخارجة على القانون، وحتى خطبة الجمعة في مسجد أبن تيمية لم تسعى بعض وسائل الإعلام إلى إبرازها مقابل الاكتفاء باقتباس مشهد قصير يعلن فيه أمير الجماعة قيام ما أسماهquot; الإمارة الإسلاميةquot;، أي أن عدم ذكر سياق التصريح ومبررات الجماعة في خطبتها يعني ببساطة فصل الحدث عن سياقه.
وفي سياق خطبة الجمعة الماضية، حملت الجماعة على حركة حماس ابتعادها عن المقاومة لصالح مشروع السلطة، إضافة إلى عدم سعيها لتطبيق الشريعة الإسلامية على اعتبار أن عدم تطبيق حكومة إسلامية تصف نفسها بأنها ربانية للشريعة الإسلامية يعني أنها حكومة علمانية.
كان واضحا في سياق خطبة الجماعة تحديد الجماعة لعلاقتها مع حركة حماس، وقول خطيبهم بأنهم لن يمارسوا أي عمل ضد حركة حماس أو الحكومة المقالة، لكنهم في الوقت ذاته دعو العناصر المسلحة في حماس للانضمام إلى quot; الإمارة الإسلاميةquot; وهذا باعتقادي ما أثار غضب حركة حماس وهو ما ترجم في عمل عسكري ضد الجماعة حتى لو كانت تتحصن داخل مسجد. المستغرب في تغطية بعض وسائل الإعلام تروجيها لاتهامات حركة حماس للجماعة بتكفير المسلمين في غزة وكذلك تكفير حركة حماس، لكن بعض هذه الوسائل لم تسع لعرض اقتباسات مصورة من خطبة الجمعة تشرح فيها الجماعة موقفها في ظل غياب متحدث رسمي للرد على اتهامات حركة حماس.
كما أن غالبية وسائل الإعلام ليس فقط انصاعت لتعليمات الحكومة المقالة بمنع التصوير في مدينة رفح خصوصا في منطقة الاشتباكات، وإنما رددت بعضها مصطلحات أمنية تستخدمها دولة الاحتلال وتقتبسها حكومة غزة من قبيل منطقة أمنية تختضع لعمليات تمشيط، أو اصطلاحquot; مربع أمنيquot;. وزيادةعلى ما سبق، انصاعت غالبية وسائل الإعلام لتبريرات حماس بمنع الصحفيين من تغطية الاشتباكات خوفا على حياتهم، أليس حريا التساؤل عن عدم وجود أية تصويرات قريبة من منطقة الاشتباكات، وإذا كان المنع لغرض حماية الصحفيين، فهل اعتدنا أن نرى الصحفيين مقلعين عن تغطية أكبر عمليات القصف والعدوان الإسرائيلي خوفا على حياتهم؟ ألم تتجاهل غالبية وسائل الإعلام السؤال عن عائلة زعيم جند الله التي قتلت جراء تفجير المنزل الذي كانوا يقتطنون فيه؟ هل فجر زعيم الجماعة البناية بنفسه وبعائلته كما ذكرت مصادر حماس أم أن مسلحي حماس قاموا بنسف المبنى على قاطنيه؟

ما هو المنتظر من القرضاوي و الظواهري؟
من البديهي القول بوجود اختلافات فكرية بين فكر الاخوان المسلمين ومنظرهم المعاصر يوسف القرضاوي في الظواهري وما يتمتع به من سلطة رمزية كأيقونة تستمد منها الجماعات المتطرفة شرعيتها. القرضاوي هو من أفتى لحماس بشرعية المشاركة في الانتخابات التشريعية، والظواهري ملهم جماعات سلفية مثل أنصار جند الله والذي ينتظر منه أن يطلق خطابا ناريا ينتقد فيه حركة حماس وتعاملها مع الجماعة السلفية كما سبق وأن فعل ذلك، لكن هل من المتوقع أن يخرج القرضاوي للدفاع عن موقف حركة حماس وتبرير تحركها العسكري ضد جماعة إسلامية سبق وأن نفذت منذ أقل من شهر عملية عسكرية ضد موقع إسرائيلي، فيما حركة حماس تطبيق هدنه غير معلنه ومجانية مع الاحتلال منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ ما يقارب العام؟ وهل صحيح ما جاء في بيان الجماعة السلفية قولها بأن الاشتباكات جاءت على خلفية محاولة حماس منع الجماعة من القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل للحفاظ على الهدنة في غزة؟
مما لا شك فيه أن اشتباك الجمعة الماضية مثل ترجمة لصراع عقائدي دون إنكار حضور الأسباب الأخرى. كما لم تستطع حماس أن تنفي انضمام بعض عناصرها العسكرين إلى التنظيم السلفي احتجاجا على تحول حماس إلى حزب سلطة مبتعدة عن نهج المقاومة، على حد وصف الجماعة. ويقع ضمن الأسباب العقائدية الأخرى رفض الجماعة إخضاع مسجد أبن تيمه لرقابة وزارة الأوقاف في الحكومة المقالة، مع العلم أن خلافات نشبت بين حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في الأسابيع الماضية، إثر محاولة حماس التدخل في إدارة بعض المساجد التي تديرها حركة الجهاد الإسلامي في غزة.
وقياسا على حالات سابقة، أمكن القول أننا بانتظار خطاب ناري للظواهري أو من ينوب عنه للحديث عن ماجرى من اشتباكات في رفح وما تبعها من مقتل زعيم الجماعة السلفية واعتقال غالبية أفرادها بعد توصيف حماس لنهجهم بالتكفيري والخارج عن القانون، إضافة إلى التوعد بالضرب بقوة لمن يتجرأ على تكرار تجربة الجماعة السلفية.
لكن السؤال القائم في حال صدور تصريح للظواهري حول ما جرى في رفح هو: هل سيحظى التصريح المتوقع باهتمام بعض وسائل الإعلام التي اعتدنا عليها تغطية مكثفة لتصريحاته؟ وهل سيتم بث جميع التصريح أم سيتم اجتزاءه كما سبق وأن حصل في شريطه الذي انتقد فيه حركة حماس على خلاف الأشرطة الأخرى التي اتهم فيها أنظمة عربية بالمشاركة في حصار غزة؟
ثم هل سيخرج علينا القرضاوي بتصريح مبينا رأيه فيما جرى في غزة مستبقا التصريحات المتوقعة للظواهري، أم أنه سيلتزم الصمت؟

أكاديمي وباحث إعلامي