ايطاليا 2007 بجزيرة صقلية، و تحديدا في مدينة باليرمو، ألقت د. سوزان مبارك أمام جمع غفير من رؤساء الوزراء و الوزراء الأوروبيون و العرب و رئيس الجمهورية الايطالي، كلمة بمناسبة تكريمها من الاتحاد الاورومتوسطي، باعتبارها المثل الناجح الذي يحتذي به عالميا و استطاعت أن تساهم في بناء الفكر و تشارك في تغيير المجتمع و ترتقي به حاملة مشاعل الثقافة العربية الأصيلة و النهج المنفتح على الغرب مع الحفاظ على التقاليد. و كلماتها المثمرة إلي يومنا هذا في أذني، كمواطن عربي عاش و تنقل في الغرب ردحا من الزمن، حيث أن مفردات كلماتها و مشاعرها الصادقة انتزعت التصفيق من القلوب قبل العقول.
كان لتلك الكلمة وقعا كبيرا و تأثيرا معنويا في الحضور و شعرت بان تلك السيدة المصرية التي تمثلنا quot; عربيا quot; بحديثها و أمالها و تطلعاتها قد تفوقت على الغرب و جعلتنا نحلق عاليا احتراما لكل كلمة صقلتها في صقلية بأحاسيس السيدة الرائدة (الأم والزوجة والمربية و....) المثقفة و المتميزة ذات العمق التاريخي و السياسي و الأفق الواسع لحضارة أنعشتها تلك الكلمات الصادقة.
السيدة المصرية سوزان مبارك القادمة من أعماق مصر و التي قامت بتربية أبنائها و الوقوف إلى جانب زوجها في سنوات من الحرب و الصمود في الجبهة و الكفاح من الداخل،وهي تتحمل كل الصعاب لأجل بناء أسرة مصرية مثل كثير من الأسر التي عانت في مجتمع به من حالات الفقر و المرض والأمية و غياب حقوق المرأة الكثير من الأمثلة، فانتصرت للأسرة و للمجتمع فيما بعد بخوضها معارك ضد التخلف و الفقر و الأمية و غياب حقوق المرأةrsquo; و الطفل و ساهمت في إعطاء المرأة حقها و لعبت دورا مرموقا على الساحة الدولية في هذا المجال و الانجاز.
و لقدا دردشت مع سيدة مصر الأولى، وقت التواجد في ايطاليا، و منحت وقتا استمع لها بمفردها و نحن ننظر سويا من أعلى جبل باتجاه تونس من تلك النقطة التي تعلو مائة و خمسون مترا عن سطح البحر الأبيض، و كم شعرت بأنني أمام سيدة عظيمة أعلى من علونا فوق مستوى البحر ذاته بفكرها، متعلمة مثقفة واعية لدقائق الأمور و تخاطب الغرب و تؤثر فيهم لأجل المصلحة العربية الصادقة، فجاء تكريمها تكريما لسنوات من الانتظار لمثل يحتذي غائب، فأعادت بذلك الحضور القوي للعرب فخرا كانوا بانتظاره و مثلا يقتدي به.
و بعد حديثي معها، قفزت إلى ذاكرتي إنني قد وقفت بجانب الرئيس محمد حسني مبارك وقت أن كان نائبا لرئيس الجهورية المصرية عام 1976 في سرادق العزاء بمدينة الاسكندرية وقت أن توفى المرحوم صبحي طوقان المرافق الخاص للملك الأردني الهاشمي طلال، و لم أكن قد بلغت العشرين من العمر بعد.
و دردشت معه و هو الذي احمل له في مخيلتي صورة القائد الطيار البطل الذي حقق الضربة الجوية الأولى التي هزمت الألم و المرارة العربية التي تسببت فيها نكسة 1967.
و بوجوده في منزل العزاء، مرة أخرى ليلا، ممثلا للرئيس أنور السادات خفف الكثير من الألم و أشعرني بعاطفة الأب و العائلة الواحدة المتعاضدة في زمن الشدة و ما أصعب لحظات رحيل الأب الإنسان.
و بقيت احلم بهذا اللقاء أن يتكرر بعيدا عن الحزن، و بعد أن أصبح رئيسا لمصر العربية، يحمل طموحات و أمال كبيرة للعرب، بعضها تحقق و غيرها قصمها بعض من قاده عرب آخرون و حطموها بتصرفاتهم التي أضاعت البلاد و الناس و الشعب بعنتريتهم و أهوائهم و هوجاء أفعالهم و احتلالهم لدولة الكويت.
و شاهدت على مدار أعوام المشاريع العملاقة و الصناعات المتحولة و المدن الجديدة و الطرق و الجسور ومحطات الكهرباء والجامعات الخاصة و التوسع السياحي في شرم الشيخ و الساحل الشمالي و مشاريع الري و البتر وكيماويات ومكتبة الاسكنرية و ثقافة الآثار و غيرها في دولة عربية هي بحق دولة بكل ما تعني تلك الكلمة من جغرافية و تاريخ و ديموغرافيا السياسة الاجتماعية. إنها quot;مصرquot;.
و مع الأسف البعض ينظر إلى النقاط السوداء من الصورة و لا يتمعن في الصورة الملونة نفسها التي رسمها مبارك في ايجابيات المرحلة.
و تلك اللحظات مع السيدة سوزان جعلتني أتذكر أنني لعبت في بداية الثمانينات كرة القدم في الدورة الرمضانية لسداسيات القدم على ملاعب quot; عبد العزيز فهمي quot; للتنس بنادي سبورتنج بالإسكندرية ضمن فريق ضم إيمان البحر درويش حفيد سيد درويش مع كل من علاء و أخيه جمال مبارك اللذان كان ضمن فريق قاهري منافس طوال أسبوعان من شهر رمضان، حرصا فيه على الحضور والمشاركة و اللعب و أحرزا أهداف و فازوا في مباريات و خسروا في أخر منها، و كانا في غاية الروح الرياضية و الاحترام.
و يذكرهم كل من شارك بتلك الدورة بالمحبة و التقدير والتي تكررت فيما بعد لسنوات و أصبحت من أساسيات البرامج الرمضانية بعد الإفطار بدعم من رئيس اللجنة الرياضية المهندس احمد حمادة و الذي أصبح رئيسا لنادي سبورتنج فيما بعد.
تمنيت أن اجتمع مع جمال مبارك بعدها، وبعد أن تخرج من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، و ثقافته الخارجية، و اهتماماته الحزبية منذ الصغر، و تيقنه من الأحداث الدولية و متابعته الحثيثة لها، لكن خلال أكثر من عشرين عاما لم نلتق، باستثناء حديث مع احد مستشاريه و المقريين منه لترتيب لقاء خاص به لفضائية العربية لقناعتي بأهمية ما يحمل من أفكار و ما يمثل من توجه و ما لديه من طموح يمثل الشباب العربي.
و مع ذلك سمحت لي طبيعة عملي أن أقوم بمتابعة إجراءات تطوير مكتبه في مصر الجديدة و الخاص بلجنة السياسات أثناء عملي مع نجيب ساو يرس.وقد كان ذلك سببا لمعرفة طريقة تفاصيل حياته العملية من خلال التواجد في داخل مكتبه الذي هو محراب عمله و نجاحاته. و استمعت إلى كلماته المتلفزة و تابعت أحاديثه في دافوس و البحر الميت في الأردن و نهجه في تطوير العمل السياسي، و شاهدت جهده الدءوب في إيصال الرسالة إلى جيل جديد من شباب مصر و اللذين هم أمل الأمة العربية، و لمعت في عيني ثقافة السياسي القريب من فكر الشعب و عمق مشاكله.
و مع كل هذا و للأسف البعض هنا يريد أن يضع نقاطا سوداء في صفحات بيضاء تسطر بساعات من العرق و الجهد و المشقة و التحمل لأجل المساهمة في بناء جيل جديد هو امتداد لأجيال مصر العظيمة.
و بأسم الديمقراطية يتم تلطيخ اللوحة و تمزيق أطرافها في محاولة لحرق إبداعات الإطار الجمالي.
مبارك الأب و الرئيس، السيدة سوزان مبارك quot;الهانم quot; كما فعلا هي تستحق أن يطلق عليها، و الأبناء علاء و جمال هم أسرة مصرية تحمل في وجدانها الآم عربية و تسعى إلى تحرير النفس من كابوس الحروب و الفقر و المهانة و الذل، هم بشر مثلنا، يصيبون و يخطئون، يبحثون عن حل للألم الشعبي و لإدخال مظاهر الفرح إلى القلوب المصرية و العربية.
شعرت من خلال لقاءات عفوية في مجملها و مجموعها خلال ثلاثين عاما قاربت اثنا عشر ساعة (نصف نهار ) بتلك الأسرة و قوة بنيانها ذو الجذور المصرية الأصيلة، و لكنها كانت نقطة جاذبة للتفكير في حياتي، نحو دور المرأة العربية و نجاحها و كيف هي الأسرة العربية المتماسكة التي تقدم نفسها خدمة للأمة ؟ و كيف أن الإعلام العربي لم يعطها حقها في الجانب الإنساني و الثقافي، رغم النجاحات العالمية وجوائز التكريم و الإبداع لسيدة من أعماق مصر كرمها الغرب في أكثر من زمان و مكان.
تذكرها الإعلام في لحظة أليمة فقدت فيه احد أحفادها و هو في عمر الزهور، له الرحمة و لهم طول الحياة ولها المزيد من التكريم و الإبداع الذي يزيل آلامنا العربية.
تألمت لتلك اللحظة المفصلية, تذكرت وجود الرئيس مبارك في سرادق عزائنا، و تذكرت كم أن هذا القائد يمسح الألم بتواجده بين الجميع.
لست مسجلا في الانتخابات المصرية أو عضوا بالحزب الوطني لأنني لست مصريا، و لكني مسجلا ضمن قائمة اكبر و حزب أهم هو حزب عشاق مصر العظيمة.
التاريخ يكتبه الأوفياء و يزوره من يدعي الديمقراطية بنقاطه السوداء.
[email protected]