تلاحقت في الأيام الأخيرة تفجيرات إرهابية كبيرة في أحياء فقيرة شمال العراق وفي بغداد تاركة خلفها المئات من القتلى والجرحى من الشيعة التركمان والعرب والشبك، كما طالت قبلها مسيحيين ويزيديين، والبارحة صرح عبد الكريم خلف المسؤول الكبير في وزارة الداخلية أن هذه التفجيرات ستتواصل لفترة أخرى قادمة!

يهدف مصممو هذه الجرائم والمخططون لها إلى ما هو أبشع:إشعال حرب أهلية بين السنة والشيعة، وتمزيق المجتمع العراقي، ولكن ما يطمئن النفوس أن الشيعة والسنة في العراق قد أدركوا جيداً طبيعة هذه الفتنة القذرة، وحصنوا أنفسهم من الانجرار إليها متحملين الآلام والأحزان بصبر وشجاعة!

كثرت التكهنات حول القائمين بهذه الجرائم، حتى إن بعضهم أراد أن يفقد الناس بوصلتهم الفطرية، ويبعد بصيرتهم عن شراذم القاعدة ومن يحتضنهم ويسهل عملهم وينسق معهم من المجرمين العائدين للجريمة من شراذم البعث وأجهزة صدام المخابراتية المنهارة، والمدعومين من جهات عديدة سورية وإيرانية!

من المعروف أن القاعدة كلما منيت بضربة في مكان تتلفت باحثة عن مكان آخر تجده أكثر هشاشة وضعفاً لتضرب فيه، وهي تتشمم الأحداث وتفسرها على هواها، فحتى لو ألقت حماس صواريخ على الإسرائيليين ورد الإسرائيليون عليها، تقوم القاعدة بتفجير انتحاري بين فقراء العراقيين وتقتل النساء والأطفال تضامناً مع حماس!

هكذا تفهم القاعدة الجهاد في سبيل الله، وقبل أيام أعلنت حكومة باكستان وأيدتها الإدارة الأمريكية مقتل زعيم طالبان في باكستان مع زوجته ومجموعة من أنصاره، وكان لا بد للقاعدة من رد، فهي تعمل وفق قاعدة الأواني المستطرقة، بعد أن تملأها دماء ً، وقد جاء هذه المرة في مناطق الضعفاء المعدمين في بغداد وقرى الموصل! وغير بعيد عن قواعد جماعة أنصار الإسلام المتجمعين على الحدود العراقية الإيرانية، وهم من أكثر الفصائل حقداً على الوضع الجديد في العراق، غير ناسين إنهم تلقوا ضربات قاتلة من الأمريكان منذ الأيام الأولى لحرب إسقاط النظام، و ينسقون مع القاعدة ويتلقون العون والدعم من المخابرات الإيرانية لتستعملهم وقت الحاجة!

ولكن من هم المساهمون الآخرون في إبقاء أبواب الجحيم مفتوحة للعراقيين سواء في الحكومة العراقية أو في أطراف العملية السياسية؟ يمكن الإشارة بالإصبع الثابت غير المرتجف إلى ما يلي:
حين يصر قادة الشيعة على التخندق والعصبة الواحدة وتتصدر قائمتهم الوجوه الدينية المستفزة كجلال الدين الصغير وأمثاله، وحين يصر قادة السنة والكرد على نفس النهج!

حين تأخذ المنافسة والصراع الانتخابي طوراً مبالغاً فيه ويصير تصارعاً على المكاسب والمغانم لا صراعاً من أجل تحمل المسؤولية وأداء الواجب!

حين يتحدث رجال السلطة عن متانة الأجهزة الأمنية وهي ما تزال مخلخلة ومتعددة دون تنسيق بينها، ومتضاربة ومتنافسة!

حين يتصارع قادة العرب وقادة الكرد وقادة التركمان بعيداً عن روح الوطنية العراقية بل بروح الأثرة القومية والمصالح الضيقة!

حين تنشغل إدارة الموصل بصراع قائمة الحدباء مع القائمة المتنافسة الأخرى، وتغفل عيونها عن الإرهابيين ومخططاتهم!

حين يقوم البيشمركة بالسيطرة على ما يسمى بالأراضي المتنازع عليها دون انتظار لرأي الدستور، وحكم الشعب، فيأخذهم الإرهابيون بهذه الطريقة أو تلك حتى يصلوا إلى أهدافهم ويضربوا بها!

وحين تستشري السرقات والرشوة وتصير ثمة تسعيرة لتعيين ضابط الأمن والشرطي ورجل المخابرات ومستشار الوزير ورئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية!

وحين تفشل الحكومات المتعاقبة ولست سنوات عن توفير الكهرباء والماء والغذاء للناس!

وحين يتفاخر الحكام بالديمقراطية ثم لا يحتملون كاتباً قال كلمة حق وكلمة إخلاص ووطنية ، فيعزلونه ويجبرونه على الاختفاء كي لا يكسر رأسه بعد أن كسروا قلمه!

حين يتشفى من هو خارج السلطة بورطة ومأزق أهل السلطة والحكم، وحين يتشفى أهل السلطة والحكم بتخبط وتهالك من هم خارج السلطة والحكم!

حين لا يكون الشعب واعياً ومعتزاً بنفسه على أنه هو مصدر السلطات ولا ينبغي أن يمنحها إلا لمن يستحق!
حين يظهر أوباما مستعجلاً ومرتبكاً ومتخبطاً في تصريحاته ويريد الانسحاب من العراق حتى لو تركه لحرب أهلية طائفية أو قومية!

حين يحدث كل هذا ويتراكم ويتفاقم ثم يبدو أمراً عادياً، يتسلل الإرهابيون من خلاله ومن كل الثغرات والممرات التي تفتح لهم بغفلة وغباء وسوء نية ويضربون في القلب والخاصرة، مختارين بجبن وخسة الأماكن الرخوة والضعيفة!

متى ينتهي العنف والإرهاب؟ مادامت كل هذه الظواهر سالفة الذكر موجودة، وما دامت القاعدة والفصائل الإرهابية المتحالفة معها لم تهزم في شتى أنحاء العالم رغم الحرب العالمية على الإرهاب، والمجرمون من البعثيين لم ينالوا جزاءهم العادل، بل يغازلون ويكرمون فيما يهمل ضحاياهم، فأغلب الظن أن أبواب الجحيم ستطل لأمد طويل مفتوحة للعراقيين الذين سيبقون حتى في فترات الهدوء النسبي ينامون ويصحون على صناديق الديناميت!
[email protected]