اعتدنا على نقد الإعمال الدرامية الأجنبية، خاصة الغربية منها وبصورة أدق بعض ما ينتج في هوليوود والذي غالبا ما يعرض العربي وفق صور نمطية وقوالب وأحكام جاهزة. فهو إما بدوي راع للإبل، أو زير نساء شبق، ومبذر للمال، ولا حقا إرهابي خطير يهدد حياة الأبرياء.
لعل هذه الصور مؤلمة جدا لخواطرنا وجارحة لمشاعرنا، فلا ينبغي أن نوصََم بحياة البداوة التي فارقناها منذ عقود ولو كأنماط معيشية، مع أنها قيميا لازالت مترسخة لدى أغلبنا. ولا ينبغي أن تعمم علينا صفة الشبق والهوس الجنسي الذي أفقدنا اتزاننا ومالنا في الغرب طالما انه يصدر من أشخاص معدودين لا يمثلون أغلبية رجالنا الذين يحافظون على قيمهم الأخلاقية، ويعملون وفق مبدأ quot;ياغريب كن أديبquot; في محطات سفرهم.
وعليه فطالما أن هذه الصور وتلك التعميمات على هويتنا تؤلمنا وتجرح مشاعرنا، ألا ينبغي أن نعامل الآخر بمثلما نحب أن يعاملنا؟ ألا ينبغي أن نكون دقيقين ومنصفين في تقييمنا للآخر، وان لا نكوّن صورا نمطية له ترسََخ في أذهان أبنائنا ونشئنا الجديد فنضللهم ونزيد من جهلهم جهلا؟
وتلك لعمري مسؤولية وسائل الإعلام وصانعي الدراما خاصة، لأنها باتت الأكثر تأثيرا في حياتنا اليومية.

ولكن من هو الآخر؟؟؟
الآخر هو المختلف عنا، الذي لا نضمه معنا حينما نصنف أنفسنا، أو خارج دائرة الـ(نحن). وليس بالضرورة أن يكون عدوا لنا. فقد يكون صديقا أو جارا أو حتى أخا شقيقا لنا.
انظر كيف تقدم الدراما العربية الآخر الهندي، والبنغالي، والسريلانكي والاندونيسي وغيرهم من الجنسين ممن يعيشون في محيطنا باعتبارهم خدما أو عمالا. ولو عملنا إحصائية لصورة هؤلاء، لخرجنا بالتالي على الأرجح:
أشخاص جاهلين، سراق، مجرمين في بعض الأحيان، قذرين، غير مرتبين، يتحدثون لغة عربية مكسرة، غير متأنقين، ملابسهم رثة، يعيشون في قبوات ملحقة في منازلنا الفخمة، يسيئون معاملة أبنائنا...الخ
هذه هي صورتهم. فأين إنسانيتهم؟ أمانتهم؟ حقوقهم؟ ما الايجابي الذي يقدموه لنا؟ وإذا كانوا سلبيين إلى هذه الدرجة، فما الذي يجعلنا نتمسك بهم ولا نكاد نستغني عنهم؟؟
ألا ننظر إلى بلدانهم وما قدمت؟ ألا ننظر إلى تجارب بلدانهم في حكم نفسها وتعايشها السلمي وانجازاتها العلمية؟
وحتى لا نعمم في طرحنا ونظلم، فالحق يقال أن بعض الأعمال القليلة جدا حاولت الدفع بالمعاملة الإنسانية لهؤلاء. لعل أقربها لنا مسلسل quot;طاش ما طاشquot; الذي حاول إنصافهم رغم السخرية المفرطة التي يطرح بها أعماله.

الآخر العربي:
أما الآخر العربي، فإن طرحه عبر الدراما العربية مشكل أكبر، لأنه الأقرب بكل أنواع الصلات ومع ذلك نظلمه. خذ مثلا أن صورة المصري في الدراما الخليجية، على الأعم الأغلب تكون إما بوابا لعمارة أو خادما في البيت أو موظفا محتالا أو مرتشيا، وهكذا من الصور السلبية. وصورة المرأة المصرية شغالة أو باحثة عن زوج خليجي. اللهم بعض الاستثناءات أيضا التي ظهرت شخصيات مصرية بصفة أطباء أو مدرسين أو مربيات في بعض المسلسلات الخليجية.
وصورة السوري والفلسطيني في الخليج هي إما حرفيا يعمل بمهنة بسيطة ويتعرض للإهانة في مواقف كثيرة والتندر على لهجته. أو معلما أو موظفا في قطاع السياحة في أحسن الأحوال. وصورة السوداني بواب يثير الضحك على لهجته quot;غير الفصيحةquot;. وصورة اللبناني رجل quot;مائعquot; والمرأة quot;انثى جميلة مغرية غير محافظةquot;.
وبالمقابل فإن صورة الخليجي في الدراما المصرية والسورية، رجل بملابسه التقليدية لا يتقن فن التعامل العصري، باحث عن المتعة الجنسية وعرضة للنصب والاحتيال. والمرأة الخليجية غارقة بملابسها التقليدية الفضفاضة وتابعة لزوجها ومبذرة لأموالها في شراء الحلي والزينة أو تركض خلف زوجها متقصية آثار مغامراته النسوية.
أما صورة العراقي ففي الغالب سائقا أو عاملا. رغم أن الأعمال الخليجية (الكويتية خاصة) كانت تظهره فاعلا ومؤثرا أكثر في الحياة كطبيب ومدرس، ومنها على سبيل المثال المسلسل الشهير quot;درب الزلقquot; الذي أعطى دور طبيب عراقي، وأبرز الوجه الجميل للبصرة كمركز تسوق قريب للكويت وأبي الخصيب القضاء التابع لها كمركز اصطياف لما يتمتع به من خضرة وجمال طبيعة جراء وجود نهر شط العرب وبساتينه. لكن الصورة قد تغيرت بعد غزو الكويت، ولا نريد التطرق إلى بعض المسرحيات الشاذة التي أساءت للمسرح الكويتي قبل إساءتها للمواطن العراقي، وكانت تعبر عن فترة انتقام رمزي وكبت عقب الاحتلال.
وصورة العراقي الآن في الدراما السورية أنه quot;عالةquot; على البلد ومزاحما لهم في السكن والمعيشة أو quot;مناضلاquot; مشردا عن بلده. كذلك نستثني هنا بعض الأعمال، ومنها المسلسل الذي قام ببطولته الفنان أيمن رضا وأدى فيه دور شاب سوري ينتحل صفة عراقي يقيم في سوريا، يُوقع فتاة سورية بحبه، ويقوم بعملية نصب باسمها تتمثل بتهريب سيارة مؤجرة باسمها...الخ
ورغم أن المسلسل يبقى طيلة مدة عرضه تقريبا يظهر صورة سلبية للعراقي المقيم في سوريا، إلا أن تداركه في الأخير كان جميلا، بعد أن يكشف بطله quot;أيمن رضاquot; عن هويته فيقول ما مضمونه quot;بأنه سوري انتحل صفة عراقي، لأن كل التهم تنسب إلى العراقي الآن، مثل غلاء الأسعار وضائقة السكن والمهن وغيرها، فلماذا لا تكتمل الصورة بهذهquot;.
أما صورة أبناء المغرب العربي، فهي أنهم لا يحسنون التحدث بالعربية ولكنتهم مشوبة بالفرنسية دائما، وكأنهم غرباء عن المحيط العربي.
والخلاصة التي نريد أن نؤكد عليها دائما هي الدور الخطير للدراما على مجتمعاتنا من خلال التأثير الكبير الذي تحدثه، وذلك بحساب القدر الكبير من المتابعة في ظل كثرة عدد المحطات التلفزيونية ما يعني زيادة فرص عرض تلك الأعمال، وسهولة وصولها بحكم وجود البث الفضائي، وامتلاك أغلب البيوت لتلك الأجهزة. ومن هذا المنطلق فإن على المعنيين بصناعة الدراما العربية والمسؤولين عن المحطات التلفزيونية والمسارح أيضا أن يمارسوا رقابة ذاتية في إعادة رسم صورة الآخر وإنصافه مهما كان، بحيث يقدم خطين متوازيين لسلبياته وايجابياته. حتى لا ترسخ صورة أحادية متطرفة إزاءه.
- مختص بعلم الاجتماع- لندن: [email protected]m