تتنوع وتتعدد باستمرار اهتمامات علم الاجتماع (sociology) بتنوع وتعدد القضايا الاجتماعية وتأثيراتها على حياة الأفراد والجماعات. فهناك علم الاجتماع الاقتصادي الذي يتناول النشاط الاقتصادي وعلاقته بحياة المجتمع، وعلم الاجتماع الديني الذي يختص بعلاقة وتأثير الظاهرة الدينية في المجتمع، وهكذا الحال مع علم الاجتماع العسكري وعلم الاجتماع الرياضي وعلم اجتماع الجريمة وعلم اجتماع الأدب وعلم الاجتماع الصناعي وعلم الاجتماع الريفي وعلم الاجتماع الحضري وعلم الاجتماع البيئي وعلم الاجتماع الطبي وعلم الاجتماع الثقافي وعلم الاجتماع الحاسوبي وعلم اجتماع الاتصال وغيرها. وهذا يعني دراسة تداخل هذه الأنساق والقضايا وتأثيرها في حياة الفرد والمجتمع.
ومن الظواهر التي باتت حقائق اجتماعية ومؤثرة في حياتنا، هي الأعمال الدرامية (بمعناها الاصطلاحي) من مسرحيات وأفلام ومسلسلات تلفزيونية، حيث تمارس حضورا كبيرا من خلال إشغال وقت الفراغ في داخل البيئة البيتية خاصة، والقدر الكبير من المتابعة في ظل كثرة عدد المحطات التلفزيونية، ما يعني زيادة فرص عرض تلك الأعمال، وسهولة وصولها بحكم وجود البث الفضائي، وامتلاك أغلب البيوت لتلك الأجهزة، والصورة الكارزمية التي من الممكن أن يتركها بعض أبطال هذه الأعمال، وبالتالي درجة محاكاة الجمهور لهم سلبا أو إيجابا، أو المراتب الاجتماعية والسياسية التي يبلغها أبطال الدراما جراء نجوميتهم. فقد اعتلى بعضهم أعلى المناصب السياسية مثل quot;رونالد ريغانquot; الرئيس الأميركي الأسبق، وquot;ارنولد شفارزنيغرquot; الذي شغل منصب حاكم ولاية كاليفورنيا، وغيرهم. وهذا ناجم عن درجة حضورهم وتأثيرهم لدى الناس في بلدانهم. يضاف إلى كل ذلك المضامين والرسائل التي ترسلها الأعمال الدرامية إلى مشاهديها. وعليه فهي يمكن أن ترسخ صورة أحادية متطرفة إزاء الآخر مثلا، أو تكرس عادات وتقاليدا وقيما اجتماعية سلبية إذا لم توجه الوجهة الحسنة. وبهذا فهي تلعب دورا خطيرا ذا حدين يمكن أن يكون سلبيا أو ايجابيا.

من هذا المنطلق نجد أن الحاجة باتت ملحة إلى قيام تخصص جديد يعنى بهذا المجال، وهو quot;علم اجتماع الدراما sociology of dramaquot;، ولا نزعم هنا أن فكرة هذا التخصص هي من بناة أفكارنا، إنما هي بات تخصصا يدرس في بعض جامعات العالم وميدان بحث هام، ولكنه في عالمنا العربي لازال مجهولا للأسف كما يبدو.
إن هذا الميدان يمكن أن يختص بطبيعة صناعة الدراما وصلتها بالواقع وتصنيف الأعمال الفنية ودرجات تأثيرها على المجتمع، سلبا وإيجابا. كذلك تأثير الدراما في ارتفاع درجة العنف مثلا، أو قيم الفضيلة أو الرذيلة والتثاقف (acculturation)، بالإضافة إلى إمكانية استثمار الدراما كعلاج اجتماعي ونفسي، باعتبارها منهج في تطوير التعليم، وما إلى ذلك.
كما لا يفوتنا أن نشير إلى الدور النقدي (critical) الذي يمارسه علم الاجتماع بصورة عامة، فالنقد الاجتماعي جانب مهم من مهام علم الاجتماع يضاف إلى الجوانب والأدوار التي يؤديها مثل التوصيف والتشخيص والتحليل ووصف الحلول العلاجية والوقائية من السلبيات أيضا. وليس بالضرورة أن نصل إلى مجتمع مثالي، خال من الأمراض والعلل الاجتماعية، لكن إلى تقليص السلبيات إلى أقصى حد ممكن بأساليب علمية شتى ليست وعظية، منها التوصيات والمقترحات التي يقدمها وفقا للدراسات العلمية التي يجريها، والمشاركة في صنع القرار ورسم السياسات الاجتماعية والنقد الاجتماعي.
وهكذا فإن للنقد الاجتماعي دور في تقويم الأعمال الدرامية بشكل علمي، وهو بهذا لا يحل محل الناقد الفني والمسرحي والسينمائي، ولا يتقاطع معهم. فلكل من هؤلاء دوره الذي يؤديه في تقييم وتقويم الأعمال الدرامية في جوانبها الأدبية والفنية والجمالية والمنهجية وما إلى ذلك. لكن الدور النقدي والرقابي لعلم اجتماع الدراما سيكون على أساس تصويب السلبيات الاجتماعية والثقافية والسلوكية التي ترافق العمل بغية تجنبها. فهو يمكن أن يوجه إلى تصحيح الصور النمطية تجاه فئات معينة من الناس، ويوجه برفع الظلم الاجتماعي عنهم. كما يمكن أن يسهم برفع الذائقة الجمالية ويقيس اتجاهات الجمهور نحو العمل الدرامي وغير ذلك.
ووفقا لهذا فلعلنا لا نذهب بعيدا حينما نطالب أن يكون هناك خبير اجتماعي (sociologist) لكل عمل درامي، حتى يخرج بالصورة المتوافقة مع هذه الأسس.

متخصص بعلم الاجتماع- لندن: [email protected]