أثار قرار هيئة المساءلة والعدالة ( اجتثاث البعث سابقا) منع النائب صالح المطلك وكيانه السياسي (الجبهة العراقية للحوار الوطني) من الترشيح للانتخابات البرلمانية القادمة زوبعة كبيرة في الوسط السياسي العراقي ومخاوفا لدى مراقبين والعديد من المواطنين من أن يؤثر ذلك على سير العملية السياسية في العراق التي لازالت تعيش مرحلة انتقالية تتطلب الكثير من الصبر والدعم من المواطن العادي والجد والوطنية وروح المنافسة الشريفة من الفرقاء السياسيين.
ونحن بصدد هذه الأزمة فإن المبدأ الذي ينبغي طرحه هنا هو quot;عقلنة العملية السياسيةquot;، والعقلنة هذه نعني بها أن ينتهج الفرقاء السياسيون وخاصة شركاء العملية السياسية النهج العقلاني الوسطي، والبحث عن الحلول التوافقية إذا لزم الأمر، وتقديم مصلحة البلد قبل المصلحة الشخصية والحزبية. وهذا يشمل حتى مؤسسات الدولة الأخرى بما فيها الدستورية أيضا. فلا يمكن التعامل بنص جامد دون النظر إلى مصلحة البلد أولا.
ولعل قضية النائب المطلك مثال ماثل وقائم الآن. فقد جاء في حيثيات قرار هيئة المساءلة والعدالة quot;أن لديها ما يثبت شمول المطلك بالمادة السابعة من الدستور العراقيquot;، لذا قررت منعه من الترشيح. أما المادة السابعة من الدستور فتنص على quot;حظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، بخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانونquot;.
ونحن نرى أن تفسير وتطبيق هذه المادة الدستورية من صلاحيات جهات أخرى منها quot;مفوضية الانتخاباتquot; وليس quot;المساءلة والعدالةquot;، التي عنيت منذ إنشائها باسم quot;اجتثاث البعثquot; بفرز البعثيين ذوي الدرجات القيادية في الحزب والمتورطين في قضايا جنائية ضد المواطنين إبان مرحلة النظام السابق. ولا اعتراض لدينا على هذه اللجنة ومهمتها، فنحن بحاجة إلى محاسبة كل مجرم وليس فقط حرمانه من تبوء مناصب في البلد الذي أساء له، خاصة وأننا لم نشهد حتى الآن أي تبرؤ أو اعتذار أو ندم من البعثيين القياديين (يمينهم ويسارهم) على حد سواء ممن تصدوا لقيادة البلد إلى الحالة التي انتهوا عليها.
وطالما كانت هذه مهمة الهيئة فإن تقييم النهج السياسي وسير الانتخابات بعيد عنها حسب اعتقادنا، وإن تدخلها بهذه الطريقة سيعثر العملية السياسية والاستقرار في البلد، خاصة وأنها استهدفت شخصا كان ولازال شريكا في العملية السياسية مذ كان أمر الاشتراك والدخول طرفا فيها يعتبر quot;خيانة وجرماquot; تحاسب عليه الجماعات المسلحة والإرهابية في مناطق شاسعة من العراق. كما وأن كتلة المطلك لها 11 مقعدا في البرلمان، ما يعني أنها تمثل قطاعا لا يستهان به من الشعب العراقي، وبالتالي فأين كانت quot;الهيئةquot; من مسألة دخولها إلى الانتخابات وشرعية قائدها quot;المطلكquot;؟؟. فضلا عن أن الكتلة قد اندمجت مع quot;القائمة العراقيةquot; بقيادة إياد علاوي، ما يعني تشكيل جبهة لا يستهان بها، ويتوجب النظر إلى تداعيات مثل هذا القرار إذا ما طبق فعلا.
أما تهمة quot;البعثquot; فيفترض أن تكون قد سقطت عن المطلك منذ عام 1977 حينما ترك حزب البعث لأي سبب كان. لا يمكننا حرمان كل من انتمى لحزب البعث في مرحلة سابقة. يجب أن ننظر إلى خارطة العراق بأكمله وليس إلى محافظة أو إقليم محدد وبالتالي تقدير هذا الموقف وتداعياته.
إن عقلنة المواقف والخطابات السياسية التي نداعي بها هنا تشمل المطلك أيضا الذي بدأ مسيرته في العملية السياسية بخطابات متشنجة وتهم يوزعها على بعض شركاء العملية السياسية. كما اتسم خطابه السياسي بالتشنج في أغلب الأحيان ولم ينفتح كثيرا على شركاء العملية السياسية. ودأب على مهاجمة إيران باستمرار ما يفسره البعض على أنه نهج طائفي موجه. لقد فسر المطلك قرار إقصائه من قبل الهيئة على أنه quot;مسيسquot; بل ذهب أبعد من ذلك حينما وصفه بـquot;رضوخ لإيرانquot;. وفي جانب آخر وجه اتهامه مباشرة إلى المالكي وحزب الدعوة الذي يقوه بقوله quot; لا يمكن أن نتوقع من المالكي كأمين عام لحزب الدعوة أو أي شخص آخر مثل المالكي... نشأ منذ بداياته بطريقة طائفية ومضى عليه عشرات السنين أن يتحول فجأة إلى حزب وطني... وأن يكون قائدا لمشروع وطني... سيعود بالنتيجة لكي يكون جزءا من المشروع الطائفيquot;.
وهذا طرح انفعالي متطرف لا يليق بشخص قيادي وشريك في العملية السياسية أن يوجهه إلى حزب يقود الحكومة وله موالون وأعضاء بأعداد كبيرة من العراقيين، وبذل العديد من الضحايا في المرحلة الدكتاتورية السابقة. لا ينبغي رد التهمة بتهم مثل هذه. بهذا النهج فانه سيزيد من أعدائه ويكرس أو يخلق صورة على انه شخص quot;فئويquot; لا يستحق تمثيل غالبية العراقيين لاحقا أن قد له أن يتبوأ منصب برلماني أو حكومي.
كذلك فإنه قد درج بين الحين والآخر على مغازلة البعثيين دون التمييز الواضح بين المذنب والبرئ منهم.
لعل هيئة المساءلة والعدالة تتأثر إلى حد ما في قراراتها بالسجال والنزاع ومراكز القوى في الشارع العراقي إن لم تتهم بالتبعية لحزب أو جهة ما في العراق، وعليها أن تركز على المهمة التي أوكلت لها، وأن تنظر مصلحة العراق واستقراره. وعلى صالح المطلك وغيره ممن يعتبرون أنفسهم ضحية قرارات هذه الهيئة أو غيرها أن يلجأ إلى الأساليب القانونية وأن يحكموا المؤسسات القضائية من أجل إنصافهم بدلا من توزيع التهم وتأزيم الأمور.
على الجميع أن يضعوا مصلحة البلاد نصب أعينهم وأن يجعلوا خدمة المواطن والمنافسة الشريفة شعارا ونهجا في التنافس السياسي.
وبقناعة شخصية نقول أن من أهم وسائل quot;اجتثاث البعثquot; ومحاربة عودته هي النزاهة في العمل السياسي والإداري وإقناع المواطن بأن بديل البعث من أحزاب وشخصيات هم ذوي الأيادي النظيفة الذين يقدمون مصلحة المواطن قبل مصالحهم الحزبية والشخصية.


باحث في علم الاجتماع

www.al-hashimi.blog.com